الكلمة الأكثر تداولاً منذ فترة في لبنان هي «الضرورة». صحيح أنها مرتبطة بالتشريع، لكنها المحور الذي تدور حوله جميع مصائب البلد ومشاكله. قد يكون التشريع في هذه المرحلة «ضرورياً»، لكنه متأخر... إلى حد ما. بين الفعل ورد الفعل «ردة»، لا حاجة لشرح معناها، لكنها حتماً في الواقع السياسي اللبناني تودي بالوطن. الحياة في لبنان «هوليوودية».
تعوّد الساسة في الوطن الصغير على معالجة المشاكل في اللحظة الأخيرة، تماماً كأفلام «الأكشن»، حيث يبزغ الحل في اللحظة الأخيرة. اللحظة زمنياً مدة قصيرة، لكنها قد تكون الفارق بين الحياة والموت.
القوانين المطروحة على «جدول أعمال» المجلس النيابي، وقانون الإنتخاب المطالب بإدراجه على الجدول «ضرورية»، إنها هنا وليدة التقصير. ما كان يفترض به أن يكون عادياً منذ سنوات، يصبح ضرورياً تلقائياً مع مرور الزمن. القوانين المالية تخضع للمراجعة منذ عام 2012. من المهم مراجعتها بدقة، ولكن كان من «الضروري» الإسراع في هذه المراجعة.
«المعجزة» دائماً حاضرة في المتخيل الشعبي والرسمي اللبناني. «المعجزة اللبنانية» شعار جذاب يستخدم في كثير من الأحيان لإخفاء «التقصير» وإضفاء صبغة إعجازية على حلول عادية جعل منها الكسل والتخاذل «ضرورية». «المعجزة» هي ما جنّب لبنان إدراجه على لائحة «مجموعة العمل المالي من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» GAFI منذ عام 2012 بحسب رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه. معجزة التعطيل إنطلت على مدار سنوات على «غافي»، وتفهّمت المجموعة الظرف السياسي في لبنان والجمود المؤسساتي الذي يعاني منه. لكن الحجج الدستورية «لم تعد تنفع» بعد مرور كل هذه السنوات على ما يقول طربيه. فإقناع «غافي» اصبح يحتاج الى «معجزة».

معجزة التعطيل
إنطلت على مدى سنوات على «غافي» وتفهّمت المجموعة الظرف السياسي في لبنان

التشريعات المطروحة تقسم بين «ضرورية» و»إلزامية»، بحسب الخبير الإقتصادي غازي وزني. «الضرورية منها هي تلك التي تتعلق بالقروض والهبات الخاصة بالبنك الدولي والتي تقدر بحوالي مليار ومئتي مليون دولار ومخصصة للإنماء والأمور الحياتية والمعيشية. عدم إقرار هذه المشاريع يؤدي الى خسارة لبنان لهذه القروض. لكن البارز أن عدم إقرارها يؤثر سلباً على مسألة النازحين السوريين.»
ويوضح وزني «أن لبنان سيستفيد عام 2016 من مساعدات من الدول المانحة والبنك الدولي تتراوح بين 600 و800 مليون دولار للمساعدة على تحمل أعباء النازحين، لذلك فإن عدم إقرار هذه القوانين سينتج عنه فقدان لبنان مصداقيته، وسيحرمه إضافة الى القروض المساعدات الخاصة بملف النازحين».
على خطورة «التشريعات الضرورية»، فإن تجاهل «الإلزامي» منها مرعب. قد يتحمل لبنان خسارة القروض. في النهاية ستشكل ديناً إضافياً على كاهل الخزينة والمواطن اللبناني، خصوصاً أننا لا نزال نبحث عن «الإنماء» الذي نتج عن 70 مليار دولار ديناً عاماً. الإلزامي من هذه التشريعات يعنى بتبادل المعلومات الضريبية مع الإتحاد الأوروبي، ومكافحة تبييض الأموال ونقل الأموال النقدية عبر المعابر. عدم إقرار هذه القوانين سيؤدي الى خروج لبنان من النظام المالي العالمي بحسب وزني. يشرح رئيس جمعية المصارف أن النتائج ستكون وخيمة، إذ أنها ستعزل لبنان مالياً، حيث سترفض المصارف الدولية، أينما وجدت، التعامل مع المصارف اللبنانية ما سيؤثر على حركة التحويلات من لبنان واليه. لكن وزني يشدد على ان وضع الليرة «مريح، ولا خوف على القطاع المصرفي المتين. لكن يجب إقرار هذه القوانين لكي تستمر هذه الإيجابية».
مرة أخرى يثبت الإقتصاد في لبنان أنه قادر على تحريك العجلة السياسية وهدم الجمود القائم على مختلف الأصعدة. التحريك مفيد، لكن من «الضروري» الوصول الى نتائج سريعة. فالبنك الدولي و«غافي» ليسا من المؤمنين بـ «المعجزات».