لم تعكس زغرتا أمس حدّة السجال الإعلامي بين تيار المردة والقوات اللبنانية. كان القضاء هادئاً باستثناء مشكلات صغيرة عالجتها القوى الأمنية. ورغم هذا الهدوء، اجتهدت الماكينة الانتخابية الخضراء وأكدت السيطرة على معظم بلدات القضاء
نادر فوز
مدينة زعرتا هادئة. رغم وجود عشرات المواطنين المتجمهرين أمام كل مركز اقتراع، تسيطر السكينة على المكان. زغرتا أهدأ من اللزوم، حتى مع إطلاق المواقف النارية المرتبطة بجريمة ضهر العين. فليس من مواكب سيارة، ولا شعارات استفزازية
حتى حين ينتقل عناصر الجيش في آلياتهم المجنزرة ويعرقلون السير صعوداً ونزولاً في شارع «العبي» في زغرتا، فهم لم يعكّروا المزاج الزغرتاوي. ويمكن القول إنّ هذه الدوريات العسكرية هي التي قامت ببعض «المشاكل الطفيفة»، نتيجة سعيها الحاسم إلى فرض النظام. فمنعت وقوف السيارات هنا، وحظرت التجمّع هناك، واستعرضت عضلاتها في زاوية أخرى.
وحده وصول الممثلين الرئيسيين أشعل الشوارع المحيطة بمراكز الاقتراع. حضر الوزير سليمان فرنجية إلى قلم الاقتراع، فاستُقبل بهتافات وزغاريد عديدة. فالبطريرك السياسي لزغرتا وصل إلى قلب المدينة: «يا قمر افتح إيديك، واستقبل سليمان بك». تدافُع بسيط عند خروجه، يحسمه الوزير ببعض الكلمات مع مرافقيه، مؤكداً أنه يريد أن يمشي بسلام وهدوء بين الناس. يدلي بتصريح، يردّ على بعض الأسئلة ويكمل طريقه فيما التصفيق يحيط به.
هتافات استفزازية هزيلة لبعض الأشخاص في المقابل تسكت بوصول عناصر الجيش، والحصار الذي فرض على مُطلقيها.
أما رئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض، فوصل إلى سرايا زغرتا محاطاً بعشرات الأنصار الذين صفقوا وأطلقوا الشعارات. توقّف معوض مطوّلاً أمام باحة السرايا متحدثاً لإحدى القنوات التلفزيونية، ما رفع من جهوزية أنصاره عند مدخل القلم. انتهت المقابلة الأولى، فعلت الصرخات والهتافات، إلا أنّ توقّفاً آخر أمام عدسات الكاميرات والميكروفونات الزميلة، أعاد الهدوء إلى المكان. انتهت الإطلالة الإعلامية، فعلت الصرخات: «قلها لإمّك قلّها، زغرتا لنائلة كلّها»، ورافقت الشاب المبتسم الممسك بيد زوجته إلى غرف السرايا.
تكرّرت هذه المشاهد مع حضور كل من طوني سليمان فرنجية والنائبين اسطفان الدويهي وسليم كرم إلى مراكز اقتراعهم.
تغيب أعلام القوات اللبنانية وتحضر رايات حزب الله وإيران
تفاصيل العملية الانتخابية كانت تصل تباعاً إلى الماكينة الانتخابية لتيار المردة. اتّخذ التيار لماكينته مكتباً مؤقتاً لإدارة الانتخابات، أنشئت غرفة عمليات حقيقية وجدّية. فتوزّعت الهواتف الثابتة على الطاولات المنتشرة في القاعة الرئيسية، واجتهدت أكثر من عشر مناصرات للمردة في متابعة تفاصيل البلدات الزغرتاوية. تقوم كل منهن بالتواصل مع المندوبين المعنيّين لتحديد أحدث الأرقام، لتنقلها بعد التأكد منها إلى غرفة خاصة يفصلها عن القاعة باب خشبي مزيّن بعبارات: «الرجاء عدم الدخول».
في هذه الغرفة المجهّزة بحواسيب وماكينة عرض، تُجمع الأرقام، كل قلم وقرية على حدة. فتتلوّن الشاشات بحسب الانتماءات السياسية والتقدير المردي لأداء كل ناخب. ووفقاً لهذه الأرقام، يجري تحديد أهداف الماكينة والأشخاص الذين يجب الاتصال بهم ودعوتهم إلى المشاركة والاقتراع. وتتكرّر هذه الحركة في مكاتب الماكينة كل ساعة، وتنتج بيانات داخلية تشير إلى النتائج الحالية والنتائج المنتظرة.
واجتهد أمس في الماكينة لتيار المردة وحلفائه المخصصة لمدينة زغرتا، نحو 200 عنصر، وتشير أرقام التيار إلى أنّ الوجود المردي في الماكينة تمثّل بـ35 مناصراً في غرفة العمليات، و80 ثابتين في مراكز الاقتراع، و35 جوّالين بين «الغرفة» والأقلام. بما معناه أنّ مندوبي المردة مثّلوا نحو ثلاثة أرباع مجمل المندوبين.
وبينما كان الجميع يتابعون الاستحقاق كلّ بحسب وظيفته، مثّلت «مستديرة القصر»، أو المستديرة الملاصقة لقصر الرئيس سليمان فرنجية، نقطة أساسية للإعلاميين. فمنها انطلقوا شرقاً تجاه مزيارة أو رشعين، أو جنوباً نحو بنشعي وإهدن، أو شمالاً صوب قلب المدينة، ومنها إلى مجدليا وعلما. طغى الهدوء أيضاً على قرى القضاء، فلم تحدث في هذه البلدات إلا ثلاثة إشكالات، حسمها الجيش بسرعة، فأوقف مفتعليها وحقّق في التفاصيل، قبل أن يطلق بعضهم، ويبقي بعضهم الآخر في الحجز.
وفي مجدليا، هدوء أكثر من مملّ. كما هي حال رشعين في ساعات ما بعد الظهر. واللافت أنه حتى في القرى حيث جرت معارك انتخابية، غابت أعلام القوات اللبنانية. فقط مردة، وفي الحد الأقصى أعلام لبنانية، يرى رافعوها أنها تعبّر عن الثورة البيضاء ـــــ الحمراء، رغم أن فصولها ولّت قبل سنوات.
العودة إلى مركز القضاء سهل، فالطرقات خالية، إلى حين الوصول إلى عمق المدينة، حيث عجّت مراكز الاقتراع بروّادها حتى قبل ساعة ونصف ساعة من إقفال الصناديق.
بقيت زغرتا هادئة، إلى حين انطلاق المواكب السيّارة مع اقتراع حسم المعركة، فحملت أعلام المردة وصور النائب فرنجية، وبدأت الاحتفالات. حتى إنّ رايات حزب الله وإيران حضرت، في تأكيد على خط سياسي واضح، انتصر في بلديات زغرتا.


آسف على ميشال

على بعد أمتار من قصر الرئيس سليمان فرنجية في زغرتا، مدخل قصر آخر، تحيط به أشجار كثيفة ومقاعد حشبية في الحديقة الأمامية للصرح. في هذه الدار جلس نجل الرئيس فرنجية، روبير بك، يتابع مجريات العملية الانتخابية. تجمّع عشرات المقربين والأنصار في المنزل منذ الساعات الأولى لفتح صناديق الاقتراع.
جلسوا يتناقشون حول ما يجري خارج أسوار القصر، أو ينتقلون من محطة إلى أخرى في التلفاز، أو يأتون بأخبار جديدة حول النسب والأداء. فيما يدور كلبان في المحيط، بحثاً عن أيدٍ «تغنّجهما»، وهي كثيرة لكون الحاضرين كانوا بحاجة إلى استراحات قصيرة خلال اليوم الانتخابي.
في وسط الباحة الأمامية، صدر كبير عليه السندويشات والمشروبات والحلويات. فتتكاثر الدعوات الزغرتاوية لتناول وجبة الغداء. ينسحب روبير من بين الموجودين للحديث بهدوء عما يجري في زغرتا. في الداخل تنتشر الصالونات والزجاجيات والجرار الأثرية. يجلس البيك في إحدى هذه الغرف، حيث يؤكد أنّ النتائج ستكون إيجابية، والأهم أنّ الأجواء هادئة. وعن الاستقرار الحاصل في القضاء برغم كل التوتّر الذي حصل نتيجة جريمة ضهر العين، يقول: «الحمد لله».
ثمة من قال إنّ روبير هو المدير الفعلي للانتخابات البلدية في زغرتا. لا ينفي الأمر ولا يؤكده، فيؤكد: «الكل شارك، وكلٌّ منا يقوم بما يجب عليه، نحن فريق واحد ويد واحدة»، مشيراً إلى أنّ ميشال معوّض هو من ادّعى أن روبير وراء المعركة.
وعن علاقته بالوزير سليمان فرنجية، يشدد «روبير بك» على أنها ممتازة، إذ إنّ «سليمان متل ابني، والوفاق والتواصل تامان».
يبدو أن موقف ميشال معوّض أزعجه، فقال بهدوء: «آسف على أمر وحيد، هو أنّ ميشال معوّض لم يرث شيئاً عن أبيه وعن مواقفه وموقعه السياسي التاريخي». يتابع: «للأسف أيضاً أنه يسمع لما يقوله بعض المقربين منه، فيمشي على هذا الأساس».
يعود روبير إلى الباحة، يسأل عن أحدهم ويطلب شيئاً من آخر، ليستمرّ تعقّب ما يحصل بعيداً عن الأسوار.