"ما إلك إلا قديمك". عبارة تختصر بها مريم ما آلت إليه أمور حياتهم اليومية. أربعة أيام في العزلة، "عم نتدبر أمورنا بكل الطرق اللي ربينا عليها، وباستعمال بعض المعدات القديمة اللي كنا اعتبرنا أنه ما رح نرجع لاستعمالها". تقول السيدة الخمسينية وهي تدعك العجين بكلتا يديها، فيما يتحلق حولها أولادها، على مقربة من صوبيا "الستوف" (على المازوت)، ينتظرون منها إعداد مناقيش الزعتر والكشك بقاورما.
في الجانب الآخر من المنزل ينهمك أبو علي في تجهيز "اللوكس" وتعبئته من قارورة الغاز المنزلية، تمهيداً لاستعماله في الإنارة ليلاً، "لأنه والحمدلله، كهربا ما في من أسبوع بقرى غرب بعلبك، وحتى كهربا الاشتراك تعطلت بالعاصفة"، يقول الرجل باستياء وحنق كبيرين.
ثلوج "زينة" فرضت حصاراً قسرياً على أبناء قرى غرب بعلبك وشرقها. الجميع التزموا منازلهم. الطرقات الفرعية لا تزال مقطوعة، حيث اكتفت بلديات القرى البقاعية بجرف الثلوج عن الطرقات الرئيسية، دون الفرعية والخاصة. الحركة التجارية معدومة في بعض القرى البقاعية الجبلية، في حين هي شبه معدومة في قرى أخرى. عدد قليل جداً من الدكاكين والمحال التجارية الصغيرة فتح أبوابه في أحياء القرى، فضلاً عن "تنانير الخبز المرقوق"، سواء على الحطب أو المازوت، والتي شهدت إقبالاً واسعاً من أهالي القرى والبلدات.
الثلوج البيضاء ليست الوحيدة التي تحتل مساحات البقاع الشاسعة. فللعتمة الحالكة مساحة واسعة أيضاً. وحده البرق يفتك بها للحظات. فالتيار الكهربائي لا يزال مقطوعاً عن قرى غرب بعلبك منذ ما يقارب أسبوعاً، في حين ان باقي قرى وبلدات بعلبك ـ الهرمل غرقت في العتمة بمجرد بدء العاصفة الثلجية "زينة". أحد المسؤولين في مؤسسة كهرباء لبنان أوضح لـ"الأخبار" أن أعطالاً طارئة وأضراراً فادحة طالت شبكة خطوط التوتر العالي والمتوسط، فضلاً عن أضرار أصابت شبكات التيار الكهربائي في كافة القرى والبلدات البقاعية نتيجة العاصفة الثلجية والرياح العاتية. وكشف عن "تعذر عمل فرق الصيانة كافة"، عازياً ذلك إلى حال الطقس الذي لم يشهد الكثير من الانفراجات التي تساعد على أعمال التصليح والصيانة.
الأسلاك الكهربائية تناثرت على الطرقات وداخل الأحياء والأزقة، سواء تلك التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان أو أصحاب مولدات الاشتراك. لدى أبناء القرى البقاعية اقتناع بأن إصلاح الأعطال على شبكة التيار الكهربائي سيتأخر. "كيف لا ولم نرَ بعد عامل صيانة لجمع الكابلات والأسلاك عن الطرقات، قبل ما حدا يسرقها؟"، يقول محمد حمية. اختراع الـ"UPS" الذي شهد انتشاراً واسعاً منذ سنوات، والذي يعتمد بشكل أساسي على تغذية التيار الكهربائي للبطاريات، وتأمين الكهرباء لمدة لا تزيد على عشر ساعات، فشل خلال العاصفة الثلجية مع انقطاع الكهرباء. إزاء كل ذلك لم تجد غالبية أبناء القرى البقاعية، ممن لا يملكون مولدات كهربائية، بديلاً من "اللوكس" القديم (يعتمد عليه للإنارة بواسطة الغاز)، والشمعة و"القنديل التراثي الذي يعمل على الكاز والفتيل القطني". أحمد سماحة وجد الحل في الشمعة، مستنداً إلى مقولة أدخل إليها بعض التعديل "أن تضيء شمعة خير لك من أن تلعن الظلام وبظهره دولة مش قادرة توفر لمواطنيها الخدمات الأساسية من كهربا بالشتا ومياه بالصيف".
يجمع البقاعيون على أن المشكلة ليست في العاصفة الثلجية وقساوتها، "مر علينا كتير عواصف أصعب، ونبقى معزولين لأسابيع، وكنا بوقتها نقول ماشي الحال الدولة مش قادرة وعاجزة، أما وأننا أصبحنا في القرن الواحد والعشرين، والدولة بتتغنى بالحداثة والتطور، ومؤتمرات صحافية لمسؤولين على أنهم استعدوا للعاصفة بكامل أجهزتهم وإداراتهم، ففي ذلك إهمال وتقصير فاضح بحق مواطنيهم"، بحسب ما يقول محمد حمية.