مع نهاية شهر نيسان 2021، قُدّر عدد اللقاحات التي وُزّعت عالميّاً بأكثر من مليار جُرعة، طبعاً بتفاوت كبير بين الدول وبين المناطق في الدولة الواحدة. ومع تزايد عدد الذين تلقّوا اللقاح، هناك سؤالٌ يُسأل مُباشرةً لكُلّ شخصٍ أعلن أنّه أخذ اللقاح أو سجّل موعداً: أيّ لقاحٍ منها؟
هنالك اهتمامٌ متزايد بنوع اللقاح الذي يتلقّاه الواحد منّا، وهذا اهتمامٌ فريدٌ من نوعه لم يكن موجوداً من قبلُ تجاه لقاحات أخرى كلقاح الانفلونزا السنوي مثلاً. بدأ هذا الاهتمام يظهر من خلال منشورات لطيفة على مواقع التواصل مع هاشتاغ «فريق فايزر» (#teampfizer) أو أي لقاح آخر... وصولاً إلى استغلال بعض الشركات هذه الفرصة وإنتاج قمصان وأزرار مرتبطة بـ«الفريق اللقاحي» الذي ينتمي إليه الشخص، كما فعلت شركة «etsy»، مثلاً، عبر إنتاج قمصان تحمل شعارات مثل «خرّيج لقاح موديرنا - دفعة 2021»، أو شركة «redbubble» التي أنتجت قمصاناً تحمل قائمة بكلّ أسامي اللقاحات مع إشارة صحّ بجانب اسم اللقاح الذي تلقّاه الزبون.

ولكن لماذا هذا الاهتمام الجديد بنوع اللقاح؟ ولماذا هذه «الولاءات» لشركات اللقاحات؟
عندما بدأت الشركات والدول تُعلن عن البدء بالتجارب السريريّة على اللقاحات، كان العالم محجوراً، ومثّل هذا اللقاح الضوء في نهاية النفق المُتعب. فكانت المتابعة لمسارات هذه اللقاحات أضخم من أيّ متابعة لأيّ مسارٍ طبّيّ آخر. حتى إنّ كثيراً من وسائل الإعلام والصحافة نشرت جداول وخرائط لكلّ التجارب السريريّة واللقاحات حول العالم، وأين أصبح كُلٌّ من هذه اللقاحات في مساره الاختباري، مع تحديثٍ يوميّ لهذه الجداول. كثيرون، حتى من خارج الحقل الطبّي والبيولوجي، تابعوا تقنيّات هذه اللقاحات والفروقات ما بينها، خصوصاً أنّ بعض اللقاحات كانت ذات تقنيّة جديدة مثل لقاحي «فايزر-بيونتك» و«موديرنا».
هنالك أيضاً الولاء ما بعد أن يحظى الشخص بلقاحٍ معيّن، فيبني ارتباطاً عاطفيّاً مع الشركة


هذا ولّد «ولاءات استباقيّة» للّقاحات لدى الناس لدوافع مختلفة. البعض كان يُفضّل لقاحاً على آخر بناءً على التقنيّات، كمن فضّل «فايزر-بيونتك» و«موديرنا» لأنّهما ذات تقنيّة حديثة (mRNA)، أو كمن فضّل تقنيّات أكثر تقليديّة كاللقاح الصيني. وهذه الاصطفافات ليس محصورة بالوسط العلمي فقط، بل إنّ كثيرين من خارج هذه الأوساط أدلوا بدلوهم فيما يخصّ تقنيّة اللقاح التي يفضّلونها بناءً إلى قراءاتهم حول الموضوع.

هنالك أيضاً دوافع أخرى للولاءات الاستباقيّة لشركات اللقاح، كالدوافع السياسيّة. هنالك مثلاً تحيّز لدى كثيرين للّقاحات الروسيّة أو الصينيّة لما فيها من كسر للهيمنة الطبيّة الأميركيّة. كذلك الأمر، هنالك تحيّز للّقاحات الأميركيّة لكونها أميركيّة، أو حتى تحيّز ظهر العام الماضي لإنتاج لقاح «إسرائيلي» يُشعل سجالاً في البلد حول إذا ما ينبغي علينا استيراد هذا اللقاح الافتراضي أم لا، ولما في ذلك من تسجيل نقاط على البعض.

هذا في ما يخصّ الولاء الاستباقي، لكن هنالك أيضاً الولاء ما بعد أن يحظى الشخص بلقاحٍ معيّن، فيبني ارتباطاً عاطفيّاً مع الشركة المعنيّة؛ لأنّها ببساطة، وربّما عبر صدفة اللوائح، المسؤولة عن «فكّ أسره» (نسبيّاً على الأقلّ) بعد أكثر من عام.

مشهديّة التحيّز والولاءات لـ«فرق» اللقاحات، بسياسيّتها أو علميّتها أو عشوائيّتها، هي في الحقيقة أقدم لعبة طبيعيّة في تاريخنا التطوّريّ: الانضمام لمجموعات والشعور بالولاء لها. وهذا الانتماء قد يكون استناداً إلى معايير مهمّة كقضايا مصيريّة إقليميّة وعالميّة، أو لمعايير سطحيّة كقميصٍ عليه اسم شركة صنّعت جُرعةً من لقاحٍ استفدت منه.
ولكن، وبالرغم من مشهديّة «الولاءات اللقاحيّة»، يبقى أفضل لقاح دائماً هو «اللقاح المتوفّر» من دون تأجيل. أمّا إن كانت قائمة اللقاحات متاحةً أمام الجميع، فلـيُوالِ كُلٌّ منّا الجرعة التي يريدها!