يمكن القول إن هذه المرحلة تندرج في الإطار النظري الى حد كبير، وقد لا تكفي وحدها لمساعدة العميل على اختيار الحساب الأنسب له. فمساعدة العميل تقتضي أن يساعد نفسه أولاً، وأن يكون على دراية واسعة ودقيقة بوضعه المالي، بخططه المستقبلية وبالأعباء المالية التي قد تثقل كاهله، وهي أساس وركائز المرحلة الثانية.
تنوع الحسابات المصرفية ليس مجرّد ترف للمصارف ورغبة منها في إغراق العميل بعمولات وتفاصيل قد تُفقده البوصلة. بل هو مرتبط ارتباطاً عضوياً بتنوع العملاء، لجهة إمكانياتهم المادية، وظروفهم الاجتماعية، واستراتيجياتهم القريبة والبعيدة المدى، واحتياجاتهم المالية.
الحساب الجاري هو أبسط أنواع الحسابات وأكثرها شيوعاً، ويعتبر اختياره الأقل تعقيداً نظراً إلى أنه يلائم جميع العملاء، باعتبار أنه يشكّل حجر الأساس الذي يسمح بجميع العمليات والخدمات المصرفية من عمليات نقدية وجميع أنواع التحويلات والتحصيلات والسحب على المكشوف والقروض الشخصية.
إن كنت من محبي السرعة وتوفير الوقت عند إنجاز معاملاتك المالية، وممن تجذبهم العصرنة التي يشهدها القطاع المصرفي في مختلف مجالاته، فمن خلال الحساب الجاري تحصل على بطاقة الدفع الآلي التي تخوّلك سحب ما تحتاج من مال (مبلغ محدد في اليوم) في أي زمان ومكان، الاستفادة من تطور التجارة الإلكترونية، وشراء ما تحتاجه في نقاط البيع أو عبر الشبكة العنكبوتية، تسديد الفواتير عامة كفاتورة هاتفك الخلوي والثابت.
كما أن الحساب الجاري مناسب للأشخاص الذين يقومون بعمليات مالية كبيرة، إذ أنه يخولهم الحصول على دفتر شيكات بشرط توفر حد أدنى معين في الرصيد من دون الخوف من فقدان هذه الأموال أو سرقتها. وهو مهم للتجار ورجال الأعمال الذين يحتاجون إلى شهادة يقدمها المصرف تثبت ملاءتهم المالية ليقدموها إلى الجهات الحكومية أو الخاصة، ويتمكنوا بموجبها من الدخول في المناقصات والمزايدات أو عقود المقاولة أو التوريد وغيره، إضافة الى مساعدته العملاء في كثير من الأحيان في إثبات وتوثيق مدفوعاتهم في حال اقتضت الحاجة.
حساب التوفير، من ناحية أخرى، أشبه بالـ «قجة» باللغة العامية. وسنتطرق في مواضيع لاحقة إلى أهمية الإدّخار الذي يعتبر حساب التوفير أحد تجلياته. ولكن، بشكل عام، يناسب هذا الحساب كل شخص يملك مبلغاً من المال هو في غنى عن استخدامه يومياً ويمكنه «وضعه جانباً».
هذا النوع من الحسابات يساعدك في تلبية احتياجاتك المتوقعة وغير المتوقعة، وقد يكون في كثير من الأحيان «قرشك الأبيض ليومك الأسود». فمن تكاليف الزواج، الى شراء منزل، والولادة، الى أقساط التعليم للأولاد (المدرسية أو الجامعية)، أو الاستثمار في مشاريع عمل الى ادخار المال للتقاعد، وصولاً الى الحالات الفجائية كالمرض والموت، فإن حساب التوفير والإدخار بشكل عام هو الحل الذي يحتاج إليه كل من ينظر الى الحياة بطريقة تتخطى كل يوم بيومه، ليشكل سنداً يتكئ عليه لرسم خططه القريبة، المتوسطة أو البعيدة المدى.
يرتبط حساب الوديعة لأجل عند عموم الناس بأصحاب الثروات والأموال الطائلة وبأنهم الأكثر استخداماً لهذا النوع من الحسابات. في الواقع، هذا الاستنتاج لا يخالف الواقع كثيراً، ولكن هذا الحساب ليس مخصصاً لذوي الثروات أو أصحاب المداخيل المرتفعة، إلا أن «الاحتياجات» هي ما تجعل هذا الحساب أكثر جذباً للأغنياء.
ينشأ هذا الحساب لمدة معيّنة ولا يمكن سحبه إلا عند انتهاء هذه المدة تحت طائلة دفع مبلغ جزائي، لذلك فمن يفتح حساب وديعة لأجل يملك مالاً يدرك جيداً أنه لن يضطر لاستخدامه فيفضل أن يستفيد من الفوائد العالية التي يوفرها. إذاً محور هذا الحساب هو مدى الحاجة إلى استخدام المال. فمن مخاطره أن من قد يحتاج الى المال لن يستطيع سحبه. وبالتالي من الضروري التأكد من عدم الحاجة الى المبلغ الذي سيتم إيداعه طيلة مدة الإيداع.