اليسار كرمتغيب أجهزة الكمبيوتر المثقلة بالمعلومات واللوائح والأسماء والأسرار عن طاولات المكاتب الانتخابية. لا ألوان طاغية على الساحات ولا أعلام غير علم البرازيل وألمانيا والأرجنتين ترفرف فوق الشرفات والسيارات. لا أناشيد حزبية أو أغاني وطنية تطلقها المواكب السيّارة. كأن الانتخابات البلدية في المتن الشمالي لا تجري على الطريقة اللبنانية، أو كأن البلدات فقدت الحماسة الانتخابية في غياب التنافس الحاد وتقاذف الاتهامات، وفضّلت أجواء التنافس الترفيهي وتقاذف الكرة.
وعلى الرغم من غياب الحركة الصاخبة، ينتشر شبان وشابات باستنفار واضح في محيط مراكز الاقتراع لتوزيع اللوائح وضمان وصول حامليها إلى الأقلام. يرتدون قمصاناً بيضاء بسيطة تلوّنها أسماء اللوائح وشعاراتها، ويمازحون الجميع، بصرف النظر عن موقعهم، «معنا أو ضدنا مش مهم. نحن هنا لإثبات وجودنا»، يقول شادي الذي يقف إلى جانب الطريق في عمارة شلهوب. يتابع: «المهم أن يرانا الناس ويعرفوا أن حضورنا قوي، لأن هذا قد يشجّع المترددين على التقدّم منّا وطلب اللائحة. ومن الجيّد أن نكون حاضرين على الأرض لنتأكد من أن الفريق الآخر لا «يسلبنا» مؤيّدينا فيما نحن نحاول أن «نشدّ» الناس نحونا». أما داني، المؤيّد للتيار الوطني الحر والناشط في دعم لائحة «بلدتي أولاً» في جل الديب، فيقول: «الأدوار موزعة بيننا، فبعضنا أتى بسيارته وهو جاهز لنقل كل مواطن ينتخب معنا من بيته وإليه. هكذا نضمن وصول الأصوات المؤيدة للائحة إلى الصناديق، وبعضنا الآخر يهتم بتوزيع اللوائح أو يراقب الداخلين والخارجين من مراكز الاقتراع ويحصي المقترعين معنا وضدنا».
يختصر معظم الناشطين في الماكينات الانتخابية مهمّتم على الأرض بمواكبة سير العمل وخدمة الناخبين. يعرفون عنها أنها الجهاز البشري الذي يواكب جهود المرشحين بالعمل الميداني والتعاطي المباشر مع الناخبين، ويشددون على أن عملهم لا يقتصر على اليوم الانتخابي، بل يرون أنه الأسهل لأنه خلاصة الجهود المبذولة منذ تحديد موعد الانتخابات. الشبان المنزعجون من شمس الظهر الحارقة لا يبدون أي انزعاج من التنسيق مع ناشطين من مختلف الأحزاب كانوا إلى الأمس القريب يتمنّون لو «يفرجوهم نجوم الظهر». «إنها الديموقراطية، واللوائح مؤلّفة من كل الألوان متل قرن البوظة»، يقول أحدهم ممازحاً.
غير أن بتّ موعد الانتخابات الذي أتى مفاجئاً هذه المرة أزعج الماكينات التي كانت تأمل القيام بواجبها بطريقة أفضل. «باغتونا وتحضيراتنا مسلوقة على نار قوية»، يهمس رجل أربعيني فيما هو منهمك بتوزيع لائحة بأسماء المرشحين إلى المجلس البلدي على المارة «متل ما اتفقنا يا جار، كلها سوا بتنزل بالصندوق»، يقولها مع ابتسامة عريضة، ويضيف هامساً: «هذا أكثر ما يمكننا فعله الآن. أما في الأسابيع الماضية، فكنّا نرافق المرشح في زياراته للبيوت وكنا نعمل على إعداد بعض الصور والملصقات، وإن كنا لا نعوّل عليها كثيراً، فالانتخابات البلدية عائلية وخدماتية قلّما يؤثر فيها الموقف الحزبي، لذلك يمكننا أن نمون على معارفنا وأقاربنا».
لا يوافقه شباب الطاشناق. يؤكدون أن العمل يبدأ بالإحصاءات والتعرّف إلى الناخبين فرداً فرداً ومعرفة المؤيدين والمحازبين وإعلامهم بأقلام اقتراعهم، بحيث نصل إلى اليوم الكبير جاهزين وشبه أكيدين من نسبة الأصوات التي ستصبّ لمصلحة اللائحة التي ندعم، وغير مضطرين إلى الركض خلف أحد». يقولون بفخر: «معلوم أن ماكينة الطاشناق لا يُعلى عليها. نحن نعمل بنظام ونلتزم بالقرارات، ننفّذ ثم نعترض». ليس خافياً على المطّلعين أن الطشناقيين يلتزمون بالقرارات الصادرة عن القيادة دون نقاش أو تردّد. ولأن قيادتهم مركزية، يجولون في المناطق كلها ولا يعملون للبلدة التي ينتخبون فيها وحسب. «الأرمن ليسوا في برج حمود فقط، بل في الزلقا وأنطلياس والفنار وجل الديب والضبية، فلمَ لا نتوزّع على هذه البلدات، وخصوصاً أنه لا مرجعيات محلّية لنا؟».
يختلف الوضع بالنسبة إلى الناشطين في التيار الوطني الحر والكتائب، الذين يتميّزون بموقف وأداء خاص في كل بلدة. ففي أنطلياس مثلاً يؤكد ناشطون في «التيار» أن الماكينة تأخّرت نسبياً للبدء بعملها، لأن إعلان اللوائح حصل بعد ظهر السبت. يروون بأسف كيف اضطروا إلى الاستناد إلى الإحصاءات الأخيرة التي اعتمدوا عليها في الانتخابات النيابيّة مع إجراء تعديلات تأخذ في الاعتبار اختلاف موقف بعض المؤيّدين الذين يفضّلون العائلية والمصالح على توجيهات الحزب. الكتائبيون يؤكدون الأمر، غير أنهم يستدركون «حاولنا أن نقرأ ما وراء التصريحات ونتبيّن منذ الأيام الأولى ما إذا كانت حظوظ التوافق قائمة أو لا، كي لا يسبقنا الوقت».