من اصل 48.8% من الاسر التي تستشير الآخرين للموافقة على تزويج بناتها، 30% منها تستشير رجال الدين. عند سؤال هذه الأسر عن الاجراءات المطلوبة في المحاكم الشرعية للحصول على الموافقة على الزواج، 42% منها أجابت بانها حصلت على الموافقة بـ «سهولة تامة»، فيما أفادت 55% من الاسر بانها قامت بـ «إجراءات بسيطة» للحصول على الموافقة. هذه الارقام التي تعرضها دراسة «التزويج المبكر للفتيات: انتهاك للطفولة وتناسل للفقر»، التي أعدّها الاستاذ الجامعي والباحث الاجتماعي زهير حطب بالتعاون مع «التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني»، الاسبوع الماضي لا تُظهر حجم «ضلوع» المؤسسات الدينية في مسألة التزويج المُبكر للفتيات فحسب، بل تطرح تساؤلات جدّية حول التحدّيات المطروحة لتغيير واقع يمثّل واحدا من ابرز أشكال العنف الممارس ضد الفتيات، في ظلّ الايديولوجيا المتأثرة بالخطاب الديني.
مثلا، عندما سُئلت الفتيات القاصرات المتزوجات، واللاتي تجاوز عددهن الـ 150 فتاة، عن موقفهن من تعديل القانون وبالتالي تغيير الجهة التي تمنح الاذن بالترخيص لعقود الزواج، أكثر من 50% منهن اعتبرن ان القاضي الشرعي هو الجهة الصالحة للموافقة، فيما افادت 25% منهن بانهن لا يعرفن الجهة المخولة اعطاء هذا الترخيص.
من هنا، يأتي النقاش حول التحدّي المطلوب لمواجهة ما ترسيه «قوانين الطوائف التي ما زالت تعطي الولي والقاضي الحق بإجراء عقد يحدّد مصير ومستقبل القاصر والقاصرة ويحمّلهم مسؤولية اطفال آخرين قبل ان تعطيهم بقية الحقوق الاخرى لعدم بلوغهم الاهلية القانونية»، وفق ما تقول منسّقة برنامج حقوق المرأة في التجمّع المحامية عتية مرعبي. هذه القوانين ترسخّ تصوير المحاكم الشرعية الجهة المخوّلة الوحيدة لـ «تقرير المصير» لدى الفتاة وتعمل على قولبة الثقافة السائدة في هذا الاطار.
التذرّع بـ «وجود علاقة عاطفية بالشاب» هو السبب الرئيسي المعلن للزواج

14 مليون طفلة يمُتن سنوياً بسبب الاغتصاب والزواج المبكر، بحسب نتائج المؤتمر الدولي للاتجار بالبشر (فيينا / شباط 2014). هذه النسبة تجعل الحديث عن أهمية حماية القاصرات من الزواج المبكر تتخطى مسألة حرمان الفتاة التعليم وتحقيق الذات وغيره، وتتعدّاه الى أنه يمثل واحدا من اخطر انواع العنف.
عند اشارته الى بعض الوقائع، يلفت حطب في دراسته الى «الصمت المتمادي للمؤسسات الدينية تجاه تزويج القاصرات بالرغم من الاضرار الجسدية والنفسية التي تتهدد الفتاة».
ويرى ان التزويج المُبكر يجسّد حجم انتشار ثقافة إجتماعية وأيديولوجية ذات بُعد ديني بين الناس، «وبموجب هذه الثقافة يُفضّل الرجال اختيار قريناتهم الصغيرات في السن وبمواصفات تُسهّل عليهم بسط سلطتهم باسم الدين».
فالتزويج المبكر للفتيات «يكشف عن المفهوم السائد للزواج الذي يستبعد عمليا فكرة التواصل بين زوجين ناضجين يتفاعلان عاطفيا واجتماعيا، انطلاقا من بنية الزواج بين طرفين ينتمي احدهما الى مرحلة الرشد واكتمال النمو فيما ينتمي الثاني، اي الزوجة، الى مرحلة الطفولة ونقصان النضج».
عندما سُئلت الفتيات عن تصورهن لموعد جهوزيتهن لتزويجهن، غالبية المستجوبات اشترطن قرار التزويج بـ «عندما يتقدّم العريس المناسب»، في حين ان الاهل اعتبروا ان «الانتهاء من التحصيل العلمي»، المعيار الاساسي لتحديد جهوزية الفتاة، علما ان 73.2% من المستجوبات يتمتعن بمستوى التعليم المتوسط. هذه النسب تأتي منسجمة والارقام التي تناولت انشغالات القاصرات قبل زواجهن، إذ يشكّل العمل في خدمة بيت الأسرة ومتطلباته والاهتمام بالصغار فيه أكثر من 42% من انشغالات المستجوبات من القاصرات قبل زواجهن في حين ان متابعة الدروس والقيام بالوظائف المدرسية لا تستقطب أكثر من 17% من وقتهن فيما أشارت بعض بيانات التحقيق الى ان قرابة 10% من المستجوبات قد ذكرن ان السبب الرئيسي لقبولهن الزواج المبكر هو الرغبة بعدم متابعة الدراسة.
هذا واقعا، أما في «العالم الافتراضي للمستجوبات»، فكان لافتا ان قرابة الـ12% من المستجوبات لم يشغل بالهن اي امر ولم يحلمن او يرغبن بشيء في حين ان قرابة 27% تمنين الالتحاق بأعمال وبمهن مصنّفة تقليديا للمرأة (تعليم وتمريض ووظائف وخدمات وادارة..) ونسبة معادلة لها حددن مهناً تخصصية يتطلب اكتسابها المرور بفترة تعليم طويلة (الطب والهندسة..).
ولأن معرفة الادوار التي تنشأ عن الزواج تمثّل جانبا من تحديد جهوزية الفتاة للتزويج، كان لا بد للدراسة ان تسلط الضوء على هذا الجانب. ووفق الدراسة، تبيّن ان المعرفة المتوافرة تتمحور بالدرجة الاولى حول الاهتمام بشؤون البيت (23.2%) تليها خبرة إعداد الطعام (16.6%) ثم كيفية التعامل مع الزوج في الحياة الزوجية والمعيشية بمعدلات تجاوزت الـ15.8% ويأتي في المرتبة الأخيرة الإلمام بتربية الأطفال، الذي لا يتجاوز 13% و«هو أمر منطقي إذا أُخذت أعمار المستجوبات التي تراوح ما بين 15-17 سنة في الاعتبار».
التذرّع بـ «وجود علاقة عاطفية بالشاب»، هو السبب الرئيسي المعلن من قبل الاسرة لموافقتها على الزواج (45.2%) تليها الامكانات المادية لدى الخاطب (32.5%). كذلك ارتبطت موافقة الاهل واتجاههم لتزويج ابنتهم بعدم الرغبة الثابتة في متابعة تحصيل الفتاة للتعليم وميلها لترك المدرسة اضافة الى عدم الاصطدام مع توجهات التقاليد والعادات.
بالنسبة إلى الفتيات، فإن النسبة الاكبر لسبب قبولها التزويج كان دافع «الحب والاعجاب» ايضا تليها نسبة القبول تحت ضغط الاهل (12%). يكفي فهم لماذا يهرع الاهل الى تزويج طفلة أعجبت وأحبت شاب او لماذا يضغطون عليها لتزويجها لمعرفة ان فرض القوانين المدنية تتطلب التغلب على الكثير من التحدّيات قد يكون أولها مواجهة بعض التقاليد البالية!