حسابات من نوع خاص جعلت قيادة العدو تتخذ قراراً بتنفيذ جريمة أمس. لجوء إسرائيل الى عمل عدواني موصوف، بطريقة مباشرة، وضد هدف واضح أنه رُصد من قبل، وفيه كوادر من المقاومة الاسلامية يتحركون في منطقة القنيطرة، حيث التورط الإسرائيلي المباشر في الازمة السورية، عمل لا يقوم على انفعال، ولا على حسابات تفصيلية صغيرة. بل هو عمل يستدعي الهدوء والتفكير بعيداً عن الانفعال، لأن الردّ، الآتي حتماً، يجب أن يتناسب والهدف الذي أراد العدو تحقيقه من وراء هذه العملية.
كان لجمهور المقاومة موعد خاص، قبل أيام، مع السيد حسن نصرالله. وهو أكد، باختصار، أولوية الصراع مع العدو، وأشار الى تدخل العدو في سوريا. يجيد السيد نصر الله الحرب النفسية. لكن الله وحده يعلم ما إذا كان يخطط لكل كلمة يقولها، أم أن طريقة عرضه للمعطيات تجعل كلامه يصيب أكثر من هدف. أيّاً يكن الأمر، فالنتيجة أن ما يقوله يتحول أمراً واقعاً لا شك فيه. وقوة الرجل ليست في منطقه فقط، أو بما يمثل، بل في كونه ثبّت في عقول الخصوم، قبل الأهل، أن ما يقوله صحيح، وأن ما يفترضه قابل للتحقق في يوم ما. وفي حالة الحزب، كما يعبّر عنه السيد نصر الله، تكمن الاهمية ليس في القول الصادق بأننا نملك كذا وكذا، بل في كون الحزب يملك هذه الاسلحة للاستخدام وليس للتخزين.
يعرف العرب، كما يعرف العدو، أن جهات وحكومات وجيوشاً كثيرة تملك ما هو أكبر بكثير من ترسانة المقاومة في لبنان. لكن العدو، كما أهل فلسطين، يعرفون أن هذه الاسلحة هي للتخزين فقط. وفي حالة السيد نصرالله، يصبح الامر أقرب الى صيغة عملانية، ما يتيح لنا تخيلها.
جريمة القنيطرة تفتح باب المخيلة لمعرفة
ردّ المقاومة الآتي حتماً


يخطر على بالي أن السماء ستمطر آلاف الصواريخ يومياً، ويهبط مظليون، وتنشقّ الأرض ليدخل آلاف المقاتلين الى الأرض المقدسة

قال السيد نصرالله بعبارات مقتضبة: إن وحدات المقاومة المعنية بالمواجهة مع العدو الإسرائيلي تواصل عملها، من دون الانشغال بما يجري في داخل لبنان أو في سوريا أو العراق أو غيره من مناطق العالم. وقال، أيضاً، إن من حق المقاومة أن تمتلك ما تراه مناسباً من أسلحة لمواجهة تهديدات العدو، وإنها تملك كل أنواع الاسلحة، وكل ما يخطر في البال، وتعمل على زيادة ترسانتها.
وفي هذا دعوة لتمرين يجريه الناس، بدل أن يظل حكراً على متخصصين من أهل «الكار»، أو على أجهزة استخبارات تقوم بمهماتها بعيداً عن الاضواء. وهذا ما أرغب القيام به هنا.
ــ يخطر على بالي أن المقاومة تملك، مثلاً، قوة بشرية من عشرات آلاف المقاتلين، تم تدريبهم بطريقة خاصة ونوعية، وتم اختبار قدراتهم في مناورات ضخمة في عدد كبير من المرات، ثم جرى اختبار بعض قدراتهم في معارك جارية في سوريا. وأن هذه القوة تشتمل على وحدات متخصصة في أنواع مختلفة من الاسلحة والمهمات، وهي مستعدة للقيام بنوعين من المهمات، واحد دفاعي هدفه منع العدو من التقدم داخل الاراضي اللبنانية، وآخر هجومي يقوم بعمليات عسكرية ضيقة أو واسعة داخل فلسطين المحتلة، ليس بهدف توجيه ضربات خلف خطوط العدو، بل تثبيت الوجود في هذه المناطق وإعلان تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.
ــ يخطر على بالي أن المقاومة تمتلك، مثلاً، قوة بشرية من عدة مئات، أو بضعة آلاف، مدربة لمواكبة الحرب التكنولوجية الضرورية في أي حرب حديثة. وهي قادرة على تعقب العدو وضبط أنفاسه حيث يجب، وتوفير كل ما هو مطلوب من معطيات لأهل القرار وقادة الميدان. كذلك يخطر علي بالي أن المقاومة تملك قوة من عشرات أو مئات تنتشر داخل فلسطين، وهي تعمل وستعمل على رفد قيادة الميدان بالمعطيات التي تساعد على اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة.
ــ يخطر على بالي أن لدى عناصر المقاومة أسلحة خاصة جداً، وكمية من الذخائر والعتاد تكفي للصمود في مواجهة لوقت أطول بكثير جداً، من أي وقت يفترضه العدو لحرب واسعة. وأن لدى هؤلاء كل ما يحتاجون إليه للبقاء على اتصال بقيادتهم، وحتى في حال فقد الاتصال، يخطر على بالي أن بين أيديهم الخطط والتعليمات والإمكانات لقيادة معركة ناجحة حيث ينتشرون، وأن في مقدورهم تطبيق نموذج غير مسبوق من اللامركزية القطاعية، الخاضعة لسقف لا يحتاج إلى من يبدله كل الوقت.
ــ يخطر على بالي أن أجري مراجعة لما حصل في حرب تموز وأقيس عليها: مثلاً، دمرت إسرائيل، خلال 33 يوماً، نحو 15 ألف منشأة سكنية أو تجارية أو حكومية أو عسكرية، بمعدل نحو 500 منشأة يومياً، بعشرات الغارات وآلاف الصواريخ والقذائف. في حين قصفت المقاومة مواقع العدو بنحو 4500 صاروخ وقذيفة، ودمرت، طوال الحرب، عشرات أو بضع مئات من الأهداف العسكرية والمدنية. ولكن، اليوم، يخطر على بالي أن المقاومة ستطلق نحو أربعة إلى خمسة آلاف صاروخ على إسرائيل، وأنها ستدمر عدة مئات من الأهداف في يوم واحد، وأن مئات أو آلاف الصواريخ، من النوع الثقيل جداً، ستصيب المئات من الاهداف المركزية، مدنية وعسكرية وبنى تحتية ومراكز معروفة أو غير معروفة للناس.
ــ يخطر على بالي أن «الكاتيوشا» التقليدي، أو المعدل، أو المطور لناحية المدى، سيكون زينة الحرب، أو المفرقعات التي تسلي رواد الفضاء الذي سيحضرون لوحة مضاءة كل الوقت.
ــ يخطر على بالي أن إسرائيل ستدخل في عتمة شاملة، وأن لا نظام تقنين ولا نظام إضاءة سيحظى به السكان هناك، وأن كل مناورات الجبهة الداخلية لن يبقى لها أثر في ما سيضطر شعب الكيان إلى القيام به. ويخطر على بالي أن كل الأجانب الذين سيوجدون في أرض الكيان خلال الحرب، سيتوجهون، سيراً على الأقدام أو بالسيارات، نحو معابر حدودية مع الأردن ومصر، أو عبر بعض الموانئ المدنية للمغادرة إلى بلادهم.
ــ يخطر على بالي أن مشهداً غير مألوف سنراه في البحر، حيث تتطاير بوارج العدو وزوارقه: ربما لغم بحري، أو صاروخ أرض ــ بحر، أو صاروخ بحر ــ بحر، أو صاروخ جو ـ بحر أو ضفادع بشرية... المهم، أنه يخطر على بالي، أيضاً، أن صيادي غزة سيتجاوزون العشرين ميلاً وأكثر بحثاً عن رزقهم من دون أن يعترضهم أحد.
ــ يخطر على بالي عاصفة من الطائرات الصغيرة، المسيّرة عن بعد، المعروفة الجيل منها أو غير المعروفة، وهي تملأ سماء فلسطين، تلقي التحية على الأهل الحقيقيين، وترمي النار على كل الغرباء الزارعين للحقد والموت.
ــ يخطر على بالي أن طائرات حربية للعدو ستخرج للقيام بأعمال عدائية ولا تعود، أو في حال عادت، لن تجد مهبطاً تحط فيه، ولا مطاراً صالحاً لاستضافتها من جديد... فتذهب إلى دول الجوار طالبة اللجوء.
ــ يخطر على بالي أن السماء نفسها ستكون مختلفة الألوان والحضور. يخطر على بالي أن منظومات متعددة ومتطورة من الدفاعات الجوية للمقاومة ستطارد طائرات العدو بكل أنواعها، وستصطاد بعضها قبل أو بعد دخول الأجواء اللبنانية. ويخطر في بالي أن هذه المنظومات صنّعت في إيران، روسيا، كوريا، الصين... أو حتى الولايات المتحدة!
ــ يخطر على بالي أن الأرض ستنشق في دقائق، وتكشف عن مدن كبيرة تمتد تحت الارض على طول الساحات. يخرج من باطنها مقاتلون مع سيارات ومدرعات، وربما دبابات أيضاً، وأنواع جديدة من الآليات والأسلحة القاتلة لدعم عمليات اقتحام كبرى. ويخطر على بالي إنزالات لمئات من المظليين الذين ينتشرون خلال ساعات قليلة ويحاصرون مستوطنة ويسيطرون عليها.
ــ يخطر على بالي سيارات نقل كبيرة، تقلّ آلاف اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات لبنان وسوريا، يتدفقون صوب أرض فلسطين، يستعيدون المنازل بمفاتيح حفظت جيلاً بعد جيل.
ــ ثم يخطر على بالي أحد مجانين العدو يلف نفسه بحزام نووي، ويفجر نفسه بين أهله، معلناً عن أكبر عملية انتحارية في التاريخ. هو مجنون قرر أن الأسطورة تقضي بالبقاء في هذه الأرض ولو على شكل أشلاء.