تحذّر مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين انه "سنة إثر سنة، شهرا اثر شهر، اسبوعا اثر اسبوع، ويوما اثر يوم، تندفع ازمة اللجوء السوري في لبنان الى التأزم اكثر وترخي بتداعياتها الامنية والاقتصادية والمعيشية والتربوية والصحية والاجتماعية والسكانية على مجمل الاوضاع العامة للبنان، الذي تحمل الجزء، ربما الاكبر، من تبعات هذه الازمة مع تناقص متسارع لحجم المساعدات الدولية، وتراخي المساعدات العربية وتراجعها الى ما دون الخمسين بالمئة، عما كانت عليه منذ بدء الازمة السورية، وبالتالي انخفاض قدرة المجتمعات المحلية اللبنانية على النهوض بهذا العبء الكبير في ظل اوضاع سياسية واقتصادية وامنية لبنانية هي الاكثر تدهورا".هذا التحذير من الاسوأ جاء مرفقا بنتائج الدراسات الاخيرة التي اظهرت ان 70% من النازحين المقيمين في لبنان يعيشون حاليا تحت خط الفقر (لا يزيد على 4 دولارات للفرد في اليوم)، وذلك بحسب التقييم السنوي لجوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان لعام 2015، الذي أعده برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وبحسب ممثلة المفوضية في لبنان، ميراي جيرار، فإن النازحين بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الدعم. "ومن دون استجابة إنسانية قوية ومستدامة، قد يغوص النازحون أكثر فأكثر في الفقر".
تشير النتائج الرئيسية لدراسة سابقة (http://www.al-akhbar.com/node/247346) إلى تزايد اعتماد النازحين على الديون والمساعدات الإنسانية، واقتران ذلك بتراجع في نوعية المواد الغذائية المستهلكة وانخفاض في النفقات نظرا للموارد المحدودة. فحوالى 90% من أكثر من مليون نازح سوري في لبنان غارقون اليوم في حلقة مفرغة من الديون، ووفقا لنتائج الدراسة المذكورة، تضطر أسرة من أصل كل ثلاث أسر سورية إلى إنفاق ما لا يقل عن 400 دولار أميركي أكثر من دخلها الشهري، ما يجبر أكثر من نصف الأسر التي شملتها الدراسة، أي ضعف العدد المسجل في العام الماضي، على خفض نفقاتها من أجل تغطية حاجاتها الحياتية الأساسية.
أعربت ممثلة برنامج الأغذية العالمي، جواهر عاطف، عن قلقها الشديد حيال "النتائج التي خلص إليها التقييم. فقد تضاعف مستوى انعدام الأمن الغذائي المعتدل، مع بلوغ النسبة 23% من الأسر، فيما انخفضت نسبة الأسر التي تتمتع بأمن غذائي من 25% عام 2014 إلى 11% هذا العام. ورأت عاطف "ان هذه النتائج بمثابة دعوة ملحة إلى اتخاذ الإجراءات وتلبية الاحتياجات والتصدي لجوانب الضعف لدى النازحين السوريين المتزايدة هنا في لبنان في أسرع وقت ممكن".
يشير تقرير المفوضية الى ان معدل إنفاق الأسرة الواحدة خلال عام 2015 بلغ نحو 493 دولارا أميركيا في الشهر، أي ما يمثل انخفاضا بنسبة 35 في المئة مقارنة بـ762 دولارا أميركيا عام 2014، كما أن ثلثي الأطفال دون سن الخامسة يتناولون أقل من ثلاث وجبات ساخنة في اليوم، فيما هذه النسبة كانت تبلغ النصف عام 2014، وان 3% فقط من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 6 أشهر و17 شهرا حصلوا على الحد الأدنى من النظام الغذائي المقبول. كذلك نصف الأطفال السوريين فقط الذين تراوح أعمارهم بين 6 أعوام و14 عاما يرتادون المدرسة، فضلا عن الحد من السعرات الحرارية والعناصر الغذائية في وجبات الطعام وتجاهل الأمراض، يتزايد عدد النازحين الذين يخرجون أطفالهم من المدارس ويرسلونهم في غالبية الأحيان للعمل بشكل غير رسمي حيث يصبحون عرضة للاستغلال.
تقول ممثلة اليونيسف في لبنان، تانيا شابويزا، "إن الأزمة السورية مأساة حقيقية بالنسبة إلى الأطفال، وذلك على نطاق لا يمكن تصوره. وهي لا تزال تؤثر على نحو كبير على حمايتهم ورفاهيتهم ونموهم في المنطقة بأسرها. فتعرض الأطفال للعنف والفقر والتشرد سيسفر عن عواقب وخيمة على كل من المدى المنظور والطويل".
يسعى لبنان للحصول على تمويل بقيمة 2.48 مليار دولار في عام 2016

وبحسب دراسة لمفوضية اللاجئين، فان جوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان قد تفاقمت جراء الاحتياجات الإضافية التي باتت مطلوبة منذ شهر كانون الثاني في ما يتعلق بإقامتهم في لبنان، حيث يجب تجديد الإقامة كل ستة أشهر، وللقيام بذلك، يجب على النازحين الذين هم في سن العمل والمسجلين توقيع تعهد لدى كاتب العدل بعدم العمل. إن معظم النازحين السوريين الذين يعملون يفعلون ذلك بشكل غير رسمي، من خلال إيجاد فرص عمل في الزراعة أو البناء لبضعة أيام كل شهر، ولا يكسبون عادة أكثر من 15 دولارا أميركيا في اليوم (12 ساعة عمل). أما النساء والأطفال، فيكسبون أقل من 4 دولارات أميركية في اليوم مقابل العمل في الزراعة".
ولفت تقرير المفوضية الى ان النسبة المحققة للتمويل المشترك بين الوكالات المطلوب لعام 2015، والبالغة قيمته 1.87 مليار دولار أميركي، تمثّل نسبة 49 في المئة فقط. وقد أطلقت الحكومة اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة في الأسبوع الماضي نداء منقحا للعام المقبل بقيمة 2.48 مليار دولار أميركي من أجل تغطية احتياجات النازحين في لبنان، فضلا عن المجتمعات المضيفة والمؤسسات العامة اللبنانية المتأثرة جراء الأزمة.
أصبح اللاجئون يمثّلون 30٪ من السكان، ووفق الأرقام التي تضمنتها خطة الحكومة، فإن 5.9 ملايين شخص يعيشون حالياً على كامل الأراضي اللبنانية، منهم 3.3 ملايين شخص من المحتاجين، الذين ينقسمون بين 1.5 مليون لبناني ضعيف، و1.5 مليون نازح سوري، و320 ألفا و174 لاجئا فلسطينيا.

وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، إن “لبنان واجه التحديات النابعة من الأزمة في سوريا بكرم وقوة، فعدد اللاجئين فيه أكبر من أي بلد آخر، وهو يعاني تباطؤاً في الاقتصاد وارتفاعاً في نسبة الفقر والبطالة، إضافة للأزمة في مؤسسات الدولة والتهديدات الأمنية”. وأوضحت أن خطة عام 2016 تستهدف أكثر من 1.2 مليون فرد من المحتاجين في المجتمعات اللبنانية، إضافة الى اللاجئين السوريين المسجلين في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ولاجئي فلسطين من سوريا.