لم يعد مريض السرطان يواجه «الخبيث» من أجل الحياة، بل يصارع الموت بما أن خيارات النجاة من المرض باتت ضئيلة بسبب انقطاع معظم أدوية العلاج من المستشفيات ومن الصيدليات. لا إحصاء دقيقاً لما وصل إليه حجم الفقدان في سوق أدوية الأمراض السرطانية، مع ذلك، يمكن القول بسهولة: «إن 80% من تلك الأدوية باتت خارج متناول أيدي المرضى»، بحسب رئيس جمعية بربارة نصار لمرضى السرطان هاني نصار. هذا الرقم لا يأتي من العبث، بحسب نصار، وإنما «مما نعيشه يومياً مع المرضى، إذ تحوّل العمل من مساعدتهم على المواجهة إلى البحث عن أدويتهم أو التفتيش عن أدوية بديلة بأسعارٍ مقبولة لطلبها، سواء من تركيا أو الهند أو أي بلد آخر يتوفر فيها البديل». وهذه أزمة عمومية يواجهها المرضى اليوم، ولم تعد استثناء مع انقطاع شحنات الدواء منذ أربعة أشهرٍ.
كثيرون انقطعوا عن العلاج (هيثم الموسوي)

أمس، اعتصم مرضى السرطان عند مدخل القصر الجمهوري، حيث كانت تُعقد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ما قبل تصريف الأعمال. في جعبتهم مطلب واحد: إقرار بند فتح الاعتمادات وتحويل مبلغ الـ35 مليون دولار إلى شركات الأدوية لتأمين أدويتهم وإيجاد آلية في مجلس الوزراء لتحويل تلك الأموال في فترة «التصريف» لتأمين الاستمرارية في القطاع. وفي هذا السياق، يلفت نصار إلى أن وزير الصحة العامة، فراس أبيض، أكد أول من أمس في لقاء مع الجمعيات الخاصة بمرضى السرطان إلى أنه يجري العمل على وضع آلية للتحويل لأربعة أشهرٍ مقبلة.

تفاقم حالات المرضى
اليوم، يعيش مرضى السرطان بين فكَّي كماشة: بين شركات الأدوية التي ترفض تسليم الأدوية ما لم توقّع الاعتمادات وتجدول ديونها السابقة وحتى المستشفيات التي بدأت تستوفي فواتيرها من المرضى بالدولار الطازج وبين الدولة اللبنانية التي لم تصل بعد إلى حدّ اعتبار صحة الناس أولوية فتقبل بأن ترهن حياة هؤلاء لشركات الأدوية وشركات الاستيراد وأصحاب المستودعات. أما المرضى فـ«عالقون في النصف، وهناك الكثيرون منهم انقطعوا عن علاجاتهم بسبب عدم وصول الأدوية أو عدم قدرتهم على شرائها من الخارج»، بحسب نصار. ولهذه الأسباب، تأزّمت أحوال الكثير من المرضى، وقد ظهر ذلك في انتشار أسرع للمرض وتقدّم حالاتهم. ولئن كان اليوم، بحسب معظم أطباء الأورام، لا يمكن الحديث عن زيادة في أعداد الوفيات كون الفترة لا تزال قصيرة نسبياً للقياس، إلا أن البعض منهم يرى أن «الموت صار أكثر»، على ما يقول أحد الأطباء.

الفواتير بالدولار
وما يضاعف الأزمة جشع الكثير من المستشفيات التي استغلّت تقاعس الدولة تجاه المرضى، كما الرفع التدريجي للدعم عن بعض أدوية علاج السرطان وأدوية المستشفيات، فسارعت إلى استيفاء فواتير الدواء بالدولار الأميركي «حتى الأدوية المدعومة تختفي من تلك المستشفيات، فيضطر المريض القادر على ذلك إلى دفع سعرها بالدولار». وفي الغالب، ثمة فئة كبيرة من المرضى لم تعد قادرة على دفع ثمن علاجاتها في المستشفيات، فانقطعت عنه. وهنا، يشير نصار إلى أنه في أحد المستشفيات الجامعية الكبرى «والذي كان يعالج 40 مريضاً في اليوم، تناقص عدد المرضى فيه وفي الأسبوعين الأخيرين كان هناك بحدود ثلاثة مرضى يومياً». أما السبب، فليس انقطاع الدواء من البلاد وإنما «الدولارات الفريش» التي تصرّ المستشفيات على استيفائها من المرضى مقابل إكمال علاجاتهم.
ثمة جانب آخر يضاف إلى معاناة مرضى السرطان، وهو آلية ترشيد الدعم. فقد أسهمت هذه الأخيرة في «فقدان الأدوية أكثر وفي انحسار خيارات المرضى وغلاء بعض الأدوية، فبات شراؤها من الخارج أوفر»، بحسب نصار.