لا تزال الدراسات تثبت يوماً بعد يوم أنّ معدل الوفيات في أوساط الأشخاص الذين يعانون صعوبات في التعلّم هو أكثر ارتفاعاً من غيرهم. وفيما كان الانتقال إلى التعليم عن بعد مرهقاً جسدياً ونفسياً للتلاميذ بشكل عام، فلا شكّ أنّ هذه الفئة كانت الأكثر تضرراً من هذا الانتقال المفاجئ، علماً بأنهم بحاجة إلى متابعة خاصة من اختصاصيين وأساتذة في مدارسهم المجهزة بشكل خاص لاستقبالهم.
كشف تقرير شمل بيانات من «برنامج مراجعة وفيات الأشخاص ذوي الصعوبات التعلمية» و«نظام إخطار المرضى» في إنكلترا، أنّ 451 شخصاً من أصل 100 ألف ممّن يعانون صعوبات في التعلّم ماتوا بعد إصابتهم بالفيروس خلال الموجة الأولى. وهذا المعدّل هو أعلى بـ 4,1% من السكان العاديين. غير أنّ حالات الوفيات في أوساط هؤلاء الأشخاص لا تُسجّل جميعها، ما دفع العلماء إلى التقدير بأنّ هذه النسبة هي أعلى، وقد تصل إلى 6,1%.

كما اتّضح أنّ نسبة الوفيات في أوساط الشباب من الذين يعانون هذه الصعوبات هي أعلى بكثير من تلك بين السكان العاديين، إذ كانت الوفيات التي طاولت الشباب بين سنّ الـ 18 و34 أعلى بثلاثين مرة من الأشخاص الذين لا يعانون هذه الصعوبات.

وبالرغم من تصريحات المسؤولين حول ضرورة حماية هذه الفئة التي تضرّرت بشكل أكبر بكثير منذ الموجة الأولى من الوباء، فإنّ الأوضاع لم تتحسّن، بعد، وخاصة مع ظهور موجات أقوى وسلالات جديدة.

ولم تنحصر مشكلة هؤلاء التلاميذ في كابوس الخطر الصحي الأعلى المحيط بهم فحسب. فالتعلم عن بعد كان بمثابة كابوس آخر لهم ولذويهم منذ بدء الوباء. وحين كان التعلّم عبر جهاز الحاسوب يسبّب للتلاميذ العاديين صعوبة في التركيز والصداع وغياب التحفيز اللازم للاستمرار، فإنّ هذه العوارض تكون مضاعفة لدى تلاميذ الصعوبات التعلمية. فهؤلاء انتقلوا فجأة من مدارسهم، حيث يتلقّون معاملة خاصة من معلمين متخصّصين في هذا المجال، واختصاصيّي علم النفس والنطق وغيرهم، ضمن بيئة ملائمة في الصف، إن من خلال طريقة التزيين أو العمل ضمن جماعة، إلى الجلوس أمام الشاشة بلا أيّ من هذه التسهيلات. فتقول الطالبة، ليكينز، التي تعاني من «اضطراب فرط الحركة» لصحيفة «ذا ثاوثارنر» (The Southerner) الأميركية، إنّ «وتيرة التعلّم عبر تطبيق زوم هي أسرع من الصف، إذ لا يأخذ المعلّمون فترات راحة كما في المدرسة»، فيكون التعليم بالنسبة إليها ولغيرها، في هذه الحالة، غير مجدٍ فعلياً.

كما اتّضح من هذه التجربة أنّ بعض التلاميذ الذين يعانون من بعض المشاكل، كـ«عسر الكتابة» مثلاً، ازدادت حالتهم سوءاً، وعانوا أوجاعاً جسدية مضاعفة مقارنة بالتلاميذ الأصحاء. فتؤكد ساند، وهي طالبة تعاني من عسر الكتابة، أنّ هذه المشكلة تفاقمت لديها في فترة التعلم عن بعد، الذي زاده الألم الحاد والمتكرر في الرأس وبوتيرة أعلى من الطلاب العاديين، صعوبة، بحسب الصحيفة.

واضطرّ الأهل خلال هذه الفترة إلى أنّ يؤدّوا دور الاختصاصيين والمعلمين والأهل في الوقت عينه. فتخبر أمّ من ولاية فيلادلفيا عن تجربتها مع ولديها اللذين يعاني أحدهما التوحّد الحاد، والآخر التوحّد المتوسط لـ«سي أن أن»: «أن يسيطر الأهل على التعلّم الافتراضي هو أمر صعب، لكنه أصعب بكثير حين يكون لدى أطفالك احتياجات خاصة». وتضيف: «في الوقت الذي أساعد فيه ابني لحضور صفه على التطبيق، ألتفت لأرى أن ابنتي بدأت تمارس هواية الكتابة بأصابع قدمها. هذا من الأمور النموذجية التي تحصل معنا دائماً». أمّا معلمة الصف السادس، روز، التي أعجبتها تجربة التعليم عن بعد ووجدت فيها إيجابيات عدة في حياتها المهنية، فلم تشعر بالمثل حين تعلق الأمر بتعليم ابنها الذي يعاني التوحّد. فأكدت للصحيفة بدورها أنها تشعر بأن هذه الفئات «يتم تركها في الخلف وتناسيها»، لافتة إلى أنها تنتظر بفارغ الصبر عودة ابنها إلى مدرسته الخاصة.

ولم يخلُ الأمر من بعض الدورات الافتراضية التي أجراها اختصاصيون ومن بعض النصائح التي قدّمها معلمون ذوو خبرة في هذا المجال لجعل طريقة التعلّم هذه أكثر فعالية ولفتاً لانتباه هؤلاء التلاميذ. ومن هذه النصائح، مناقشة الخطة الفردية لكل تلميذ مع ذويه، ولو افتراضياً، للتركيز على الأهداف التي يجب تحقيقها والقيام بمزج الأنشطة التي يحبّها التلميذ مع تلك التي يجد صعوبة في القيام بها لإحلال التوازن، واللجوء إلى مقاطع الفيديو القصيرة والمسلية ودفع التلاميذ إلى التفاعل، إن من خلال رفع الأيدي أو الصراخ مثلاً، وافتتاح الحصة بأنشطة مسلية وغيرها.

بيد أنّ هذا لم يكن كافياً في ظلّ تقاعس رسمي في مختلف أنحاء العالم عن مساعدة هذه الفئة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، التي تُعدّ أكثر تقدّماً من غيرها في هذا المجال، لم تقدّم الحكومة الفيدرالية أي إرشادات فعلية للمدارس لكيفية التعامل مع هذه الحالات خلال فترة التعليم الافتراضي.

وقد رأت المحامية والمديرة القانونية لمجلس وكلاء الآباء ومحاميهم، سيلينا ألمازان، أنّ هذا التقاعس هو مخالف للقوانين، مؤكدة أنّ: «هذه الحالة ليست مجرد إشكالية، بل قد تكون غير قانونية». وأضافت: «يجد الآباء في ما يتعلّق بالتعليم أنّ التعلم الافتراضي هو أفضل من لا شيء، إنما ما ينطبق على أغلب الطلاب لا ينطبق على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة. فالآباء والأمهات يشعرون بأنّ ما من أحد مستفيد، في الوقت الحالي، ولا في المستقبل القريب حتى».