الحديث عن «الخطّة الأمنية» بات مدعاة سخرية في البقاع الشمالي، بعدما دخل المصطلح قاموس «النهفات» الشعبية لكثرة اجتراره في السنوات الأخيرة. والسخرية عند هؤلاء القابعين على هامش «لبنان الكبير»، لا تعني أنهم لا يتشوّقون للدولة وهيبتها الأمنية، ولو أنهم يفضّلون أن تترافق «الخطّة» مع خطّة إنمائية حقيقية، تكسر أصلاً أسباب الانفلات الأمني في البقاع.
الأرقام المتناقلة عن أعداد المطلوبين في قضاءي بعلبك والهرمل تبدو مخيفة. يتحدّث نوّاب المنطقة عن وجود آلاف مذكرات التوقيف ووثائق البحث والتحري، فضلاً عن أنه لا إحصائيات دقيقة لدى القيادات الميدانية العسكرية والأمنية في البقاع عن أعداد المطلوبين، الذين تراوح جرائم بعضهم بين الخطف والقتل وسرقة السيارات وتجارة المخدرات وزراعة حشيشة الكيف، فيما تراوح «جرائم» عدد كبير منهم بين محاضر السير والتخلّف عن دفع الغرامات.
لا شكّ في أن الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله يفتح الباب أمام الخطط الأمنية، مع أن التصريحات العلنية من قبل قيادتي حزب الله وحركة أمل، في السابق والحاضر، تؤكّد دائماً أن لا غطاء سياسياً لأي مخلّ بالأمن، وتحديداً، عصابات سرقة السيارات والخطف، وتجّار الحبوب المخدّرة وصنّاعها. وحين تقرّر القوى الأمنية مداهمة مقار مطلوبين أو اعتقالهم بنصب الكمائن، لا تجد من يمنعها من القوى السياسية التي تملك مفاتيح القرى البقاعية، علماً بأن المطلوبين ليسوا من طائفة أو فئة واحدة، وربّما يتوزّعون بالتساوي بين بعض قرى بعلبك ــ الهرمل، ومن ضمنها دير الأحمر.
يبدو الإعلان عن الخطّة الأمنية على هذا النحو في الإعلام مبالغاً فيه بعض الشيء. ما هو الهدف من الخطّة أو الحديث عنها؟ وكيف تكون خطّة «أمنية» تستهدف توقيف المطلوبين إذا جرى الحديث عنها ليل نهار، أو ضرب مواعيد لها في الإعلام؟ وللأمانة، لا أحد يتوقّع الكثير من الخطّة الأمنية «غير السريّة»، التي منح الإعلان عنها الوقت الكافي للمجرمين الخطرين بالفرار والاختباء جيّداً. فالجديّة تعني السريّة والعمل بصمت، للإيقاع بالمطلوبين الذين يقضّون هناء البقاعيين قبل غيرهم. وبالاستناد إلى التجارب السابقة، تسقط الخطّة على رؤوس بعض المطلوبين الصّغار، الذين يصنعهم البؤس في الأطراف النائية وغياب الدولة، فيما ينعم «الكبار» بالحماية من منظومة الفساد التي تحكمها المصالح لا المعسكرات السياسية، وتلك مصيبة. أمّا إذا كانت الخطط الأمنية على إيقاع «6 و6 مكرّر»، فتلك المصيبة الكبرى!