أراد وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي أمس توجيه «رسالة سياسية»، تقول: «إنه في نظام كالنظام اللبناني (...) لا شيء ينتج دولة ولا شيء يحقق مطالب ولا يوجد شيء يوصل إلى نتيجة غير الصراع السياسي حول قانون انتخابي جديد، أي كلام آخر هو تعريض للممتلكات العامة والخاصة وإثارة الفوضى». لم يكن المتظاهرون يوم السبت الماضي ينتظرون مثل هذه النصيحة، بل طالبوا بوضوح بمحاسبة كل من تورط باستخدام العنف ضدهم وصولاً إلى محاسبة وزير الداخلية نفسه.
إلا أن المشنوق ليس مستعداً لمثل هذه المساءلة، قال: «نعم حصل إفراط في استعمال القوة، ولكن هذا الإفراط له مسببات ومبررات تتعلق بالساحة التي حصلت فيها الأمور»، ثم توجه إلى «كل المعنيين والمتظاهرين والمطلبيين والغوغائيين والمشاغبين» بحسب وصفه، ليبلغهم أن «أي احتلال أو اعتصام أو اعتداء على مؤسسة عامة سوف يتم حسمه من اللحظة الأولى تحت سقف القانون وبالقوة إذا لم يستجب المحتلون أو المعتصمون».
فيديو واحد لمتظاهر يصرخ في وجه عنصر أمني قائلاً له: «إنت بلا شرف»، كان كافياً ليُعدّ المشنوق مقدّمة «دفاع» عن القوى الأمنية، في مؤتمره الصحافي أمس، معتبراً أنها أصبحت في «مرمى حجارة المندسين والغوغائيين» الذين «يصرون على إثارة الفوضى وتوريط الحراك».
تمهيد المشنوق كان متوقعاً، فهو لم يذهب نحو «تحويل ضابطين على المجلس التأديبي، واتخاذ تدابير مسلكية بحق ستة عسكريين وتوجيه تأنيب إلى الضباط لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم»، من دون مراعاة «حساسية هذا الجهاز ضد كلمة المحاسبة»، ودون مخاطبة المتظاهرين بالقول إن «ما يُمارس بحق عناصر قوى الأمن ليس تظاهراً، بل اعتداء على كرامة الناس»، وإن من يرى أن هذه المؤسسة «بلا شرف» يعاني من «عمى وطني».
أوضح المشنوق أنه يستند إلى «تقرير المفتش العام في قوى الأمن الداخلي المؤلف من ٧٢ صفحة، والذي تضمن إفادات لأكثر من ستين شاهداً وعدد من الجرحى»، وكرر الإشارة إلى أعداد «الضحايا» من عناصر قوى الأمن نتيجة «الشغب»، ليخلص إلى عدم جواز «تعميم الاتهام على عناصر قوى الأمن، الذين لا يمكن أن يرتفعوا فوق مستوى البشر، فيجدوا أنفسهم في مكان ما مضطرين إلى مخالفة التعليمات والردّ على الإهانة بحقّهم». وقال: «حافظنا وسنحافظ، في الكثير من الأيام التي قطعت وليس كل الأيام، على حق التظاهر السلمي بحده الأقصى، ومسؤولياتنا حماية المتظاهرين من أن يعبّروا مهما قسوا بالتعبير من دون استعمال تعابير غير أخلاقية، لا بحق العسكريين ولا بحق الأفراد. إذا قالوا بحق السياسيين لن يحاسبهم أحد، ولكن إذا شتموا العسكريين بوجههم، لا أعتقد أن هذا العسكري جبل مضطر لأن يتحمل الشتائم التي تتعلق بعرضه وعائلته وشخصه وشرفه وكرامته».

هذه ليست المحاسبة التي انتظرتها اللجان القانونية التي شكّلت للدفاع عن المتظاهرين


تراجع المشنوق، في مؤتمره، ولو «مؤقتاً»، عن «اتهام دولة عربية صغيرة بأنها تقف خلف ما حصل في شوارع بيروت»، والذي استشف أن المقصود به دولة قطر، فأشار إلى أنه «لم يقل إن هناك دولة تقف خلف المتظاهرين، بل إن وراء أعمال الشغب دولة عربية، لم أقل إنها قطر ولن أفعل قبل انتهاء التحقيقات». استدراك المشنوق جاء بعد تصريح رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري حول أن «الشائعات التي تزج باسم دولة قطر في الأحداث اللبنانية مجردة بالتأكيد عن أي صلة بالحقيقة».

كيف كان الرد عليه؟

هذه ليست المحاسبة التي انتظرتها اللجان القانونية التي شكّلت للدفاع عن المتظاهرين، إذ رأوا في كلام المشنوق إمعاناً في انتهاك حق التظاهر وحرية الرأي والتعبير، خاصة أنه حاول إيجاد تبريرات غير قانونية وغير منطقية لاستخدام العنف المفرط، من قبيل عدم قدرة قوى الأمن على تحمّل شتيمة أو رمي قنينة بلاستيك فارغة عليه. فيمنع على أي من العناصر الأمنية بحسب القانون، أن تقوم بأي فعل أو رد فعل، على أي شخص كان، دون وجود أوامر من رئيسه أو مسؤوله المباشر وبموافقة وزير الداخلية نفسه.
تشير رانيا غيث، محامية في حملة «بدنا نحاسب»، إلى تجاهل وزارة الداخلية للمادة 347 من قانون العقوبات اللبناني، التي تمنع القوى الأمنية من التدخل وفض أي اعتصام ما لم تقم مسبقاً بقرع الطبل أو النفخ في البوق أو الصفارة أو بأية طريقة أخرى مماثلة لإبلاغ المعتصمين، وتشترط هذه المادة وجود أعمال شغب مرتكبة في الأساس. وعما قاله الوزير المشنوق حول عدم إقدام أي من العناصر الأمنية على أي رد فعل خلال جميع التظاهرات التي تلت تحرك 22 آب، فهذا ما تدحضه الفيديوهات المسجلة للعنف الذي مورس في تظاهرات لاحقة، إضافة إلى تقارير الأطباء الشرعيين، وموجة الاعتقالات العشوائية التي كانت تلي كل اعتصام، وما نتج منها من موقوفين ومفقودين لدى جهات أمنية مختلفة (قوى الأمن الداخلي، فرع المعلومات والجيش...). ويضاف إليه توقيف القصّار والتحقيق معهم بغياب مندوب الأحداث أو ولي أمرهم، وامتناع الجيش اللبناني وفرع المعلومات عن إعطاء أسماء الموقوفين لديهما، فضلاً عن التعذيب الذي مورس بحق الموقوفين، الذين منعوا من كامل حقوقهم المنصوص عنها في المادة 47، فمنع عدد كبير منهم من الاتصال بذويهم أو بمحام، كذلك لم يسمح لطبيب بالكشف على العدد الأكبر من الموقوفين، وأُجبروا على إجراء فحوص المخدرات على نفقة الموقوف الخاصة.
وحول كلام المشنوق عن أن «أي احتلال أو اعتصام أو اعتداء على مؤسسة عامة سوف يتم حسمه من اللحظة الأولى تحت سقف القانون وبالقوة»، تقول غيث إن ما حصل أول أمس أمام وزارة البيئة «لا يمكن أن يعتبر قانوناً احتلالاً لمكان عام، فطالما لم يجر تعطيل عمل الوزارة ولم يحصل أي أعمال شغب داخلها، لا يمكن منع مواطنين من التظاهر داخلها، بحسب القوانين النافذة، خاصة أن المعتصمين لم يكن بحوذتهم أي وسائل يمكنها تهديد الوزارة».
(الأخبار)