لم يجد خصوم المقاومة، في لبنان والمنطقة، مادة إسرائيلية تساعدهم على اعتبار ما حصل في مزارع شبعاً أمراً عادياً، مع أن كثيرين من أنصار إسرائيل، في لبنان والعالم العربي، ذهبوا الى أبعد من ذلك بالقول إن العملية جاءت ضمن تفاهم غير مكتوب مع العدو نفسه. ولكن بعيداً عمن يريد البقاء في ضفة العدو، لنقرأ كيف تصرفت إسرائيل مع عملية المقاومة، في ظل ارتفاع أصوات بارزة في الدولة العبرية بالنقد لحكومة بنيامين نتنياهو على خلفية السباق الانتخابي، علماً بأن هؤلاء يدركون أن القرار النهائي يعود الى المعطيات التي يفرزها الميدان. وهنا مربط الفرس.
ما الذي انتهت إليه الأمور؟
أولاً: ظاهر الأمر يشي بأن العدو أدرك صعوبة السير في لعبة الردود التي قد تقود الى مواجهة تتدحرج الى حرب شاملة. لكن «الغدر» الذي يميز إسرائيل لا يقفل الباب أمام حماقة جديدة كالتي قامت بها في القنيطرة. وهذا ما يعيدنا الى فلسفة «البيان رقم ـ 1» الصادر عن المقاومة الاسلامية.
ثانياً: عندما قرر العدو «احتواء الموقف»، تصرف وفق حسابات عملانية. وهذه الحسابات أساسها رسائل حزب الله، عندما قام بالعملية النوعية، للعدو بأنه لن يسكت عن أي اعتداء تتعرض له المقاومة، وأنه مستعد للذهاب بعيداً في المواجهة إذا ما قرر العدو الهروب نحو الحرب. وهذا يعني، بالنسبة إلى إسرائيل ولغيرها، أن حزب الله، الذي أشيع الكثير عن «صعوبة وضعه» نتيجة انخراطه في الحرب الى جانب الجيش السوري، حاضر ومستعد للقيام بدوره المركزي في قلب حركة المقاومة، بمعزل عن دوره في سوريا.
ثالثاً: بات الجميع يدرك، ربطاً بمعطيات الميدان، أنه وفق قواعد الاشتباك القائمة اليوم، فإن إسرائيل غير قادرة على التصرف من دون ردّ مقابل، وإن أي محاولة لتعديل الوقائع تتطلب تغييراً جوهرياً في موازين القوى. وهذا يعني، ببساطة، القيام بحرب واسعة. فهل إسرائيل قادرة على ذلك؟
رابعاً: من المنطقي، مع تيقّن قادة العدو من أنهم غير قادرين على تحمل تبعات مواجهة عسكرية تقود حتماً الى حرب واسعة، أن يكون القرار الذي لم يصدر عن المجلس الامني الأعلى في إسرائيل هو الطلب الى أجهزة الاستخبارات، على مختلف أنواعها، الشروع، وسريعاً، في اغتيال كوادر وقيادات في المقاومة من خلال عمليات أمنية يمكن تصنيفها في خانة الحرب الأمنية المفتوحة وغير المتوقفة بين المقاومة وإسرائيل. وهذا يعني أننا سنكون، في المرحلة المقبلة، أمام سخونة أمنية تقابل البرودة على الجبهات العسكرية.
خامساً: سيعمد العدو الى ابتداع سياسة عملانية سريعة في منطقة جنوبي سوريا والمناطق القريبة من الجولان المحتل، تلزمه بالاتكال أكثر على المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام هناك، بغية مساعدتها على تحقيق نتائج تؤدي الى إبعاد حزب الله عن المناطق السورية المحتلة، وذلك كنوع إضافي من الاهداف القائمة الآن، والتي جاء عدوان القنيطرة ضمنها، خصوصاً أن وزير الأمن موشي يعلون صرّح، أمس، بأن الغارة هدفت الى تصفية الشهيد جهاد عماد مغنية لأنه كان يستعد لإدارة عمليات نوعية ضد إسرائيل في تلك المنطقة.
سادساً: وهو الأمر الأكثر إيلاماً، ويتعلق بالجبهة الداخلية اللبنانية، حيث سنشهد تنفيذاً لأمر عمليات صدر بالأمس، باستعادة الهجوم على المقاومة من زاويتين: الأولى من خلال تكرار معزوفة قرار السلم والحرب، والثانية من خلال اعتبار بطولة المقاومة عملاً «متفقاً عليه»!