اخترت كتاب «أطلس مدن» الثري بمختلف المصورات الملونة والمعلومات التفصيلية لأنه يتعامل مع واقع مادي ملموس نعيشه نحن في بلادنا، وفي مدننا، ولمعرفة موقعها في عالم اليوم الصاخب، من منظور التقدم المعرفي في مختلف حقول العلوم الإنسانية. يقول المؤلَّف إنّ المدينة، حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم، هي أعظم اختراعات البشرية. هي التي تحوي تاريخ المجتمعات، وتعدّ مركز الاختراعات التي سهلت الحياة في الأرياف، ونمت الزراعة عبرها، وهي مركز كل الفنون البشرية، وفيها ظهرت الأديان والمفكرون والعباقرة وما إلى ذلك. وفي المدينة تتركز الثروات. وفي المدينة نمت الأفكار، بدءاً من الديموقراطية الأثينية إلى الديموقراطية التشاركية في كومونة باريس، إلى الثورة البلشفية في سانت بطرسبرغ، وإلى ميدان التحرير القاهري. هذه بعض مواضيع هذا الأطلس المثير حقاً، الذي ننتقل عبره من مدينة إلى أخرى؛ من أثينا وروما والإسكندرية إلى لندن، ومن فينيسيا إلى اسطنبول، ومن نيويورك إلى القاهرة، ومن بومباي إلى دبي.
بحسب المساهمين في هذا المؤلف، للمدينة أربعة مظاهر تشير إلى ديناميتها. فالمدينة تملك أهلية اتخاذ القرارات حيث تجتمع فيها المؤسسات العامة والخاصة. تملك أيضاً أهلية التغير، حيث كثافة السكان تمنحهم حرية التحرر من أغلال التقاليد.

المدينة المؤسِّسة مثل روما وأثينا، والمدينة التشابكية مثل لندن وباريس

وتملك وظيفة حشد مختلف الطاقات لاتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية وغيرها، إلى جانب وظيفة توليدية حيث المنافسة تسمح بالإبداع وتبادل الأفكار.
وفق المظاهر الآنفة الذكر، يقسم المحرر الأطلس إلى 13 فصلاً يتناول كل منها عدداً من المدن، الرئيسية والثانوية، بالبحث التفصيلي. هناك المدينة المؤسِّسة مثل روما وأثينا، والمدينة التشابكية مثل لندن وباريس، والمدينة الملوكية مثل اسطنبول وسانت بطرسبرغ وبكين، والمدينة الصناعية مثل مانشستر وبرلين، والمدينة العقلانية مثل فيينا وبودابست، ومدينة الشهرة مثل لوس أنجلس وميلانو، والمدينة الضخمة مثل مومباي والقاهرة وساو بولو، والمدينة العابرة للقوميات مثل دبي وسنغافورة، والمدينة الخضراء مثل فريبورغ الألمانية ومصدر في أبو ظبي. إضافة إلى ما سبق، ثمة المدينة الذكية، وهي لندن وأمستردام وسيول وغيرها، والمدينة المبدعة. وتأتي في مقدمة ذلك، دوماً بحسب المؤلَّف، ميلانو الإيطالية ويليها باريس ونيويورك ولندن وبوتلاند ولوس أنجلس. والمدينة الفورية، أي التي بنيت على عجل ومنها أبوجا النيجيرية وبرازيليا وكانبيرا الأوسترالية. الناشر، أي دار «جامعة برنستن» الأميركية، نجحت في عرض المحتوى تفصيلياً وعلى نحو مثير في كتاب من الحجم الكبير وزاهي الألوان يزيد من متعة قراءته.