سيناء | يكاد اسم شمال سيناء، الذي تقع فيه أكثر العمليات العسكرية، يطوي بعيداً منطقة جنوب سيناء، لكن الحدث الاقتصادي المرتقب (مؤتمر المانحين ـ المستثمرين) في مدينة شرم الشيخ (جنوب) يعيد إلى الواجهة المنطقة التي كانت محلاً للضربات «الجهادية»، وخاصة في عهد حسني مبارك. يبدو أن شرم الشيخ، وجنوب سيناء عموماً، تنعم بالأمان النسبي مع غياب أي حادث أمني كبير قد يؤرق مضجع السلطات المصرية، مع أن تلك المنطقة تضم منتجعات سياحية مهمة، وإن كانت تعاني أخيراً من ركود متزايد. وبرغم تدفق السياحة الإسرائيلية عبر منفذ طابا البري إلى مدن جنوب سيناء، فإن آخر استهداف لهم كان في كمين الطور في الثالث من أيار ٢٠١٤، حينما وقع تفجيران انتحاريان استهدفا كمين طور سيناء الأمني، وحافلة سياحية تقل عدداً من السياح إلى شرم الشيخ.

لكن مراجعة تاريخية تظهر أن تلك المنطقة شهدت سلسلة حوادث خطيرة بدأت منذ 2004، إذ استهلت في تشرين الثاني من ذلك العام بسلسلة تفجيرات متزامنة استهدفت فندق «هيلتون طابا» ومنتجعين في مدينة نويبع، ما أوقع أكثر من 30 قتيلاً وعشرات المصابين من الإسرائيليين. كذلك شهدت شرم الشيخ في تموز 2005 هجمات تبنّاها تنظيم «القاعدة» ضد منتجع مصري، فقتل آنذاك 88 شخصاً معظمهم مصريون، فضلاً عن إصابة أكثر من 200. كذلك تكرر السيناريو نفسه في مدينة دهب في نيسان 2006.
يزيد استقرار الجنوب التوافق بين القبائل والدولة والارتخاء الاقتصادي

لماذا انقلبت البوصلة إلى الشمال؟ يشرح مصدر أمني في مديرية أمن جنوب سيناء، رفض ذكر اسمه، أن غالبية مدن الجنوب، وخاصة شرم الشيخ، لا توجد فيها كثافة سكانية أو مزارع زيتون كما في الشمال، لذلك «تسهل السيطرة عليها أمنياً»، بل إنه «لو وقعت حوادث إرهابية فستكون مكشوفة وتسهل السيطرة عليها، على عكس الشمال حيث القرى المتقاربة والكثافة السكانية، فضلاً عن جغرافيا تسمح بالهرب إلى عدة أماكن».
وفيما يلقى باللوم على الدولة لإهمالها محافظة الشمال ومنطقة وسط سيناء (لم تعلن محافظة بعد)، فإن الجنوب كما تقول مصادر قبلية أفضل اقتصادياً، إذ تتوافر لأبناء القبائل فرص للعمل في القطاع السياحي تدر عليهم دخلاً جيداً، على عكس الوضع الاقتصادي والإهمال الرسمي في الشمال. لكن المصدر الأمني نفسه يؤكد أن شرم الشيخ تعاني حالياً ظروفاً اقتصادية صعبة منذ «ثورة 25 يناير»، رغم أنها تشهد «بعض الفعاليات والمؤتمرات البسيطة». ويضيف: «هذا يأتي في إطار ضخ الدماء الجديدة لإعادة الروح للمدينة التي كانت قلعة أمنية يصعب اختراقها، وخاصة بعد الإجراءات المتخذة منذ 2005».
مع كل هذه التطمينات، فإن شرم الشيخ عادت إلى دائرة الخوف مع اقتراب مؤتمر الاستثمار وكثرة التهديدات من التيارات الإسلامية (ولاية سيناء، الإخوان المسلمين)، وهنا تعول القاهرة على نجاح المؤتمر في إنقاذ البلاد من أزمتها. لكن المدينة ليست بعيدة عن خطر الضربات الأمنية القادمة من الشمال. لذلك يؤكد مساعد وزير الداخلية لأمن جنوب سيناء، اللواء حاتم أمين، لـ«الأخبار»، أن أجهزة الأمن «أعلنت حالة الطوارئ والاستنفار القصوى عقب التفجيرات التي شهدتها العريش (شمال) تحسباً لامتداد أي هجمات إلى مدن جنوب سيناء».
ورغم أن هذا الاستنفار جرى اختباره شمالاً، فإن أمين يشدد على أن قوات الأمن المدعومة بالجيش تمشّط الوديان الجبلية في مدن شرم الشيخ، ودهب، ونويبع، وطور سيناء، إضافة إلى طابا ورأس سدر وسانت كاترين، مضيفاً: «يقود تلك الحملة العميد محمد خريصة، وهو مدير مباحث جنوب سيناء». واللافت إشارة اللواء إلى أنهم نسقوا جيداً مع العناصر البدوية من أبناء قبائل جنوب سيناء، وتوافقوا على ضرورة الإبلاغ عن أي عناصر مجهولة تدخل المضيقات الجبلية، بعدما تفهمت القبائل المخاطر التي تمر بها مصر في هذه المرحلة.
داخل الشوارع، تجري على قدم وساق أعمال إنشاء وتجديد للطرق بجانب تجميل الشوارع والحدائق ومداخل شرم الشيخ ومخارجها استعداداً للمؤتمر المقبل، ولعل المثير للاهتمام تزويد المدينة بعدد من وحدات الإضاءة التي تعمل على الطاقة الشمسية.
في المقابل، تتردد في الصدى الإعلامي أنباء عن نية جماعة الإخوان إفساد المؤتمر الاقتصادي الدولي عبر التواصل مع عدد من الدول والمستثمرين المشاركين لإقناعهم بالعدول عن الحضور، وهو ما قد يجد أثره بين الناس، إذ تشيع مصادر أمنية أن شخصيات تنتمي إلى الإخوان راسلت مستثمرين وطلبت منهم سحب استثماراتهم من مصر، بحجة أن المناخ الحالي غير آمن للاستثمار، وذلك بالتوازي مع «تكثيف التنظيم وأنصاره موجات الفوضى في الشارع، ونشر الشائعات».
ويردّ على ذلك النائب السابق في البرلمان وأحد رموز قبيلة الجبالية في طور سيناء، عواد الجبالي، قائلاً إن «الإرهاب انحسر وتراجع في جنوب سيناء، وخاصة مدينة شرم الشيخ، نظراً إلى تراجع أهميتها كمنطقة سياحية دولية كانت تسمى باسم الرئيس الأسبق (مدينة مبارك)... حتى دخول المصريين كان بموجب تصريح أمني». ويقدر الجبالي أن العناصر التي تنفذ «عمليات إرهابية في الشمال لها أهداف محددة ترتبط بأهمية الموقع الاستراتيجي هناك، حيث الحدود مع فلسطين المحتلة وقطاع غزة، كما توجد ارتباطات أيديولوجية بين العناصر الجهادية وقيادة داعش التي ترى أن امتداد دولة الخلافة مناسب هناك».