يُعَدّ عام 2021 عام اللقاحات والسلالات الجديدة معاً. فشلت معظم الدول التي اعتمدت استراتيجية «التعايش» مع فيروس «كورونا» في منع ظهور موجات جديدة من الوباء. في المقابل، لاحظنا، وإن بشكل مرحلي، نجاح استراتيجية «صفر كورونا» التي اعتمدتها دول عدة، مثل: الصين، أوستراليا ونيوزيلندا؛ وهي استراتيجية تحتاج إلى إمكانات مادية ولوجستية ضخمة، وطبعاً إلى التزام تام من المواطنين. أمام هذا الواقع المأزوم، كل الدول وجدت نفسها في سباق مع الوقت لتلقيح أكبر عدد ممكن من مواطنيها.
بعد ثلاثة أشهر على انطلاق أكبر عملية تلقيح تشهدها البشرية، يمكننا الخروج بالخلاصات الآتية:

1- فقط 4 ٪ من سكان العالم حصلوا على اللقاح، مع معدّل يومي بلغ 7 ملايين جرعة حالياً. هذه اللقاحات توزع بشكل غير متساوٍ بين الدول؛ من أصل 290 مليون شخص حصلوا على جرعة واحدة على الأقل حتى الآن، 88 مليوناً منهم في الولايات المتحدة، الصين 53 مليوناً، الاتحاد الأوروبي 39 مليوناً، بريطانيا 22 مليوناً، كيان الاحتلال الإسرائيلي 8.6 ملايين، الإمارات 6.5 ملايين. اللافت هو تأخّر وصول اللقاح إلى الدول الفقيرة، وبالأخص أفريقيا.

2- الوصول إلى تلقيح كل سكان العالم هو هدف بعيد المنال حالياً، ودونه عوائق عديدة، أبرزها:
- عدم قدرة الشركات على إنتاج هذا العدد الكبير من الجرعات خلال عام أو عامين.
- القدرة الاستيعابية المحدودة لمراكز التلقيح في ظل انتشار الوباء؛ الولايات المتحدة تستطيع تلقيح مليوني شخص في اليوم الواحد، مع أنها أصبحت تمتلك مخزوناً كبيراً من اللقاحات، الأمر نفسه بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك مخزوناً كبيراً، لكنه لا يستطيع تلقيح أكثر من مليون شخص في اليوم، الهند 750 ألفاً، الصين 600 ألف، روسيا 500 ألف وبريطانيا 350 ألفاً.


(أ ف ب)


استراتيجيات الدول
الدول الخمس العظمى، باستثناء فرنسا، هي المنتجة الأساسية للقاحات «كورونا» وتعتبرها سلاحاً استراتيجياً لها ولحلفائها في حربهم ضد الوباء.

- بريطانيا: وافقت المملكة المتحدة، حتى الآن، على استخدام لقاحات «فايزر ــــ بيونتيك»، «أسترازينيكا ــــ أوكسفورد» و«موديرنا»، الأخير يصلها بكمّيات قليلة. واعتمدت، بهدف تخفيض نسبة الوفيات والإصابات الخطيرة ودخول المستشفى، استراتيجية الجرعة الواحدة لكل اللقاحات، والجرعة الثانية بعد ثلاثة أشهر. باقي الدول ملتزمة حتى الآن بالجرعتين، مع فارق ثلاثة أسابيع للقاح «فايزر ــــ بيونتيك». ترافقت حملة التلقيح بداية هذا العام مع إقفال في المملكة، والنتيجة انخفاض عدد الإصابات إلى 6 آلاف إصابة يومية، بعدما تخطّت حاجز الـ 60 ألفاً خلال شهر كانون الثاني.

- الولايات المتحدة: سمحت حتى الآن باستخدام اللقاحات الأميركية، «فايزر ــــ بيونتيك» و«موديرنا»،وأخيراً «جونسون أند جونسون». انخفضت الإصابات لديها إلى 60 ألف إصابة بعدما قاربت 300 ألف إصابة في اليوم الواحد خلال كانون الثاني. ووعد الرئيس جو بايدن بتلقيح مئة مليون مواطن خلال أول مئة يوم من ولايته.

- الاتحاد الأوروبي: يعتمد اللقاحات نفسها المعتمدة في بريطانيا، لكن يلاحظ البطء في عملية التلقيح والحصول على اللقاحات، وكذلك خفض عدد الإصابات اليومية، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا. من الضروري الحديث عن الانطلاقة البطيئة للقاح «أسترازينيكا ــــ أوكسفورد» في الاتحاد الأوروبي، والذي أتى بعد الأصداء الإيجابية للقاح «فايزر ــــ بيونتيك»، بسبب ظهور عوارض شبيهة بالأنفلونزا لدى نسبة مهمة من الملقّحين، أغلبهم من الشباب، وبعضهم اضطروا إلى طلب إجازة مرضية لمدة يومين. هذه العوارض كانت أقوى مما ظهر في التجارب العام الماضي. فرنسا وألمانيا طلبتا عدم إعطاء هذا اللقاح في اليوم نفسه لكامل الجهاز الطبي الذي يعمل معاً. علمياً، هناك فرضيتان لتفسير هذه العوارض، الجهاز المناعي القوي لدى الشباب، أو أن هؤلاء الأشخاص سبق أن أصيبوا بـ«كورونا». نتيجة ذلك، لم تستطع فرنسا استخدام أكثر من 25٪ من مخزون «أسترازينيكا ــــ أوكسفورد». في الآونة الأخيرة، بدأ المواطنون يتقبلونه أكثر بعدما أصبح متوفراً في الصيدليات والعيادات وبعد تطمينات آلن فيشر، منسق استراتيجية التلقيح في فرنسا، الذي أكد أنه لقاح «ممتاز وآمن» ويحمي من الإصابات الخطيرة ودخول المستشفى. أيضاً، يجب الإضاءة على ما قامت به دولة المجر، الدولة الأوروبية الوحيدة التي سمحت باستخدام اللقاح الصيني «سينوفارم» والنتيجة 11% من سكانها البالغ عددهم 9.7 ملايين تلقّوا اللقاح حتى الآن.
الملاحظ حالياً هو الانتشار السريع للسلالة البريطانية «B.1.17» في كل أوروبا، بالإضافة إلى ظهور السلالة الجنوب أفريقية «B.1.351» والسلالة البرازيلية «P.1 »، وإن بأعداد قليلة حتى الآن. تشير التوقعات العلمية إلى موجة ثالثة من وباء «كورونا» تلوح في سماء الاتحاد الأوروبي. من أجل تسريع عملية التلقيح، يدرس الاتحاد حالياً السماح باستخدام لقاح «جونسون أند جونسون» واللقاح الروسي «سبوتنيك في» الذي يعتمد التقنية نفسها المستخدمة في لقاحات «أسترازينيكا ــــ أوكسفورد» و«جونسون أند جونسون». هذه الخطوة، إن تمّت، بالإضافة إلى الخطوة المجرية، من شأنهما تشجيع الدول الأوروبية على التوجّه شرقاً من أجل كميات إضافية من اللقاحات وتسريع الوصول إلى «المناعة المجتمعية».


(أ ف ب)


لا نتائج مضمونة!
كل المحاولات الحالية، بالرغم من ضخامتها، تبقى غير مضمونة النتائج، لأن حجم فعالية اللقاحات غير واضح حتى الآن، وخصوصاً ضد السلالة الجنوب أفريقية «B.1.351» والسلالة البرازيلية «P.1» اللتين لا نعلم مدى انتشارهما حول العالم. أيضاً بطء التلقيح في الدول الفقيرة يعني بقاء الفيروس منتشراً لديها، واحتمال ظهور سلالات جديدة بعضها قد تكون قادرة على الانتشار عالمياً والتهرّب من المناعة المكتسبة من اللقاحات. لا ننسى أيضاً تصريح رئيس المجلس العلمي الفرنسي لـ«كوفيد-19»، جان فرنسوا ديلفريسي، في 24 كانون الثاني الماضي لإحدى المحطات التلفزيونية بأن ظهور السلالة البرازيلية والجنوب أفريقية قد غيّر البيانات بالكامل، وأن ما يحصل الآن في البرازيل هو «بمثابة وباء جديد»!

* أستاذ وباحث في العلوم الجرثومية في الجامعة اللبنانية