صنعاء | ما زالت الشجرة العملاقة التي تتوسط ساحة كلّية الآداب في «جامعة صنعاء» في مكانها ولم يقلعها فأس الزمن وعوامل التغيير. هيّ الشجرة نفسها التي كان يجتمع حولها يومياً أهل الكتابة اليمنيّة الجديدة على اختلاف أنماطها. من منتصف تسعينيات القرن الماضي تقريباً، انطلقت تلك الجلسات التي أخرجت أصواتاً شعرية أعلنت لنفسها نبرة مختلفة عن السائد.
ولم تفعل هذا في بيان شعري كما جرت العادة في الأزمنة اليمنيّة الماضية، بل كان إعلانها عبر نتاجها الشعري نفسه باعتبارها نقطة جديدة غير معترف بها بأصوات سابقة على المستوى المحلي. اعتبرت جماعة النثر نفسها صاحبة السبق في ارتكاب هذا النوع من الكتابة، وقد تعثّر السابقون بحبال القصيدة التقليدية أو الحرّة ولم يتجرأوا على الذهاب خطوة إلى الإمام كما فعلوا. مع ذلك، لم يقدروا على إعلان اختلاف قصيدتهم بشكل صريح عن قصيدة النثر خارج البلاد. وهذا النتاج الكتابي الجديد ليس سوى مجموعة تجارب ضمن مشروع الحداثة، وقصيدة النثر إحدى تجلياته وأبرز مظاهره، وهو انتاج موحد «لا تفصله حدود، لأنه ثقافي وفكري في المقام الأول» وفق الناقد العراقي حاتم الصكر الذي انشغل بـ «قصيدة النثر في اليمن» وقام بمتابعتها وتوثيقها في كتاب حمل الاسم نفسه. تأخذنا مسألة الاختلاف عن السائد والعام والرسمي التي أظهرها شباب قصيدة النثر اليمنيّة إلى حقيقة أنّ لا استعراض من جهتهم في حقيقة المسعى الذي قرّروا الذهاب فيه. ذلك الاختلاف قد يظهر لنا في واقع حياتهم اليوميّة وتفاصيلها الصغيرة المرتكزة على «الأنا» الخاصة بهم التي اختاروا الكتابة عن طريقها مبتعدين عن «القضايا الكبرى» بحسب رؤيتهم لإشكاليات الشأن اليومي وتبعاته وهم يرونها بنظرة خاصة من جهتهم «كمفتاح مهمل على طاولة» ولا تخضع لأي معايير مسبقة وجاهزة. وفي مسألة الاختلاف أيضاً وكونها حقيقية وبعيدة عن مظاهر ادعاء وتصنّع، سنجد أمثلة شخصية من أصحاب تلك القصيدة وقد قرّروا السير في حياتهم ذاتها على نحو مختلف ولافت أو من خلال النظر الى الجهة التي انطلقوا منها متوجهين إلى أرض النثر والطريقة التي قدّموا بها أنفسهم. لنأخذ مثلاً حالة الشاعر محمّد محمّد اللوزي الذي يتعمّد تكرار اسم «محمّد» بغرض تمييزه عن ابن عمّه وهو شاعر أقدم منه ومن حالة كتابية أخرى اسمه أيضاً محمّد اللوزي. لقد ترك شاعرنا دراسته النظامية وقرر التوجه إلى السلك العسكري والانضمام إلى فرقة الحرس الجمهوري. ذهب إلى بغداد للدراسة العسكرية واستفاد من تلك الفترة مقترباً من أصحاب القصيدة العراقية الجديدة. على هذا لن نستغرب ونحن نرى اللوزي وهو يقدّم نفسه في سيرة ذاتية كتبها على صفحة من ديوانه الأول «الشباك تهتز، العنكبوت يبتهج» (2001) مؤكداً فيها أنه محمّد اللوزي الذي «لم يشارك في أي مهرجان شعري ولم يحصل على أي جائزة أدبية». لكن سيرة الجيش والحياة العسكرية ستظهر في الديوان ذاته ولو على هيئة سجن ومعتقل مستفيداً من الحياة التي اختارها هناك: «الاسم المحفور على جدران الزنزانة/ هل يحلم أيضاً بالحريّة؟/ حين أُطلق سراح جميع السجناء/ بقي الاسم سجيناً». مع ذلك، سيبدو واضحاً أن الجندية لم تأخذه تماماً من حياته الأصلية و»شجرة» كلّية الآداب التي ساهم الجلوس حولها في تشكيل وعيه الشعري. ستظهر هذه الحياة في سرد تفاصيل المكان نفسه والاستفادة منه خصوصاً في ما يتعلّق بقصة صديقته التي التقاها هناك مع عدم إغفال توثيق لحظات تعاسته معها، مؤكداً أنّ «هذا الحمار المربوط سيظل ينتظركِ». ومع الجندي محمّد اللوزي، سنجد نبيل سبيع الذي قرّر ترك دراسة الطب والتوجّه إلى كلّية الآداب والانضمام لجماعة الشجرة نفسها. هكذا، أصدر ديوانين مدمجين في كتاب واحد هما «هيليكوبتر في غرفة» و»السير ببال مغمض». كما سنجد آخر ترك شغله في حافلة نقل خاصة متجهاً إلى القصيدة نفسها، ورابعاً أعلن استقالته من التدريس الحكومي واتجه نحو الكتابة الجديدة والترجمة، ومنهم من لم يكمل دراسته من الأساس مكتفياً بالقراءة الذاتية والعمل الحر. لكنّ كل هذا الانشغال بالذاتي والابتعاد عن العام أو الاختلاط به قد يظهر منعكساً على واجهة سلبية حال الانتباه لمسألة القطيعة التي يفعلها عدد كبير من أصحاب تلك القصيدة وعدم التفاتهم لضرورة تقديم نتاجاتهم ونشرها خارج البلاد. بعضهم تبدو درجة الكسل لديه مرحلة تجعله عازفاً عن إعلان خبر صدور ديوان شعري جديد له. هذه المختارات محاولة لجمع تلك الأسماء في مساحة واحدة، وإعادة قراءتها والاحتفاء بما قدمه هؤلاء من تجارب ستظل فردية، وإن تقاربت في الطموحات وهواجس الكتابة والاختلاف.

جمال الرموش

حائط ضد ظلالنا

اليوم لا يدل على ما يشابهه
لا يهبني الزجاج الشك، ووحشة الأصابع
لا تهبني الغيمات وراثة الأسى
.. هكذا كلمتني حواسي:
أخرج ما عليك
وشم بساطة الله.. والمطر الحليف
وأمتدح فرحتك كي تقول الأغاني
وأبصر مجد الخلايا
.. وقد صدقت
حائط ضد ظلالنا
كان..
وقبائل تقض بهاء البحر
وتقطر الفوضى
.. كيف تعلو حذاقة الإنشاد..!!؟
وأنا ألقي السلام على حجر لا يرد السلام
هل نُصاب اليوم بوطنٍ مُر..
أو حطام..!!؟
وقد صدقت
..اليوم سأنشد لهذا الخيط
مثلما قالت حواسي
وأقول له / انهض من نعاسك
أرجوك ..
لا تدل على هلاكي
وأهمس للمرايا أن لا تخون مداي
والغبار لا يئن له وريدي
أو يداي
لا يجد من صداي
أيها الخيط
لا تغلق خطاي
سأسكب شهية الندى في عروقك
حتى أكون لك طائعاً
أيها الخيط
.. هكذا صدقت
ومضيت..!
آه ما أطيب حواسي..
آه ما أغباها..!

كريم الحنكي

ذات حذاء وشيك
(في مناجاة صرصور)
ما الذي أخرجك الليلة،
أيها المستريب،
المتشبث بقطعة من رصيف هذه المدينة التي خلفت طينها،
وانتشرت
حجرية الروح، والصخب؟
أية يد للغفلة،
استمالك التيه بها..
ثم خلاك
في عرائك الماثل بكل فجيعته الآن،
للصحو مباغتاً
على هذا القدر من الغربة
عن قبيلك الساعي، مزهواً
بطمأنينته،
في مِعى هذه المدينة،
ومجارير حقيقتها؟
أيّ همّ شردك الليلة،
أيهذا الكائن المحاصر بقماءته..
كأنك إياي
بقرنيك الذاهلين
اللذين يستشعران، في خلاء توجسك،
انسحاقاً نازلاً
حين تنطبق عليك، ذات حذاء وشيك،
سماءٌ ما..
ثم ترفعك
في الخلاص؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

نبيل سبيع

مـن أين يدر بالضبط كل هذا الأنين؟

كل مساء،
أعود إلى البيت
وأخلع حذائي في المكان المعتاد
حيث تخلع الأيام أحذيتها أيضاً
قبل أن تدلف صامتة ومقطّبة الجبين
من فتحة الباب ذي الدرْفَـيْـن الخشبيين
الباب الذي أعبره بصحبة أنين خافت
خافت إلى درجة أنني لا أدري
من أين يصدر بالضبط:
هل من جرح قديم وغائر داخلي
أم من جرح الشجرة القديمة والمنسية
التي صُـنِـعَ منها هذا الباب؟
يا الله،
لماذا خلقت الأشجار
وخلقت الحطابين بعد ذلك؟
يا الله،
لماذا خلقت الجراح القديمة والغائرة
وخلقتني بعد ذلك من أجلها؟
كل مساء،
أطلق وابلاً من الأسئلة باتجاهك
ثم أمد يدي إلى الشَاكُوش المعلق على الجدار
تماماً، جوار مفاتيح البيت المربوطة بمكعب شفاف
المكعب الذي كلما وضعت عليه أذني
أسمع أنيناً خافتاً لا أدري:
هل يصدر من جرح الفراشة الميتة والمحنطة داخله منذ سنوات
أم من أذني نفسها؟
لا أظنك تحفل بما أفعله داخل بيتي في المساء
فلديك الكثير مما تحفل به على مدار الساعة في الشوارع والساحات
لكن، يا الله،
هل علي أن أعود كل يوم إلى البيت
لكي ينتهي بي المطاف كل مرة إلى نفس النقطة:
أحمل الشاكوش إلى الداخل
الذي يضم أسرة صغيرة أحبها
وشؤوناً صغيرة تسير بشكل هادئ
جوار خرقة من الصوف
أعطي ظهري للأسرة وشؤونها الصغيرة
لأحشر خرقة الصوف في فم حياتي
وأطلب منها بحياد جراح
أن تستلقي أرضاً على بطنها بصمت
كي أبدأ نزع المسامير عن ظهرها
إنه عمل شاق ومضنٍ
إنه مساء كامل من نزع المسامير
مسامير انغرزت بالكامل
وأخرى حتى المنتصف
ومسامير انغرزت معقوفة
لأن الأوغاد لم يحسنوا دقها بشكل صحيح
في هذا الظهر الصامت
كل مساء، كل مساء،
أواجه الصعوبة ذاتها في نزع المسامير المعقوفة
وأقول بيني وبين نفسي:
لكنها كلها مسامير في نهاية المطاف
ولكن، في نهاية المطاف أيضاً،
لماذا خلقت حياتي يا الله
ثم خلقت من أجلها
كل هذا الأنين الخافت
الذي لا أدري من أين يصدر بالضبط:
هل من جرح قديم وغائر داخلي
أم من جراح قديمة وغائرة في كل شيء؟

جلال الأحمدي

ما أعلمه تماماً

(إلى امرأة ٍ تعرفني..)

حول شجرة «كجامعة صنعاء»، انطلقت منذ التسعينيات جلسات أخرجت أصواتاً شعرية أعلنت لنفسها نبرة مختلفة عن السائد
ما أعلمه تماماً أنه حين تفقئين عيني اليمني فعليّ أن أبتسم وأقدم إليك اليُسرى...
لا أعرف ما هو المستحيل... عندما لا يعود هنالك ما هو ممكن
لا أحسن قياس المسافات لذا ولدتُ أعرج الرئة وبي ثقب بالفرح
ليس في قدري ما يلفت الانتباه أو يدعو للشك..
أبسط ما يقال عنه.. قدر شاعر بالتأكيد
ياقة قميصي لا تخلو من الشوك.. ولا أخلو من الرغبة بالتخلص من كل ما يتعلق بهذا الجسد
سئمت الاختباء في مداخن المشاهد.. والتمرغ في رمادية الأشياء
أخشى أنّ المشهد أطول مما يحتمله بياض ذاكرتي... أو أن يتفحم ما تبقى من صوتي
أنا الولد المشاغب... الفائض بالعصافير ورائحة الطباشير..
يمكنني أن أجزم في تلك اللحظة بالذات.. حين كنت ترتبين شعرك الأحمر.. وتختلسين النظر إليّ من خلف سواد نظارتك
أنني محظوظ لعين
وأن شعوري باليتم سيلتصق بي منذ هذه الوهلة..
أنا البعيد الأقرب.. الغريب الذي لا ينتمي إلا إليك..
أقف الآن مثل قنينة عطر فارغة.. أحاول أن أستعيد لغتي في حضرت ضحكتك
ما أتفه هذا الغياب.. أعلم أني لست الرجل الوحيد.. كما أني لستُ سحابة صيف
لكن سكاكين الفقد سيئة السمعة.. لا تسامح حتى الموتى..
أعلم أن آخرين ينتظرون سقوطي عن قدمي.. أو ينصبون لي الكمائن بين أحرف الكيبورد..
أعي أكثر من الغيب أني لا أتوقف عند باب مغلق.. ولا أسلم فراغات أصابعي لغير أصابعك..
أعترف أنّي أكره صوت البنادق.. وأن الطريق إليك معبد بالسهر.. وأنّي لأجلك روضتُ الموت ودجنتُ الليل
إن لم أكن هذا السفر في عينيك.. هذا السحر الكثير الذي يغلف شرودك.. هذه الكلمات التي تختبئ تحت وسادتك..
إن لم أكن «لك» الباب ومقبض الباب وصوت الباب والرياح التي تتغلغل بين ثقوب الباب ومَن خلف الباب ومَن يفتح الباب..
فلا حاجة لي بي.. رديني إلى أمي الأرض.
كم أبدو مغفلاً وبسيطاً لأدرك حين تسندين حزنك إليّ أن أصابعي أقل دهشة من أن تقطف لك قمراً.. أو أن تعلق لأجلك آخر...

شوقي شفيق

نصوص الفراغ

1- فيروس
في كل مساء أرممني
وأهيئ جسدي لاستقبال نوم فاخر اخترعه في هذه اللحظة – كل مساء – يغزوني
فيروسك ليدمر مائدة النوم
ويحطم أطباق جفوني
أرجوك اذن ابعثي فيروسك إلي
كل مساء
2- رضوض
هذا الفراغ ملح بكآبتي
وأنا ارتق ما تنامى من رضوض
في ثنايا المروج
آه يا ضياع الروح في روحي
وفي جسدي
3- اشتعالات
همت يدها بتقبيل فمه
حين كان فمه يركع لتقبيل يدها.
حينما قبلها
انهمرت اشتعالاته
وفردت قلوعي عند نهار عيونك
فاكتملت أسرار معارجنا
واشتد تشابهنا.
ليس سواي هنا إلاك.
وليس سواك إلانا.
ها صوت عيونك يأتي في كون مكتظ فأرى دفقته.
ها روحي –يا حلية روحي – شاردة في ابراج يقينك.
ها ابراجك تملأ سلة معناي.
فيسطع معنانا
ثمة ليس سوانا إلانا.
إلانا ليس هناك سوانا.
ويقين تشابهنا في معنانا.

عمرو الأرياني

عندما لا أصحو تسير الأمور على ما يرام

أحد أقاربي رُزق بمولوده الثاني عشر..
ليست كل الأخبار سيئةً.
(3)
اللحن الواقف في الطابور
الواقف على الجذع الأوسط
الواقف في الموقف
الواقف في وقفته الواقفة ..
لم يمت خنقاً (بدو ري مي فا صول لا سي...)
(4)
السعادة أن تمضي اليوم لشارع آخر
بوعي الألم المذبوح بمطر بارد كثيف يخفف جلطة تعسة في كأس بغير ملابس داخلية
بغير زجاج.
(5)
(البلوتوث) لا يعني أن الأنثى الملتحية بزوجها الفاتح
لا تستخدمه في (عدن مول)
فهو يشتري آخر برقع طرزه ألهو
وهي ترسل جلدها الفاقع.
(6)
هكذا البداية
شاعر يموء حداؤه المبلل بقضيته المصابة بالسيلان
ونهاية بدايته أن يظن بأنه الكامل..
(7)
(الكاريزمي) هو ذلك المستثنى من المقطع (6)
(8)
المارد يسقط حين يجرده المجرد
وليس بتجريد ما يسقط منه
(9)
طريقة الدفاع عن الملكة بالوزير بعد الشقلبة لا يحمي الشطرنج
لذا لا أكف عن عدم الاندهاش.

قيس عبد المغني

ماذا لو...؟!

ماذا لو علمتِ أن طائرة معادية تحلق بعلو منخفض فوق قصائدي
أكان هذا ليدفعكِ للتخلي عن مسلسلكِ السوري المفضل؟
أكان هذا سيجعلكِ تضعين «الريموت» جانباً وتقفي قلقةٍ بشأن بمصيري؟!
ماذا لو جاءتكِ أنباء مؤكدة عن انفجار الوضع في صدري
وعن تدفقي واحتشادي عند معابر قلبكِ أكنتِ ستضحين بجمهورك على «الواتس أب»
وتسمحين لجموعي المذعورة بالعبور والنزوح إليكِ؟!
دعكِ من كل هذا الهراء..
ماذا لو أخبرتكِ-حقاً-
أن قطةً صفراء تسللت بالأمس إلى رأسي وقامت بالتهام معظم خطتي للنجاة من هذه الحرب
أيكون هذا كافياً
كي تتركي نافذتكِ مفتوحة الليلة؟!


مهمة خطرة ومعطرة

تسيرين تحت جنح القصف
نحو حديقة تحاصرها قوات حكومية..
تقطفين
منها زهرة
كأنك:
تجلين آخر رعاياك الذين علقوا في مناطق القتال

نبيلة الزبير

توحيد

انتظر
اختلطت باقتانا
استطيع ان اميّزك ..
هذه رائحتك ..
وهذه رائحتك
وهذه
رائحتك..!
يا الله... كم أنت وحيد.

علي المقري

الأيّام الصعبة

ظننَّا الحياةَ سهلة،
إذ رافقنا كارل ماركس
لسنوات طويلة
كان يشدُّنا
منذ طلوع الفجر حتى هبوط النَّوم
إلى ثورات وانتفاضاتٍ
ومظاهراتٍ
تُزيح السِّتارَ عن بهجة الحياة
إلى أبدِ الأبد.
كانت أيّاماً سهلة
أن نصحو مع (مارسيل خليفة) نُغنِّي:
(منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفّي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي)
أو ننهضُ مع شمس (فيروز):
(طلعت يا محلى نورها
شمس الشموسة).
كانت أيّاماً فقيرةً وسهلة
فبرغم أننا لم نكن نؤمنُ
بوجود رب كريمٍ أو بخيل
كان يكفينا لنغالط الفقر
أنْ نغنِّي (سيد درويش):
(ياللي معك المال
برضه الفقير له رب كريم)
كانت أيّاماً سهلة
حتى عندما تراكمت الخيبات،
وصرنا كثيراً ما نمسك الرفيق
كارل ماركس بذقنه الكث
ونعاتبه مثل أيِّ شيخ مسلم (الله المستعان).
بعدها أيضاً
كانت أيّاماً سهلة
ونحن ننتقل إلى السكن مع جان بول سارتر
مجاورين سيمون وكامو
حيث لم نعد نقول
أبداً
صباح الخير
كانت أيّاماً متشحة بالسواد وسهلة
أنتزع فيها ميلان كونديرا منّا الضحكَ
والتباهي بالنسيان
كان الندم يشدّنا من أوّل الصبح
حتى آخر النوم
ذبحنا سنوات العمر على عتبة الندم
ولم يتبقّ لنا أيُّ شيء لنتباهى به
أو
نندم عليه
صرنا بلا تباهٍ
وبلا ندم
بلا أيِّ شيء.
كم صارت الأيّام صعبة؟

أحمد السلامي

إحساس

أشم عطر زهرة خفية
فأعرف أنّكَ في البيت
وأنك تبتسم لنفسك
دائماً ينبت ورد
في الفراغ الذي تحدق إليه.

لحظات

هذا الكوب من الشاي
أتعبني كثيراً
شيءٌ ما ينقصه
أضفتُ له الكثير من السُّكَّر
الكثيرُ من الرغبةِ
وثمة شيء ينقصه
أضفت له قليلاً من لحظاتي معكِ
فكدتُ أرتشفُ الكون معه.

سوسن العريقي

رتابة

وجهكَ يورق
سطراً
سطراً
فأظلُّ
أبحث
فيه
عن هامش.

طه الجند

لا أخفِي عليك


كثيراً ما حاولتُ أن أكون وغداً
صحيح أنني لم أوفق
ولم أشارك في معارك الدفاع.
لكنني بطلٌ
بطلٌ رغماً عنهم
الأوسمة فقط للجبناء
وغبار القطيع.

فتحي أبو النصر

كلاكيت

سيموت كثيراً
سيموت متعثراً بجثته
سيموت ليس حائراً
سيموت في رؤياه
سيموت بترف كالهواجس
سيموت عمودياً وأفقياً
سيموت بالقرب من ضحكة عينيه المنتصبتين سيموت كجملة مختصرة سيموت قبل مطلع النهار وبعد مغيب الشمس بقليل
سيموت قادماً
سيموت ناعماً وبقسوة
سيموت وهو ينحر الأغنية بينما ينتحر فيه المغني
سيموت كممر
سيموت أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً وسابعاً
سيموت من الخلف ومن الأمام أيضاً
سيموت بعد بكاء أصابعه على مصير العمى في باقة الورد الأخيرة
سيموت عارياً
سيموت معي
سيموت قرب الرائحة
سيموت بلا اسمه
سيموت بالشهقة الحمراء
سيموت في الشمال
سيموت في الجنوب
سيموت وهو يغوي قصيدة جديدة
سيموت شارداً
سيموت قبل أن ينظف الغبار من حنجرة مواعيده القادمة
سيموت صوب الشبق تماماً
سيموت بلا غيمة تحت أجفانه وبلا حنطة في اليد اليسرى
سيموت هنا
سيموت هناك
سيموت ضاحكاً
سيموت كفأس منسي وحزين
سيموت وهو لم يصالح الإطارات بعد
سيموت بلا أسلاف أو أحفاد
سيموت من أجل كل الذي لم يعرفه
سيموت في الأسرار المقشرة
سيموت كدودة قز أحياناً
وأحياناً كما سيجارة
أو مخلب.

محمّد اللوزي

إجازة جيري

صباح الخير يا توم
صباح يومك الذي لا ينتهي
جيري الفأر في إجازة اليوم
لكن يومك سيئ مثل كل مرة
طفلتي شهد تتحداك أيها القط توم
لا تتأمل شهد هكذا ببراءة
لأنها ستنتف شاربك
وتقفز هاربة
لا تطارد شهد بغباء
هكذا مثل قط ابله يا توم
لقد نصبت لك فخاخاً
في المطبخ
وفي الصالة
وفي غرفة الطعام
فخاخاً لن تفلت منها
يومك سيئ يا توم
جيري في إجازة اليوم
لكنك ستتلقى الضربات من شهد
لا تقف بتبلد وسط الصالة
لا تعرف أين اختبأت شهد
فكر بالهرب فقط
يومك سيئ يا توم.

هدى أبلان

تبدلات

السماءٌ التي أمرٌّ تحتها تتوتر
الغيمةٌ التي أمرٌّ تحتها تجف
النجمةٌ التي أمرٌّ تحتها تنطفئ
النهار الذي أعبره يتليّل
والذي أحاط بنبضه يصبح ظلاً
هكذا كلٌّ الأشياء التي أشعلها بمحبتي
لها قلبٌ من رماد.

الراية البيضاء

الآن فقط قررت رفع الراية البيضاء
والوقف عن معاداة طواحين الهواء
سأرفع قطعة قماش...
لكنها غير كافية للتعبير عن هزيمة قلبي سأرفع كلَّ ما كان في حياتي ابيض سأرفع ورقة
ودمعتين
وأسنانه الجيدة التقطيع
سأرفع في الأخير كفني.