رغم أن المعلقين الإسرائيليين تجندوا صفاً واحداً وراء قرار العدوان الإسرائيلي الذي استهدف عدداً من مقاومي حزب الله في منطقة الجولان، إلا أن أحداً منهم لم يستطع إخفاء قلقه من مرحلة ما بعد الضربة الإسرائيلية. ومع أن كتاباتهم تمحورت حول عرض المخاطر ووضع علامات استفهام إزاء الخلفيات التي أملت على القيادة الإسرائيلية المبادرة إلى مغامرة من هذا النوع، لجهة الخطورة التي تكمن فيها، ليس من الصعوبة استشراف الدور الذي سيؤديه هؤلاء في الأيام المقبلة، وتحديداً لجهة أداء دور صندوق البريد الذي يعمل على إيصال رسائل المؤسسة الأمنية والسياسية، وذلك في انتظار الصيغة التي سينتهي إليها المشهد الإقليمي، على أن يُبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه.
ووصف المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليكس فيشمان، استهداف كوادر حزب الله في منطقة الجولان بأنه "رمي عود ثقاب على برميل بارود". أما عن النتيجة التي يمكن أن تترتب على ذلك، فلم يتمكن فيشمان من ترجيح أيٍّ من الخيارات، مشيراً إلى "أننا الآن ننتظر لنرى إن كان سينفجر (البرميل) أو لا".
وباعتباره جندياً في معركة استهداف حزب الله، كان من الطبيعي أن يردد فيشمان ما روجته المؤسسة الأمنية بأن العملية استهدفت مجموعة كانت على وشك تنفيذ سلسلة عمليات ضد إسرائيل في هضبة الجولان، مع أن مجرد استعراض أسماء الشهداء يكفي للدلالة على سخافة هذا المبرر واختراعه، سواء لجهة جهاد مغنية أو الشهيد محمد عيسى، أو حتى الضابط الإيراني. فهل ذهب كل هؤلاء لتنفيذ عمل ابتدائي ضد إسرائيل؟!
وذهب فيشمان في التأصيل وتبرير الاعتداء الإسرائيلي إلى حد القول إنه لو نُفِّذت هذه العملية المفترضة ضد إسرائيل لما كان بوسع الأخيرة أن تضبط نفسها، خاصة أنها عشية انتخابات عامة. لكن وصف فيشمان للاعتداء الإسرائيلي، كما لو أن "العملية نجحت ولكن المريض – الوضع في الشمال – أخذ بالتدهور فقط"، ينطوي على الإقرار بأن الأمور مفتوحة على سيناريوات خطيرة حتى بالنسبة إلى إسرائيل. وضمن هذا السياق، أضاف أن الجبهة الشمالية بلغت مرحلة من الغليان في هذه الأثناء، قد تكون الأكثر تفجراً منذ اندلاع الأحداث في سوريا.
وكشف المعلق العسكري لـ"يديعوت" عمّا يمكن تسميته فشل التقدير الإسرائيلي، أو لنقل الأمنية الإسرائيلية، بأن يؤدي امتناع تل أبيب عن التبني الرسمي للعملية، إلى تفضيل حزب الله ابتلاع الضربة على مرارتها، خاصة بعدما أصدر الحزب بياناً رسمياً حول تعرض عدد من مقاوميه لاعتداء إسرائيلي في منطقة القنيطرة، وهو ما أقرّ به فيشمان عندما اعتبر أن هذه المناورة لم تنجح مع حزب الله. حتى في مراحل سابقة، عندما رد على اعتداءات تعرض لها بتفجير عبوات ناسفة استهدفت دوريات إسرائيلية.
من جهته، اعتبر المعلق العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الاعتداء الإسرائيلي يدل على أن الوسط السياسي في تل أبيب يعيش في وضع غير مريح. وتساءل عمّا إذا كانت العملية الإسرائيلية نتيجة "إنذار استخباري فوري جرى تلقيه قبل وقت قليل نسبياً من وصول قافلة كوادر حزب الله إلى القرب من الحدود مع إسرائيل". ووضع علامة استفهام حول "من دفع لتنفيذ هذه العملية من أجل استغلال هذه الفرصة التنفيذية التي توافرت، وهل كانت بإيحاء من الوسط السياسي أو بتوصية من المستوى المهني العسكري". وأكد أهمية هذه الأسئلة، لأن العملية التي نُفِّذَت قد تؤدي إلى تصعيد حقيقي في الشمال، وتحديداً في هذه الأجواء الانتخابية التي يعاني فيها حزب الليكود من وضع غير مريح إلى حد ما، بحسب استطلاعات الرأي العام.
وذكَّر هرئيل بالعلاقات بين الخطوات العسكرية والخلفيات السياسية التي ظهرت في الماضي لدى مبادرة إسرائيل إلى شن عمليتين عسكريتين في قطاع غزة "عملية الرصاص المصهور" في نهاية عام 2008، في ظل حكومة ايهود اولمرت، قبل ثلاثة اشهر من الانتخابات، وعملية عمود السحاب في عام 2012، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو، قبل أربعة اشهر من الانتخابات.
ورأى هرئيل أنّ "من الصعب الاعتقاد أن رئيس الاركان بني غانتس أو من سيحل محله، الجنرال غادي آيزنكوت، يدعمان الآن اجراءات قد تؤدي الى تصعيد واسع النطاق". مع ذلك، لفت هرئيل الى ان الاعتداء الاسرائيلي شكل "حدثاً دراماتيكياً قد يؤدي إلى تدهور الجبهة الشمالية"، مضيفاً أن "المصالح الأساسية للطرفين، غير المستعدين للحرب، ستبقى كما هي"، لكنه عاد واستدرك بأن "العملية التي استهدفت رجال حزب الله، اضافت عاملاً جديداً".
إلى ذلك، تساءل المعلق الأمني في "معاريف"، يوسي ميلمان، عمّا اذا كان الاعتداء الإسرائيلي "خطوة جريئة أو مغامرة خطرة". واضاف ان السؤال: هل العملية التي استهدفت كوادر حزب الله، كانت واجبة انطلاقاً من أن اسرائيل كانت تواجه قنبلة على وشك الانفجار، مثل اطلاق صواريخ، أم أن ما يقف وراء هذا القرار اعتبارات انتخابية للمستوى السياسي. ورأى أنّ من المشكوك فيه إمكانية الحصول على جواب على ذلك، حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد اقل من ستين يوماً. لكنه اضاف أن "العملية لم تترك الكثير من الخيارات أمام حزب الله"، مقراً بأن "خطر اشتعال قد ارتفع، رغم انه حسب كل التقديرات في اسرائيل ليس لحزب الله ولا اسرائيل رغبة بحرب شاملة او حتى جولة محدودة".