تواصلت الحرب الكلامية بين أنقرة وموسكو، أمس، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، في ظل تصعيد حمله تصريح وزارة الدفاع الروسية عن أن أسرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضالعة في تجارة نفط "داعش". ولكن ما لبث أن تبع هذا التصعيد أول انفراجة، منذ بدء الأزمة، تمثلت بإبداء الدبلوماسية الروسية قبولها لفكرة لقاء مع الأتراك في الأيام المقبلة في بلغراد. في هذا الوقت، كانت الولايات المتحدة تلعب دور المدافع عن تركيا، مع "لكن" تسعى من خلالها إلى حث أنقرة على الاندماج، كاملاً، في "حلفها" الذي تقوده لمحاربة "داعش". ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري استعداد تركيا لإغلاق حدودها بالكامل مع سوريا، قال إن "من مصلحة تركيا تماماً وقف الحركة غير المشروعة لنقل النفط، أو عبور مقاتلين أجانب إلى هذا الاتجاه أو ذاك"، معرباً عن تفاؤله "بتفهم تركيا لمدى الأهمية لمثل هذا الإجراء". وفي أعقاب لقاء لوزراء خارجية "حلف شمال الأطلسي"، في بروكسل، أشار كيري إلى أنه "لا يزال هناك جزء من الحدود بطول 98 كيلومتراً، يجب إغلاقه"، لافتاً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعد بإغلاق هذا القطاع، الذي يسيطر عليه تنظيم "داعش" على الجانب السوري منه. من جهة أخرى، صرح كيري بأن روسيا يمكن أن تلعب دوراً "بناءً جداً" في سوريا، مشيداً "بالتزام" موسكو في المحادثات من أجل إنهاء النزاع في هذا البلد. وقال: "نشيد بالتزام روسيا العملية السورية"، إلا أنه أشار إلى ضرورة أن "تركز" روسيا على مكافحة تنظيم "داعش"، وأن تكون "صادقة عندما تقول إنها تريد تطبيق" الالتزامات التي جرى التوصل إليها في جنيف من أجل حلّ سياسي للنزاع في سوريا. وأضاف كيري: "دعوت كل دول الحلف إلى تعزيز دعمها في محاربة داعش، من خلال ضرب قلب التنظيم في سوريا والعراق". وأوضح أن "عدداً من الحلفاء يشارك في المعركة أو يعتزم زيادة مساهمته"، مشيراً إلى ضرورة مساعدة دول مجاورة لسوريا، مثل الأردن ولبنان. وأكد أن "من الواضح أن داعش يشكل تهديداً في كل أنحاء العالم"، مندداً بالتنظيم "العدمي والإجرامي الذي تتحدى أعماله المجتمع المدني".
كيري يشيد بالتزام روسيا في العملية السورية
وفي موازاة تصريحات كيري، لعب البيت الأبيض دور الشرطي السيئ مع تركيا، فقد أعلن المتحدث باسمه جوش إيرنست، في وقت لاحق أمس، أن الولايات المتحدة غير راضية عن وجود ثغرة على حدود تركيا وسوريا، موضحاً أن بعض المناطق لم يتم تأمينها بشكل سليم. وقال للصحافيين رداً على اتهامات روسيا لتركيا بشراء النفط من "داعش"، إنه إذا كانت موسكو قلقة بشأن تمويل الجماعة المتشددة، ينبغي أن تتناول الأمر مع الرئيس السوري بشار الأسد. في غضون ذلك، استمر النقاش الحاد بين روسيا وتركيا عن بعد، بانتظار اللقاء بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو. فقد صرح نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي انتونوف، في مؤتمر صحافي أمام مئات الصحافيين، بأنه "يتبين أن المستهلك الرئيسي للنفط المسروق من مالكيه الشرعيين سوريا والعراق هو تركيا". وأشار المسؤول الروسي إلى أن "الطبقة الحاكمة السياسية، ومن ضمنها الرئيس أردوغان وأسرته، ضالعة في هذه التجارة غير المشروعة"، معتبراً أن "استهتار الحكومة التركية لا حدود له". ولدعم أقواله، كشف أنتونوف صوراً ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لقوافل من صهاريج النفط، لكنه لم يوضح صلة أردوغان بها. وأضاف: "ألا تطرحون تساؤلات عن كون نجل الرئيس التركي يتولى رئاسة إحدى أبرز شركات النفط، وأن زوج ابنته عيّن وزيراً للطاقة؟ يا لها من شركة عائلية رائعة"، معلقاً على تعيين صهر أردوغان بيرات البيرق (37 عاماً) وزيراً للطاقة وعلى نجله بلال أردوغان الذي يملك مجموعة "بي ام زد" المتخصصة بالأشغال العامة والنقل البحري. ورد أردوغان على ذلك بالقول إنه لا يحق لأحد "إهانة" تركيا، باتهامها بشراء النفط من "داعش"، مضيفاً أنه سيتنحى إذا ثبتت صحة تلك الاتهامات. وقال متحدثاً في جامعة في العاصمة القطرية الدوحة، إنه لا يريد أن يلحق مزيد من الضرر بالعلاقات مع روسيا. وأضاف أنه "لا يحق لأحد إهانة تركيا بقوله إن تركيا تشتري نفط داعش". كذلك، أكد الرئيس التركي أن أنقرة لن ترد على ردود الفعل "الانفعالية" لموسكو، ولن تمس بمواطنيها أو مصالحها. ونقلت عنه صحيفة "حرييت" قوله "نعتمد مقاربة متوازنة في مواجهة التحركات الانفعالية لروسيا". وأوضح أن طرد مواطنين روس من تركيا غير وارد. وقال: "هذا لن يليق بتركيا". وأدان أردوغان العقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا، مؤكداً في الوقت ذاته أن "روسيا هي شريكتنا الاستراتيجية، لكن انظروا إلى ما يفعلون: إنهم يعاقبون رجال الأعمال" الأتراك. وأضاف: "لن نستخدم هذه اللغة". وأكد أن بلاده مستعدة للتخلي عن الغاز الروسي المصدر الرئيسي للطاقة لديها. وقال: "لم نعش دائماً على الغاز الطبيعي، كما تعرفون وهذا الشعب معتاد الحرمان". في غضون ذلك، بدا أن الحرب الكلامية تميل إلى التهدئة مع إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقد لقاء مع نظيره التركي مولود جاوش أوغلو، ليكون أول اجتماع بين مسؤولين كبيرين بهذا المستوى منذ اندلاع الأزمة. وصرح لافروف في مؤتمر صحافي في نيقوسيا بأن "الطرف التركي يصر على تنظيم لقاء على انفراد مع وزير الخارجية"، مضيفاً: "لن نتهرب وسنستمع إلى ما يريد جاوش أوغلو قوله. قد يكون لديه أمر جديد لم يرد علناً من قبل". وسيعقد هذا اللقاء على هامش مجلس وزراء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المقرر عقده في العاصمة الصربية بلغراد في 3 و4 كانون الأول.