لا يزال العلماء يخوضون معارك شرسة لمعرفة خبايا فيروس «كورونا» وما يُخلّفه من أضرارٍ على الصحّة بعد الشّفاء. فلا تنتهي متاعب بعض المرضى عند التعافي التام، أي حينما تكون نتيجة فحصهم «سلبية»، لأن معاناتهم تتواصل مع أعراضٍ مزعجة طويلة الأمد.
تثير هذه الأعراض المستمرة قلقاً وسط الأطباء لأن مصابين كُثُراً تخلّصوا من الفيروس، غير أنهم لا يزالون يعانون من اضطراباتٍ مقلقة ومزعجة. يصف هؤلاء الأشخاص أنفسهم بأنهم «حاملون مستمرون للمرض»، وقد سُميت الحالة بمتلازمة «ما بعد كوفيد ــ 19» أو «كوفيد طويل الأمد».

تزور هذه المضاعفات، في الغالب، كبار السن والأشخاص الّذين يُعانون مسبقاً من أمراض أو مشاكل صحّية، لكن مع مرور الوقت بدأت أعراض «كورونا» تظهر على الشباب الأصحاء أيضاً، ولم يعد الرّبط بين المضاعفات وعامل السنّ ممكناً.

المضاعفات الأكثر شيوعاً لدى المتعافين يمكن تصنيفها بين آثار نفسيّة، وأخرى جسديّة:

المضاعفات النّفسيّة
أرق، اكتئاب، نوبات هلع وخوف، نسيان، ضبابيّة في الدّماغ، صداع، اضطرابات سلوكيّة، وهلوسة بصريّة وسمعيّة... توصّلت دراسة أميركية أجرتها جامعة «أوكسفورد»، ونشرتها مجلة «The Lancet Psychiatry» الأميركية إلى أنّ 20% من مرضى «كورونا» المتعافين يصابون بأمراض نفسية في غضون 90 يوماً من تعافيهم.

وعمد العلماء خلالها إلى فحص السجلات الطبية لـ69 مليون مريض في الولايات المتحدة من 20 كانون الثاني حتى 1 آب 2020، من ضمنهم 62 ألف شخص تأكّدت إصابتهم بفيروس «كورونا». ووفق الدراسة، فإنّ 18% من المتعافين ظهرت عليهم أعراض الاضطراب النفسي.

ليس هناك رابط علمي بين المشاكل النّفسيّة و«كورونا». فالاضطرابات النّفسيّة ليست قائمة على الفيروسات، إنّما على الاستعدادات الجينيّة، ومرتبطة بتنشئة الفرد ضمن عائلته ومحيطه وظروف معيشته. كما توضح نقيبة المعالجين النّفسييّن والبروفيسورة في الجامعة اللّبنانيّة الدّكتورة رجاء مكّي. وهي تشير إلى أن الخوف الّذي يعيشه الفرد جرّاء «كورونا» يهزّه وكأنّه في حالة صدمة، وهذه الصدمة تترك خلفها العديد من الإشكاليات والتساؤلات، ما يزيد من حالة القلق، التوتر، الخوف، والوسواس.

التّداعيات الجسديّة
على الرّغم من أنّ الفيروس يستهدف الرّئة بالمقام الأوّل، لكنّ آثاره تتسرّب نحو العديد من الأعضاء الأخرى ويمكن أن تسبب ضرراً في وظائفها، ولا سيّما القلب، الكبد، الكلى والدّماغ...
بحسب الاختصاصي في القلب والشّرايين في جامعة ييل، هارلان كرومهولتز، فإن «فيروس كورونا ليس مجرد اضطراب في الجهاز التنفسي، بل يمكنه أن يؤثر على القلب والكبد والكلى والدماغ ونظام الغدد الصماء ونظام الدم». ويُرجع ذلك إلى أنّ الفيروس ينتقل من الأنف والحنجرة ثم يغزو الرئتين. وبعدها يتوجّه نحو الدم ومنه إلى أعضاء الجسم كافة، وهكذا يتغلغل في خلايا البطانة الداخلية الموجودة في جدار معظم الأوعية الدموية، وفي خلايا القلب والكلى والأمعاء والأعصاب والعضلات وغيرها من الأعضاء.

أمّا خطورة الأمر فتكمن في أنّ نتيجة الالتهاب قد لا تظهر مباشرةً، إنّما تظلّ خفيّة حتّى أسابيع وربّما أشهر، لتظهر في ما بعد على شكل إصابات صامتة غير سريرية، لذلك من الضّروريّ الكشف عنها وتشخيصها مبكراً قبل فوات الأوان.

وما يُخيف الباحثين أكثر هو عدم معرفة مدّة انتهاء الفيروس الكّلي من الجسم، وما إذا كان الفيروس قد يظل كامناً في الجسد لسنواتٍ أو حتى عقود، ويستيقظ مرّة أخرى بالطريقة نفسها التي يستيقظ بها فيروس «الهربس».