«حرب المفخخات» في حمص: «داعش» ينقل المواجهة إلى الخزان البشري

  • 0
  • ض
  • ض

أكثر من 50 تفجيراً ضرب وسط البلاد خلال العامين الماضيين. سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وخروق يصفها المراقبون بالمنطقية خلال الحروب الكبرى، ولا سيما في الحرب السورية التي تشترك فيها أجهزة استخبارات إقليمية تقدّم حصيلة معلوماتها للجماعات المسلحة... هذا ما بات واضحاً خلال الأشهر الماضية

«داعش» يتبنّى للمرة الأولى تفجيراً داخل مدينة حمص عبر سيارة مفخخة تبعها انتحاري بحزام ناسف في حيّ الزهراء قبل أقل من أسبوع. تفجير مزدوج وضع فيه التنظيم ثقل تخطيطه على مدار أسابيع ليصل إلى ما سماها عملية «انغماسية». هل يُعد الدخول إلى حيّ مدني خال من المراكز العسكرية الحساسة عملية نوعية بالنسبة لتنظيم ينفذ خططه وفق أجندات تقوم على بنية تكتيكية واضحة... فما هو الهدف؟ تفجير حيّ الزهراء الذي خلّف نحو 20 شهيداً وأكثر من 150 جريحاً، هو بحصيلة ضحاياه ونسبة دماره الذي امتد على نحو 200 متر ثاني أكبر التفجيرات بعد تفجير العباسية المزدوج في نهاية شهر أبريل/ نيسان في العام الماضي، وثالث أشد التفجيرات عنفاً إذا ما احتسب تفجير مدرسة عكرمة قبل عام ونيف. «داعش» دخل بشكل واضح على خط استهداف الاحياء الشعبية داخل حمص، لينتقل من العمل العسكري الممتد على جبهات القتال إلى أعمال أكثر دموية وتأثيراً في الرأي العام الذي يعمل جاهداً لإخافته وبث الذعر فيه، عبر وسائط تقنية تحاكي اللاوعي الجمعي عند عموم المتلقين لأخبار مجازره. فهو بتبنيه لهذا التفجير خلال ساعات من وقوعه، وبإعلانه أن انتحارياً رافق المفخخة وفجّر نفسه بعد قرابة 20 دقيقة من التفجير الأول خلال تجمّع الناس لإسعاف الجرحى، يؤكد أنّه يريد حصد الكم الأكبر من التأثير في عمق الخزان البشري المؤيد للدولة السورية. خلال شهري أيلول وتشرين الأول، انفجرت عدة سيارات بين حيّي عكرمة والزهراء في حمص. «داعش» كان المسؤول عنها ولكن لم يتبنّها، إذ إن العملية جرت وفق مخطط فردي بحسب اعترافات الخلية المسؤولة عن إيصال السيارات إلى حمص عبر محور القريتين – مهين – صدد. الخلية التي ألقيَ القبض عليها بعد رصد ومتابعة، والتي سمح بعرضها على الشاشات بعد انتهاء التحقيقات الفعلية، تبيّن أن عملها كان مرتبطاً بشخص في القريتين يدعى خالد فارس، يقوم بالتمويل والتفخيخ وإسناد مهمة إيصال السيارة وركنها في حمص إلى شبان يتعامل معهم.

معظم التفجيرات السابقة ترافقت مع صيحات غضب رفعها أهل المدينة
اقتصرت التفجيرات على حيي الزهراء وعكرمة وما يتبعهما إدارياً. الأحياء التي دفعت آلاف الشبان شهداء خلال معارك المدينة وريفها، حتى الوصول إلى اقتراب إعلان حمص مدينة آمنة بعيد البدء بتنفيذ اتفاقية الوعر. ليستمر حمام الدم عبر اختراقات بواسطة هذه السيارات التي أحالت الهدوء النسبي إلى توتر قائم خشية أي سيارة مفخخة قد تصل إلى الأحياء الآمنة، وفي أي لحظة. معظم التفجيرات السابقة، منذ حادثة مدرسة عكرمة ترافقت مع صيحات غضب رفعها أهل المدينة عبر اعتصامات ووقفات احتجاجية على تردي الوضع الأمني في حمص، التي دخلت الصراع المسلح مبكراً وغادرته قبل بقية المدن. معظم هذه الانفعالات لم تلقَ آذاناً صاغية، فالجميع في حمص يدفع ضريبة الحرب المشتعلة على امتداد جبهات البلاد، على ما يقوله أهل المدينة. يرى الشارع المؤيد الذي أرهقته شظايا الحرب وانعكاساتها أنّ على المعنيين تحمّل المسؤولية في حماية حمص وإبعاد شبح المفخخات عنها. الأمر الذي يبدو صعباً ولاسيما أن أجهزة الدولة اتخذت بعض الإجراءات الوقائية التي ارتدت سلباً على الشارع بشكل عام، فزيادة التدقيق على الحواجز أتى مفعولاً عكسياً باضطرار العابر للانتظار لأكثر من ساعة في بعض الأحيان على الحواجز الرئيسية ريثما تنتهي عمليات التفتيش لمئات السيارات، كما أن مشروع الكلاب المدربة لم يجد نفعاً في المرحلة الأولى من التجريب، ليبقى الحل المتاح والأخير هو تركيب أنظمة مراقبة حيوية على مجمل مداخل حمص من جهاتها الأربع. الأمر الذي جرت مناقشته أكثر من مرة دون الوصول إلى نتيجة نهائية. حمص تعيش حرب مفخخات غير مسبوقة، كحرب مفخخات العراق. حرب من نوع خاص ومعقد، فإيقاف تدفق المفخخات يتطلب جهداً وحزماً وإغلاق طرقات من غير الممكن العبث بحيويتها في ظل معارك الطرقات العامة التي تشهدها البلاد بطبيعة الحال، ليبقى الحل الجذري، على ما تقوله مصادر مطلعة، هو الاستمرار بالعمل العسكري البري ونقل جبهات المواجهة إلى مناطق أبعد، وضرب الجماعات المسلحة في عمق معاقلهم لإشغالهم، وبالتالي إبعاد مكان التفخيخ عن المدينة، ما سيجعل أمر إيصال المفخخة إلى حمص مجدداً أمر بالغ الصعوبة والتعقيد في حرب مفتوحة الاحتمالات والنتائج، أقله في المدى المنظور.

0 تعليق

التعليقات