بعد أشهر على اندلاع أزمة النفايات، أقرت الحكومة أمس خطّة الترحيل الى الخارج في جلسة استثنائية استمرت حوالي ست ساعات. نتيجة الجلسة كانت مبهمة. احتفل وزير الزراعة اكرم شهيب ورئيس الحكومة بالقرار، فيما اعترض عليه وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله والكتائب. وخرج بعض المعترضين ليعلن أن الخطة التي أقرتها الأكثرية الوزارية أمس ليست خطة، بل ورقة لا توضح آلية العمل، ولا وجهة الترحيل، ولا كلفتها، ولا الجهة التي ستتعاقد معها الدولة لتنفيذ الخطة.
ما قدّمه شهيب وسلام إلى مجلس الوزراء لم يكن سوى مسودة اتفاق رضائي، صيغت من دون استدراج عروض جدي، ولا مناقصة.
وقال وزير التربية الياس أبو صعب لـ"الاخبار": "لم نعرف من يملك الشركات، ولم نعرف ما إذا كان لهذه الشركات خبرة في هذا المجال، ولا أحد أخبرنا عن الدولة التي ستستقبل النفايات". وسأل بو صعب عما إذا كانت الدول التي ستستقبل النفايات ستشتريها من الشركة، ما يعني أن الأخيرة ستحصل على ثمن النفايات مضاعفاً، مرة من لبنان ومرة من البلد المستورد".
وبحسب مصادر وزارية، فإن الأرقام تضاربت بشان الكلفة النهائية. ففيما قال شهيب إن كلفة الترحيل تبلغ 125 دولاراً للطن، وتبلغ إجمالياً نحو 220 دولاراً، أجرى وزراء عملية حسابية أظهرت الكلفة وفق الآتي:
65 دولاراً كلفة الكنس والجمع
25 دولاراً للفرز والتوضيب والنقل إلى المرفأ
7 دولارات رسوم مرفأ
125 دولاراً للترحيل
10 دولارات للشركة الاستشارية
وبهذه "الحسبة"، تبلغ كلفة الطن الواحد 232 دولاراً.
وبحسب وزراء مشاركين في جلسة امس، لم يتم تحديد مصير النفايات المجمعة في الكرنتينا او قرب نهر بيروت أو قرب المطار أو في المكبات العشوائية للبلديات، والتي تبلغ اكثر من 100 ألف طن. ولفتت المصادر إلى ان رئيس الحكومة، وعندما سئل عن الثقة بالشركات التي سيتم توقيع العقود معها، قال إنه اطلع على حساباتها المصرفية في لبنان، وهو ما لم يفهمه الوزراء أيضاً، إذ كيف لشركة انكليزية وأخرى هولندية أن تكون لها حسابات في لبنان.
ولفت وزير المال علي حسن خليل إلى أنه طلب إلزام مجلس الإنماء والإعمار بوضع دفتر شروط خلال شهرين تتيح إجراء مناقصة لإقامة معامل لتحويل النفايات إلى طاقة، على أن تنشأ قرب معامل الكهرباء، خلال الفترة الانتقالية. لكن اللافت في الأوراق التي قدّمها رئيس الحكومة ووزير الزراعة إلى مجلس الوزراء، والتي تضم نسخة عن مسودة العقد، أنها تتحدث عن 18 شهراً كمدة للترحيل، "قابلة للتجديد". كما ان "الملف" تضمّن ورقة، ليس فيها ما يوحي بأنها صادرة عن شركة، موقعة من شخص يُدعى فراس عبدالفتاح زلط، "يقترح" فيها تشغيل معملي العمروسية والكرنتينا ونقل النفايات في حاويات إلى المرفأ، لقاء 25 دولاراً للطن.
في المقابل، رأى "الإئتلاف المدني الرافض للخطة الحكومية للنفايات"، أن الأرقام المتداولة حول اكلاف الترحيل، وعلى الرغم من ارتفاعها، تُعدّ "تخفيفية" مُقارنة بالارقام الفعلية للترحيل.
لم تتحدّد الكلفة الدقيقة للطن الواحد، لكنها تتجاوز الـ230 دولاراً

وقال المنسّق العام للإئتلاف رجا نجيم أنه في حال اعتُمد ترحيل النفايات التي ستنتجها بيروت وجبل لبنان ضمن الفترة الانتقالية المعتمدة من قبل الحكومة (18 شهرا)، "فإن كلفة الطن الواحد تناهز الـ390 دولارا كأقل تقدير، وبكلفة إجمالية تقارب الـ540 مليون دولار خلال هذه الفترة المؤقتة".
هذه الارقام تأخذ في الإعتبار، بحسب نجيم، طريقة عمل وأسعار شركة "سوكلين" الراهنة: "أقصى مستوى فرز لإعادة التدوير 10% وأقصى تسبيخ 5% والباقي 85% للترحيل خارج لبنان الى معامل فرز وإستخراج طاقة او الى مطامر صحية، مع تعقيم وكبس وتغليف خاص وتوضيب على ألواح نقل مصنّعة خصيصا، مع نقل ضمن حاويات خاصة"، لافتا الى أن "كل ما يُذكر من أسعار أقل هو مغلوط وقائم على حسابات منقوضة أو ربما يُراد منه تضليل مقصود بغية تقسيم مجمل الكلفة الواقعية على عدة أقسام لتخفيف وطأة إعلانها".
ويبدو أن القوى السياسية تعمل كيلا تكون جلسة مجلس الوزراء أمس هي الأخيرة لحكومة الرئيس تمام سلام. فتفعيل العمل الحكومي كان أمس بنداً رئيساً على جدول اعمال طاولة الحوار الوطني التي استضافها الرئيس نبيه بري في عين التينة. وبعد كلام لبري وسلام بهذا الشأن، قدّم وزير الخارجية جبران باسيل مطالعة استعاد فيها تفاصيل الاتفاق على آلية العمل الحكومي في ظل الشغور الرئاسي. وذكّر بالمخالفة "المزدوجة" التي جرى ارتكابها من خلال اتخاذ قرارات التمديد لقادة أمنيين وعسكريين، في مخالفة للآلية وللقانون. وأكّد عدم وجود مشكلة لدى التيار الوطني الحر في تفعيل عمل المؤسسات، شرط الالتزام بالآلية ــ استناداً إلى الحرص على صلاحيات رئيس الجمهورية ــ ومعالجة قضية التمديد لقادة الاجهزة. ورد الرئيس فؤاد السنيورة على باسيل، قائلاً إنه لا حاجة لآلية، طالما أن الدستور يحدد أصول عمل المؤسسات. كذلك طالب عدد من المشاركين بتفعيل عمل الحكومة، وخاصة في ظل الشغور الرئاسي.
بعدها، طلب الرئيس بري رفع الجلسة للتشاور. وبعد خلوة عقدها مع سلام وباسيل والنائب محمد رعد، عاد إلى طاولة الحوار، حيث أبلغ الحاضرين تفاؤله في إمكان تفعيل العمل الحكومي، لكنه لفت إلى ان هذا الأمر لن يحصل خلال يومين او ثلاثة أيام، متوقعاً نتائج إيجابية على هذا الصعيد بعد الاعياد.
كذلك لخّص الرئيس بري عمل اللجنة النيابية الخاصة بوضع تصور لقانون الانتخابات، لافتاً إلى أن التوافق لا يمكن ان يتم إلا على قانون مختلط بين النظام الاكثري والنظام النسبي. ولفت إلى وجود بعض التعقيدات في شأن تقسيمات دوائر جبل لبنان. واقترح النائب سامي الجميل تعديل تقسيم الأقضية والمحافظات. اما النائب طلال ارسلان، فاعترض على عدم تمثيله في اللجنة النيابية، سائلاً عن الكيفية التي سيقدّم فيها اعتراض في حال وجد، فرد بري بأن اللجنة لن تقرّ مشروع قانون، بل سترفع نتيجة عملها إلى طاولة الحوار. وهنا أيضاً اعترض السنيورة، قائلاً إن مهمة طاولة الحوار بحث الشغور الرئاسي لا قوانين الانتخابات النيابية. يُذكر أن جلسة الحوار أمس لم تشهد أيّ ذكر لأزمة الشغور الرئاسي والمبادرات بشأنها.
وقدّم الوزير باسيل ملخصاً عن لقاءاته في فيينا ونيويورك، حيث نوقشت الازمة السورية. وقال إنه أجرى اتصالات مع ممثلي روسيا والولايات المتحدة اعتراضاً على بند "العودة الطوعية والآمنة" للنازحين السوريين إلى بلادهم، وربط هذه العودة بانتهاء الأزمة. وقال إن هذا البند في قرار مجلس الأمن الاخير يتضمّن نوعاً من الإقرار بتوطين اللاجئين السوريين، لكن القرار صدر بالصيغة التي اعترض عليها لبنان.