من المتوقّع أن يُصدر قاضي الأمور المستعجلة في جديدة المتن رالف كركبي، غداً، قراره في الشكوى التي رفعها أحد مالكي العقار رقم 603 من منطقة عين السنديانة ضدّ بلدية ضهور الشوير، على خلفية إقامة المحرقة على هذا العقار من دون استيفاء الشروط القانونية التي تفرض موافقة مالكي ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الأسهم. يوضح المحامي جوزف داغر أن هذه الشكوى لا تنحصر فقط بمخالفة شروط الملكية، بل "ثمة شق بيئي بالغ الأهمية نستند إليه"، لافتاً إلى "قرار وزير البيئة القاضي بإقفال المحرقة ووقف العمل فيها فوراً".

قرار وزير البيئة

في 13/11/2015، أصدر وزير البيئة محمد المشنوق قراراً يطلب فيه من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الإيعاز إلى بلدية ضهور الشوير بوقف العمل فوراً بمحرقة النفايات التي جرى تركيزها على العقار رقم 603 من منطقة عين السنديانة وإزالة كافة التجهيزات المتعلّقة بها. وجاء في حيثيات القرار:
1- إن مشاريع إنشاء مراكز لإدارة ومعالجة والتخلّص من النفايات الصلبة على أنواعها (التي تصنّف من ضمنها محارق النفايات) هي من المشاريع التي تستلزم حكماً تقرير تقييم أثر بيئي، بحسب أحكام الملحق الأول من المرسوم رقم 8633، تاريخ 7/8/2012 المتعلّق بأصول تقييم الأثر البيئي.
2- حددت المادة العاشرة من المرسوم رقم 8633 تاريخ 7/8/2012 موقف وزارة البيئة من تقرير تقييم الأثر البيئي، حيث إنها تبدي موقفها إما بالموافقة أو بالموافقة المشروطة أو معلّلاً بالرفض، وكما أن البند الرابع من المادة العاشرة من المرسوم المذكور أعلاه قد شدّد على ضرورة أن "تتمنّع أي إدارة رسمية عن مباشرة إنشاء أو تشغيل مشروعها المقترح قبل أن تبدي وزارة البيئة موقفها حيال تقرير تقييم الأثر البيئي لهذا المشروع".
3- نصّت المادة الثامنة والخمسون من قانون حماية البيئة رقم 444/2002 على أنه "يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليوناً إلى مئتي مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ينفّذ مشروعاً يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي أو تقييم الأثر البيئي من دون إجراء هذه الدراسة مسبقاً أو إخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والإدارات المختصة".
4- لم يخضع إنشاء المحرقة لتاريخه لدراسة تقييم الأثر البيئي.
5- قد ينتج من حرق النفايات الصلبة المنزلية انبعاث لملوثات عضوية ثابتة مدرجة في مرفق اتفاقية استوكهولم للملوثات العضوية الثابتة، مع الإشارة إلى أن لبنان قد انضم إلى الاتفاقية بموجب القانون رقم 432/ الصادر في تاريخ 29/7/2002. تنص الفقرة (ب) (أفضل التقنيات المتاحة) من الجزء الخامس من الاتفاقية المذكورة (توجيهات عامة بشأن أفضل الأساليب المتاحة وأفضل الممارسات البيئية) على الآتي: "عند النظر في مقترحات لتشييد منشآت جديدة أو إجراء تعديلات رئيسة في منشآت قائمة تستخدم عمليات تطلق مواد كيميائية مدرجة في هذا المرفق ينبغي إعطاء الأولوية لعمليات وأساليب أو ممارسات بديلة لها فائدة مماثلة ولكنها تتفادى تكوين وإطلاق هذه المواد الكيميائية".
6- من الضروري عند تشغيل محارق النفايات التقيّد بـ "توجيهات عامة بشأن أفضل الأساليب المتاحة وأفضل الممارسات البيئية" التي حدّدت التقنيات العامة للاحتراق وكيفية معالجة الملوّثات الهوائية والرماد الناتج والمفصّلة ضمن تقرير فريق عمل مصلحة البيئة السكنية في وزارة البيئة رقم 240/ب/ش تاريخ 7/11/2015 المرفق ربطاً.
وأشار القرار إلى "أنه لم يتم تقديم طلب تركيز وتشغيل محرقة النفايات المزمع اعتمادها في منطقة عين السنديانة حسب الأصول حتى تاريخه"، مُضيفاً: "ولما كانت مشاريع مشابهة لتشغيل محارق مماثلة قد أحيلت إلى وزارة البيئة المتابعة وجرى على ضوئها أخذ القرار بإيقاف العمل بها ومنع تشغيلها لأي غرض كان، قبل الحصول على الموافقة الخطية من قبل وزارة البيئة أو إزالتها من موقعها". ويتابع القرار: "وحيث يتبّين من كافة المعلومات والمعطيات المتوافرة الواردة أعلاه أن تشغيل المحارق يتطلّب ظروف تشغيل مناسبة، كما وينتج منه انبعاث لملوثات عضوية ثابتة ورماد، وهي ملوّثات تقتضي معالجتها وإدارتها بطريقة سليمة بيئياً ولديها الخصائص التالية: سامة جداً، غير قابلة للتفكك، تتبخر، وتتنقل عبر مسافات طويلة في الهواء والمياه وتتراكم في الأنسجة الدهنية للكائنات وتتنقل عبر الهرم الغذائي".
وبناءً عليه، "إن وزارة البيئة تطلب إلى معاليكم اتخاذ الإجراءات المناسسبة وفق الصلاحيات المنوطة بكم في القوانين والمراسيم المرعية الإجراء بمعالجة موضوع الشكوى، ولا سيما لجهة الآتي:
- الطلب الى بلدية ضهور شويرـ عين السنديانة وقف العمل فوراً بمحرقة النفايات التي جرى تركيزها على العقار رقم 603 من منطقة عين السنديانة وإزالة كافة التجهيزات المتعلّقة بها.
-عند اعتماد أي مشروع لمعالجة النفايات الصلبة و/أو اعتماد تقنية الحرق لمعالجة النفايات الصلبة، يجب التزام النصوص المرعية الإجراء، ولا سيما مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي رقم 8633/2012 والتقدّم من وزارة البيئة بدراسة تقييم الأثر البيئي لهذا المشروع، وذلك من قبل إحدى الشركات المخولة إعداد هذا النوع من الدراسات والواردة في كتاب مجلس الإنماء والإعمار رقم 4106/1 تاريخ 23/10/2015، وعلى أن يتم التقيّد بالآتي:
1- تضمين تقرير تقييم الأثر البيئي المعلومات المطلوبة في الملحق رقم 8 من المرسوم رقم 8633/20012 دراسة كافة البدائل الممكن اعتمادها والمتعلّقة بالتتقنيات الممكن استخدامها واقتراح مواقع بديلة يمكن اعتمادها لتركيز المحرقة ضمنها.
2- تفصيل الخصائص الفنية للتقنية المقترحة (محرقة أو غيرها) وتضمين كافة المواد الداخلة والخارجة والإجراءات التخفيفية وخطة المراقبة أخذاً في الاعتبار التوجيهات العامة بشأن أفضل الأساليب المتاحة وأفضل الممارسات البيئية.
لم تزوّد وزارة البيئة بالخصائص الفنية للمحرقة للتأكد من مدى تقيّدها بالتوجيهات العامة

3-إحالة تقرير تقييم الأثر البيئي مرفقاً بخمس نسخ إلى وزارة البيئة لإبداء الرأي به.
4- عدم السماح بإنشاء وتشغيل المشروع قبل أخذ موافقة وزير البيئة الخطية بذلك".
وختم القرار: "كما نتمنى عليكم وزارة البيئة الإفادة عن الإجراءات المتخذة من قبلكم لمعالجة الوضع القائم والنتائج التي أسفرت عنها".

البلدية لم تتبلغ

قبل أيام، قالت مصادر في وزارة "الداخلية" إن الوزير نهاد المشنوق لم يطّلع على القرار بعد، علماً بأنه مضى على صدوره أكثر من شهر. إلا أن مصادر أخرى في الوزارة قالت أمس إن "جل ما قامت به الوزارة هو إبلاغ البلدية بالقرار".
منذ أسبوع، لم تكن بلدية ضهور الشوير قد تبلّغت أي قرار من وزارة الداخلية وفق ما أكد حينها رئيس البلدية حبيب مجاعص لـ "الأخبار"، الذي أشار إلى أن البلدية "سمعت بالقرار بطريقة غير مباشرة وتداركنا الأمر". أمّا محافظ جبل لبنان بالوكالة فؤاد فليفل، الذي ورد في القرار تبليغه، فقال لـ "الأخبار" إنه "لا يتذكر القرار".
الطريقة غير المباشرة التي أُبلغت بها البلدية بالقرار والتي يشير إليها مجاعص هي عبر المحامي داغر الذي أطلعه على القرار، أما عن كيفية "تدارك البلدية الوضع" فيقول مجاعص: "قمنا بتحقيقات وكشف وتبيّن أن هذه المحرقة صديقة للبيئة".
يصعب فهم طبيعة هذه التحقيقات والكشف الذي قامت به البلدية أو فهم الجهة البيئية المخوّلة تحديد إذا ما كانت المحرقة صديقة للبيئة أو لا، إلا أن تقرير الخبراء في مصلحة البيئة السكنية في وزارة البيئة والذي تستند إليه الوزارة في قرارها يطرح تساؤلات عن الحذر المطلوب المتخذ من قبل القيّمين على المحرقة.
يقول الناشط والمُنسّق العام للائتلاف المدني رجا نجيم، إن أهمية هذا القرار تكمن بأن النقاش لم يعد يتمحور حول إشكالية ملكية العقار، بل أُثبت أن الإشكالية تكمن في طبيعة تشغيل المحرقة نفسها في ظل أي عقار يُنتقى، "خصوصاً أن المحرقة تفتقر إلى الكثير من المعدات المطلوبة لتشغيلها وفق ما ينص عليه نظام تشغيل المحارق"، لافتاً إلى أن "أي حديث من قبل الوزير الياس بو صعب عن أن هذه المحرقة صديقة للبيئة وتستوفي الشروط لم يعد منطقياً".


تقرير الخبراء
يشير تقرير الخبراء إلى أن العقار يقع ضمن منطقة مصنفة v (أحراج) حيث يمنع إنشاء المؤسسات المصنّفة من أي فئة كانت. هذه المنطقة مخصصة للتحريج ويُمنع فيها قطع الأشجار الموجودة.
وجاء في التقرير أنه ضمن التوجيهات العامة بشأن أفضل الأساليب المتاحة وأفضل الممارسات البيئية، من المفترض تغذية النفايات ضمن نظام الاحتراق فقط عندما تصل درجة الحرارة المطلوبة إلى 850 درجة مئوية كحد أدنى، "في حين أن الدرجة القصوى التي تصل إليها الحرارة ضمن المحرقة هي 850 درجة مئوية"! وأضاف أن "هناك الكثير من الإجراءات والتفاصيل التي يجب البحث فيها قبل اتخاذ قرار المباشرة بعمل المحرقة كتشكل إدارة سليمة للوقت ودرجة الحرارة والاضطراب ونسبة الأوكسيجين (تدفق الهواء) ضمن عملية الحرق ضماناً لشروط الحرق الأمثل، إلا أن الوزارة لم تزوّد بالخصائص الفنية للمحرقة للتأكد من مدى تقيّدها بالتوجيهات العامة".
يلفت التقرير إلى ضرورة رصد عدد الانبعاثات كالقياسات الروتينية (أول أوكسيد الكربون ونسبة الأوكسجين في الغازات المنبعثة الجسيمات (particulate matter)، كلوريد الهيدروجين (حمض الهيدروكلوريك) وثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، فلوريد الهيدروجين والدفق الكلي للهواء ودرجات الحرارة ومستوى الاس الهيدروجيني"، إضافة إلى رصد القياسات الدورية (غازات الديوكسين والفيوران pcdd/pcdf في الغازات المنبعثة)، ذلك أن هذه القياسات من شأنها أن تعكس ظروف الاحتراق وتبيّن مدى تقيّد تشغيل المحرقة مع المعايير البيئية الموضوعة لها وتساعد في مراقبة الانبعاثات وتحديد إذا ما كانت المحرقة تعمل بشكل سليم أو لا.
المفارقة تكمن في أنه لا يوجد في لبنان أي مختبر يمكنه تقنياً فحص انبعاثات الديوكسين والفيوران، وهي المؤشرات الضرورية والأساسية التي تبين الخطورة والضرر الناتج من المحارق عموماً، وهذه المحرقة خصوصاً. اللافت أيضاً في هذا الصدد، أنّ وزارة البيئة لم تُزوَّد لتاريخه بأية قراءات أو نتائج عن الفحوصات التي تُجرى حول الانبعاثات الهوائية الناتجة من المحرقة.
وأخيراً، يذكر التقرير أنّ المحرقة لم تُجهَّز بأي نظام لمعالجة الملوثات الناتجة من تشغيلها.