حضر الخيار العسكري أولاً في خطاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد الاعتداءات الدامية على الجيش في شمال سيناء. فمع أنه أشار، للمرة الأولى، إلى ضرورة تنفيذ «تنمية مستدامة» في المناطق التي تعاني تاريخياً من تهميش الدولة، فإنه أوكل مهمة التنمية إلى القائد العسكري الجديد الذي عينه لإدارة العمليات المقبلة!السيسي استغل الحادث ليقدم جردة حساب كبيرة، فحاول في كلمته، أول من أمس، اعتبار ما يجري في سيناء ضريبة لقرار المصريين إنهاء حكم محمد مرسي، وذلك بتكراره العبارات نفسها التي سبق أن ألقاها في أعقاب الهجمات السابقة، كحادثة كرم القواديس، قبل أشهر.

مع ذلك، أتقن الرجل أداء لعبته السابقة، إذ عمل على مداعبة شعور المواطنين، فجدد مطالبته الإعلام برفع «الروح المعنوية» للشعب، والتزام «قواعد أزمنة الحرب في تغطية أخبار الجيش»، وهو ما يعني عدم المساس بالقوات ونقد تصرفاتها نقداً بناءً أو لاذعاً، ولا سيما مع خروج انتقادات سابقة بشأن قسوة الجيش في التعامل مع سكان شمال سيناء، ما يعزز فرضية أن الدولة أمام خيارين: إما إجلاء تلك المدن والاستغناء تدريجاً عن المنطقة الشمالية، أو العمل على حلول جذرية ستأخذ من طاقة الجيش والاقتصاد نصيباً كبيراً. وما يزيد الخوف من الخيار الأول، أنه تم البدء بتنفيذ حلول من هذا النوع في مدينة رفح المصرية على الحدود مع غزة، مع أن ذلك لم يمنع (حتى الآن على الأقل) استمرار الضربات ضد القوات الأمنية، بل تصاعدت وتطور تكتيكها. لكن التصريح بنية التطوير في تلك المناطق يقرب افتراض الخيار الثاني أكثر.
أصابع الاتهام
تتجه كلها نحو
جماعات العائدين
من سوريا

كذلك، مهد السيسي إلى ترسيخ اقتناع مفاده أن عملية الخميس لن تكون الأخيرة، لأن «المواجهة صعبة وستأخذ وقتا طويلاً». وليؤكد في «جردة الحساب» أنه كان على صواب حينما عزل مرسي، فإنه حمّل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة المسؤولية عن «العمليات الإرهابية»، مستشهداً بحديث سابق وجهه إليه نائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر، بالإشارة إلى أنه هدده قبل عزل مرسي بـ«وصول أفواج من كل حدب لمحاربة الدولة» في حال اتخاذ أي قرار بالعزل.
عملياً، قررت القاهرة الآن تشكيل «قيادة موحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب برئاسة اللواء أركان حرب أسامة عسكر مع ترقيته إلى رتبة الفريق». والفريق عسكر هو قائد الجيش الثالث الميداني المسؤول عن جنوب سيناء. ومع أنه لم يعرف بعد هل سيحتفظ عسكر بقيادته للجيش الثالث، إضافة إلى منصبه الجديد، فإن الأكيد أن قرار تشكيل هذه الوحدة يعني «توسيع العمليات العسكرية في سيناء وإعطاءها حق استخدام قوات وآليات الجيش الثاني والثالث الميدانيين»، بالاستناد إلى أن الجيش الثاني الميداني كان المكلف بقيادة العملية العسكرية في شمال سيناء قبل هذا الإجراء.
وتحدثت مصادر لـ«الأخبار» عن أن قرار السيسي إنشاء قيادة موحدة مرتبط برغبته في إنهاء وجود حلقة وسيطة بين القيادة في سيناء ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة، إذ كانت التعليمات والتحركات تنقل عبر الجيشين الثاني والثالث، لذلك «جاء قرار التوحيد لتسريع اتخاذ القرارات المهمة والإبلاغ عن الأحداث فور وقوعها». ومن مهمات القيادة الجديدة التواصل مع القيادة المركزية مباشرة، ممثلة برئيس الأركان ووزير الدفاع، فضلاً عن الصلاحيات الواسعة التي ستتمتع بها في المواقف الطارئة، ومن ذلك القدرة على اتخاذ قرارات بالاشتباك وإعلان الطوارئ ومهاجمة الأماكن التي يعتقد أن المسلحين يختبئون فيها من دون الرجوع إلى القاهرة.
ونقلت المصادر نفسها أن «التحركات المطلوبة من القيادة الجديدة لن تتعارض مع اختصاص الجيشين الثاني والثالث في تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس من القطاع الجنوبي وخاصة في محافظتي الإسماعيلية والسويس».
ماذا عن المليارات العشرة لسيناء؟
السيسي أعلن أنه خصص ميزانية قدرها 10 مليارات جنيه (نحو 1.3 مليار دولار أميركي) للتنمية ولمكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن الفريق عسكر سيكون مكلفاً بتحقيق الأمن والاستقرار في سيناء، بالإضافة إلى مهمات أعمال وتنمية «هذه المنطقة الغالية من أرض الوطن». في الظاهر، ليس واضحاً بعد موعد وإمكانية تطبيق هذه التنمية، وخصوصاً أنها متأخرة عن استحقاقها لتلك المحافظة وتأتي في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية كبيرة. كل ما قاله السيسي أن القوات المسلحة «ستعمر وتبنى، كما ستحارب وتواجه الإرهاب»، وفي تكليف قائد عسكري بالتنمية، يتضح أن المشاريع التي قد تنفذ ستكون تابعة للجيش، على أقل تقدير.
وبشأن نتائج التحقيق في الهجوم الأخير، فإن مصادر أمنية أفادت «الأخبار» بأن وزارة الداخلية تمكنت من التعرف إلى طرق تنفيذ التفجيرات المتزامنة التي هزت العريش؛ فقد تبين «استخدام الإرهابيين مناطق مرتفعة عن مستوى المباني الشرطية والعسكرية من أجل تصويب قذائف الهاون على الوحدة العسكرية والمربع الأمني» في المدينة. وأضافت إن المداهمات خلال اليومين الماضيين «أسفرت عن اكتشاف غرف وأنفاق تحت الأرض في مناطق قريبة من الأماكن المستهدفة، حيث عثر في داخلها على أسلحة متطورة وحديثة تم تركيبها في منازل مستأجرة». وتابعت: «هي المرة الأولى التي يعثر فيها على قذائف هاون متطورة بهذه الصورة، بالإضافة إلى قذائف آر بي جي شديدة الدقة في إصابة أهدافها».
وتذكر المصادر الأمنية أن أصابع الاتهام «تتجه كلها نحو جماعات العائدين من سوريا الذين صار لديهم خبرة عسكرية، بل إعلامية عبر مهمات التصوير والترويج الإعلامي».
إلى ذلك، أصيب 6 جنود في الجيش جراء هجمات استهدفت ثلاثة حواجز عسكرية على الطريق الدولي الشيخ زويد ــ رفح، كما أعلن أن قوات الجيش أحبطت محاولة تفجير حاجز «الجورة» الأمني، في شمال سيناء.