«الحاج أبو عيسى الإقليم»
لم يكن مستغرباً في عربصاليم أن يعود محمد عيسى شهيداً يوماً ما. «الحاج أبو عيسى الإقليم» كما كان يُعرف، نذر نفسه منذ سنوات طويلة في صفوف المقاومة الإسلامية ضد العدو الإسرائيلي. فهو ابن شقيقة عزيزة مقلد التي استشهدت في القصف الإسرائيلي على عربصاليم في مواجهات الجبل الرفيع. قبل تحرير الجنوب عام 2000، لم يكن أحد يرصد غيبة الحاج في وقت كانت فيه البلدة الواقعة عند أقدام جبل الشهداء، جبل الرفيع، تشتغل إسناداً خلفياً. بعد التحرير، بات يملك وقتاً أكبر للتخالط بأبناء بلدته والاهتمام بمنزله حيث يعيش وأسرته. شغل لفترة طويلة مسؤول قطاع أقليم التفاح في الحزب.

وعندما دعا «الواجب الجهادي» في سوريا، بدأت غيبات الحاج تتكرر. أدرك الجميع أن القائد ذا الباع الطويل في العمل العسكري «طلع ع سوريا». بين الحين والآخر، كان يظهر قبل أن يغيب. قبل أكثر من شهر، غادر بلدته للمرة الأخيرة. قبل ذلك، شارك في تشييع عديله (زوج شقيقة زوجته) الذي استشهد أيضاً في سوريا. إقليم التفاح كله ينتظر تشييع «أبو عيسى الإقليم». بلدته، وبلدة زوجته جرجوع، الى جباع وعين بوسوار وحتى النبطية، تنتظر عودته للمرة الأخيرة. أهالي تلك البلدات الذين كانوا يشاركون في حماية المقاومة و»أبو عيسى» من خلال كتم ما يعرفونه عن نشاطه، أفصحوا عمّا لديهم. على الرسائل الهاتفية والواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي، تناقلوا عشرات الصور بعيد إعلان الاستشهاد.

أيقونة جديدة في طيردبا

طيردبا تحفظ الدرس جيداً. لديها خبرة في تنظيم أعراس القادة الشهداء. الرايات الصفراء التي بدأت برفعها وتنسيقها في أرجائها ومداخلها إحياءً للذكرى السابعة لاستشهاد القائد عماد مغنية، ستضيف اليها صورة لجهاد عماد مغنية. منطقي أن يستشهد الفتى الذي سمّي باسم عمه جهاد الذي استشهد في القصف الإسرائيلي على بئر العبد عام 1984 عندما كان يحاول إنقاذ عائلة مصابة. حسينية البلدة ستضيف صورة جهاد الأصغر الى أيقونة أسرة فايز مغنية. استشهاد الأب أتاح لطيردبا والعالم أن يتعرف إلى وجهه ووجه ابنه الأصغر جهاد. في ذكرى أسبوع الحاج رضوان، كانت الجموع تربت على كتفي الفتى، وتعزيه، فيما النائب علي عمار يضمه إلى صدره. الناس كانت تنظر إلى «الجهادَين»، وجهاد ينظر إلى الجهاد الموجود في العالم أجمع. شبكات النظر المتداخلة رسمت خريطة المقاومة من البداية إلى النهاية. عند شيوع الخبر مساء أمس، استنفرت طيردبا استنفاراً غير واضح، أخفته عتمة الليل. لكنه ظهر في غضب العيون.


عباس حجازي: صهر أبو حسن سلامة

كان أهالي الغازية يتهيّأون لملاقاة الموت في منزل آل حجازي بعد تدهور الحال الصحية للحاج أبو كمال ودخوله في غيبوبة منذ أقل من شهر. لكن الشهادة سبقت المنية ولاقت ابنه عباس الذي زفته المقاومة الإسلامية شهيداً في الغارة الإسرائيلية في القنيطرة. ولم تكد العائلة تتلقى النبأ من قيادة حزب الله وتتقبل التهنئة والتبريكات باستشهاد عباس، حتى توقف قلب والده ليل أمس. اليوم تفتح الغازية قلبها لاستقبال جثمان أبو كمال، أحد مؤسسي حزب الله والذي صرف أكثر من ثلاثين عاماً من عمره في خدمة المقاومة. كما يصل جثمان ابنه عباس، أصغر شبانه الستة الذين ساروا خلفه في صفوف المقاومة. والصغير الذي أصبح الشهيد القائد ليس نجل الفقيد المجاهد أبو كمال فحسب، بل صهر (زوج ابنة) الشهيد أبو حسن سلامة (علي ديب) الذي اغتاله العدو الإسرائيلي بعبوة ناسفة استهدفت سيارته أثناء مروره في عبرا في 17 تموز 1999. فقد منزله في عدوان تموز في الضاحية. فعاد للسكن في مسقط رأسه. قبل أيام، حضر الشهيد من دوامه الجهادي في سوريا ليطمئن إلى زوجته التي أنجبت طفله الرابع قبل عشرة أيام، وإلى والده الغارق في الغيبوبة. غادر قبل يومين إلى سوريا ليعود إلى الغازية للمرة الأخيرة شهيداً.