أقفل المشهد الانتخابي في بلدات جرد المتن الكبرى على انقسامات عائلية ألزمت الأحزاب والتيارات دعم هذا «الجبّ» وذاك «الفخذ» في محاولة لتلقيح الذات من خطر الإصابة بـ«فيروس» الانقسام الذي بقي هو الأقوى
جرد المتن ــ عفيف دياب
لم ينسحب الطقس البارد على المعارك الانتخابية في البلدات الكبرى في جرد المتن. فحرارة التنافس العائلي والحزبي كانت كفيلة بطرد موجات البرد والضباب، الذي لم يحجب الاتهامات المتبادلة بين القوى المتنافسة، العائلية والحزبية، بشأن خروق غير مشروعة لمسار العملية الانتخابية في بعض القرى الجردية، ولا سيما في بلدة عينطورة التي شهدت تنافساً حاداً بين لائحة «عينطورة الإنمائية» التي تعرف باسم لائحة «آل الحاج» لضمّها 12 مرشحاً من العائلة من أصل 15 مرشحاً للمجلس البلدي، والمدعومة دعماً كبيراً من حزب الكتائب، ولائحة «التغيير والإصلاح» المدعومة من التيار الوطني الحر والحزبين القومي والشيوعي، إذ شكا مناصرون للتيار العوني لفرق مراقبة الانتخابات الأهلية من شراء أصوات وتوزيع شيكات بمبالغ مالية على «المكشوف». حدّة التنافس في عينطورة لم تصل إلى انتخابات بلدية المتين ـــــ مشيخا التي شهدت تنافساً هادئاً وغير متكافئ بين لائحة «الوفاق والوفاء» وبعض المرشحين المنفردين الذين رفضوا التوافق بعدما حرمهم الانضمام إلى اللائحة التي ألّفتها العائلات وألزم التيار العوني والقومي والشيوعي والتقدمي الاشتراكي والكتائب بدعمها. هذه الأحزاب التي اختارت صناعة لائحة ائتلافية في المتين ـــــ مشيخا نزولاً عند رغبة العائلات، لم تستطع ترجمة هذا الوفاق في المروج المجاورة، حيث انقسمت الأحزاب مع العائلات على لائحتين مكتملتين: «المروج للكل» وتضم 12 مرشحاً، وتلقّت دعماً سياسياً وانتخابياً من القومي والتيار العوني والشيوعي، ولائحة «المروج لغد أفضل» التي ضمت تحالف القوات اللبنانية والكتائب وميشال المر، الذين وجدوا في صوغ تحالفهم أيضاً في غابة بولونيا خلف لائحة «توافق العائلات من أجل بولونيا الغد» مناسبة لا تستحق العناء الانتخابي، في هذه القرية الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد ناخبيها الـ600 ناخب وناخبة، لمواجهة لائحة غير مكتملة من 7 مرشحين ليسوا ببعيدين عن التيارات السياسية المذكورة، مع «نزعة» سياسية استقلالية كردّ فعل على محاولة سحبهم من المعركة، بهدف تزكية لائحة الرئيس الحالي للبلدية جورج كفوري.
مشهد الاقتراع الهادئ في غابة بولونيا لم ينطبق على ضهور الشوير، حيث كانت أم معارك الجرد المتني، ومعقل الحزب السوري القومي، الذي وجد نفسه فجأةً في موقف لا يحسد عليه. فالحزب لم يستطع بلورة مشهد خوضه المعركة الانتخابية التي أخذت طابعاً عائلياً، أجبره على ترك الحرية لمحازبيه ومريديه في اختيار من يريدون من اللائحتين، حيث انقسم المرشحون القوميون ما أحرج الحزب رسمياً، فكان لا بد من الخيار «المر» بالوقوف متابعاً عن بُعد، ومرحّباً بمن سيفوز من «الرفقاء» من اللائحتين: لائحة «الوحدة والإنماء» التي أخذت من شعار «ساحة الكنيسة الواحدة» عنواناً لمعركتها وبـ«الفكر والقلب نحفر حضارة على صخرة الشوير» مدعومة من عائلات وكتائبيين وقوميين غير ملتزمين تنظيمياً، ولائحة الإنجاز والتغيير التي تلقّت دعماً من التيار العوني ومناصرين للقومي من داخل الحزب وخارجه.
«فرادة» معركة ضهور الشوير ـــــ عين السنديانة «البلدية» انسحبت على معقل النائب ميشال المر في بتغرين، إذ استطاع نسج لائحة تحالفية له فيها حصة الأسد (9 أعضاء) مع التيار الوطني الحر والشيوعي والكتائب والقوات برئاسة ابنته ميرنا، مبعداً عنها الحزب القومي، الذي رفض حصة من مقعد واحد، فقرر مواجهة لائحة المر ـــــ الأحزاب المنافسة بلائحة غير مكتملة من 5 مرشحين من آل صليبا. وقال المر إثر الإدلاء بصوته، بعدما وصل محمولاً على أكتاف مناصريه، إنّ الانتخابات البلدية في كل المتن «يرعاها التوافق، ولكن ذلك لا يعني أننا اتفقنا في كل بلديات المتن». موضحاً أن «توافقاً تامّاً حصل في بتغرين، وأنا شخصياً ألّفت اللائحة وكنت قد تركت مقعداً للحزب القومي ولكنه رفض، وأنا أساساً أرفض ألّا يكون هناك توافق في ضيعتي، ولكن اضطررت إلى أخذ 9 مقاعد لأنني أريد الاحتفاظ بالأكثرية في البلدية». معركة المر المحسومة النتائج لمصلحته في بلدته بتغرين، بدت ضبابية في الخنشارة، التي تنافست على مجلسها البلدي 3 لوائح: لائحة «إنماء الخنشارة والجوار» المدعومة من القومي والتيار العوني، ولائحة المر ـــــ الكتائب ـــــ القوات، ولائحة الشباب المستقلين غير المكتملة (9 مرشحين من 14). أما في بسكنتا، فقد وصل التنافس الانتخابي إلى أشدّه مع ارتفاع نسب الاقتراع في فترة ما بعد الظهر، وتنافست على المجلس البلدي (15 عضواً) لائحتان: «بسكنتا للكل» المدعومة من الكتائب والقوات، ولائحة التيار الوطني الحر التي تلقّت دعماً كبيراً أيضاً من الحزب القومي، الذي أكّد مناصروه فوزهم الكامل.
ليس بعيداً عن جرد المتن، فقد شهدت بلدة ترشيش (قضاء بعبدا) معركة انتخابية فريدة من نوعها. فالأهالي الذين انقسموا في ما بينهم، رغم غيابهم شبه الدائم عن القرية، رسموا مشهد تنافسهم على أرض سهل البقاع وفي بيروت ومناطق أخرى، وتوجّهوا صباحاً إلى قريتهم المهجورة شتاءً وربيعاً ووزّعوا أصواتهم على لائحتين: «الوحدة والإنماء» التي تضم تحالف القوات والتيار العوني والكتائب والتقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، و«إنماء ترشيش» التي تضم أيضاً من هو محسوب على الأحزاب المذكورة، على أن يقفل الجميع عائدين إلى أمكنة إقاماتهم بعد صدور النتائج لينطلق العمل البلدي صيفاً ويستريح في بقية الفصول التي لم تزل تهّجر الأهالي بعدما هجّرتهم الحروب اللبنانية.