اسدلت الأزمات السياسية والأمنية الداخلية ستائرها على كل القطاعات الاقتصادية التي اصبحت تعاني من خسائر تراكمية بالجملة. حتى الطبيعة تدخلت وأضرّت بالاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي ويعتبر النبض الاساسي له. ومن هذا القطاع، موسم التزلج الذي يجذب الكثير من السياح العرب والاجانب سنوياً، ما ينعش العجلة الاقتصادية، ناهيك عن فوائده في مجال الزراعة. لكن هذا الموسم حُرم منه اللبنانيون السنة الفائتة، فكانت الكارثة. فماذا عن الموسم الحالي؟
بدأ الثلج يكلل قمم لبنان وجباله، ويعيد للبنانيين الامل الذي تلاشى السنة الماضية عندما غادرهم موسم الشتاء من دون ان ينعم لبنان بخيراته، وودّعه بحزن محبو التزلج والمطاعم والشاليهات والفنادق وكل من يستفيد من هذا الموسم.
اللبنانيون اليوم في حال من الترقب الى ما ستؤول اليه الايام المقبلة. هل يشهد لبنان هذه السنة موسم تزلج يعوض خسارة السنة الماضية بعد موجة الجفاف التي ضربت البلد وخلفت أضراراً جمّة في أغلب مفاصل الاقتصاد اللبناني؟
ليست الطبيعة فقط من يُعتمد على كرمها لعودة السياحة الى لبنان وتعزيز الاقتصاد، بل إن للعامل البشري اهمية كبرى لإنقاذ هذا الاقتصاد عبر وضع خطط من اجل النهوض بالقطاعين السياحي والخدماتي، وتعزيز الوضع الامني والاستقرار في البلد من اجل استقطاب السياح والمستثمرين الى لبنان، اضافة الى إطلاق الحملات الترويجية للمناطق السياحية في البلد.

كفرذبيان جاهزة

بدأت البلديات المعنية بالاستعداد والتحضير لاستقبال موسم التزلج. هذا ما يؤكده رئيس بلدية كفرذبيان جان عقيقي لـ"الاخبار"، فالبلدية "اصبحت مستعدة، وكذلك المحطات. لكن سماكة الثلوج حتى الآن غير كافية، وقد تعرض حياة المتزلجين للخطر. نحتاج الى ثلوج أكثر وسماكة أكبر. السنة تبدو واعدة، فالمتساقطات والثلوج بدأت في وقت مبكر وهي بادرة خير ونأمل بحصول موسم تزلج ناجح. لكن حتى اليوم لسنا جاهزين والشركات لا تستطيع ان تفتح المصاعد بعد". لكنه يؤكد: "نقوم اليوم بالتحضيرات وكأن الموسم حاصل وبكامل طاقته، حيث أصبحت الطرقات آمنة وأصبحنا جاهزين من ناحية عناصر الشرطة وجرافات الثلج وخدماتها كي نستطيع إيصال الزائر والمواطن إلى المنتجعات السياحية، كما أنجزنا خطة سير بديلة كي يتجنب المواطن في نهاية الأسبوع زحمة السير ليستطيع الوصول والمغادرة براحة واطمئنان".
موسم جديد تبدو بدايته موفقة مقارنةً بالسنة الماضية، وكافة القطاعات اصبحت مستعدة لاستقباله


وعن الخسائر التي تكبدتها الشركات السنة الفائتة، يقول: "الخسائر كانت فادحة وكبيرة جداً، ليس فقط في قطاع التزلج فحسب، بل أثرت سلباً في كل القطاعات في المنطقة من المطاعم والفنادق والشقق المفروشة واصحاب المحال، وهذه الاضرار تقدر بملايين الدولارات، وهي بالتالي تؤثر في اقتصاد لبنان بكامله". وأسف عقيقي لأن "الموسم السنة الماضية لم يشجع على الاستثمار في هذا القطاع، فمن كانت لديه فكرة لإنشاء مشروع تراجع عنها بعد ما أشيع عن ان لبنان ذاهب الى التصحر. لكن أملنا كبير في ان جبال لبنان ستبقى تشهد على مواسم تزلج وستبقى قممه مكسوة بالثلوج".

الشركات الأبرز

وعن القطاع الخاص في كفرذبيان، يشير عقيقي الى أن لهذا القطاع "اهمية كبيرة، ففي حال قرر الاقفال ستتجمد المنطقة كلها. لكننا نتمنى ايضاً ان تكون هنالك ساحات تزلج عامة بتصرف البلدية او الدولة لأنها ستكون ارخص وبسعر الكلفة، لأن التزلج اليوم اصبح للميسورين". لكنه أشار الى ان هذا الأمر غير قابل للتنفيذ حالياً لأن الارض مستأجرة بموجب مراسيم لسنوات عدة، الا في حال اصدار مراسيم تلغي المراسيم السابقة او الانتظار بعد انتهاء مدتها.
ولفت عقيقي الى أن من اهم الشركات العاملة في منطقة كفرذبيان، والتي تعتبر عصب القطاع الخاص، شركة "مزار" التابعة لعائلة رزق والنائب نعمة طعمة، وهذه الشركة هي المحرك الاساسي في المنطقة، إذ تدير منحدرات التزلج وتملك فندق انتركونتيننتال والنسبة الكبرى من المراكز السياحية، بالاضافة الى شركة سوليبرو (فقرا كلوب). وأكد عقيقي أن "لهاتين الشركتين اهمية عالية جداً، وقد مر على وجودهما هنا عشرات السنين، ويمكن القول ان معظم المنطقة تعمل من خلالهما".

أدوات لم تستعمل

وفي حديث مع شركة ايلي سلامة في فاريا لإيجار الـ "Skidoo " والـ " ATV" اشار حسن رحال احد العاملين الى ان "الموسم الماضي كان صعباً على الجميع، وليس فقط علينا، وهناك شركات اشترت ادوات تزلج بكلفة فاقت 150 الف دولار ولم تُستعمل". وأمل ان تكون هذه السنة ناجحة، مؤكداً انه "لا يمكننا تحمل خسائر اضافية مثل تلك التي حصلت لأن الاضرار فاقت التوقعات، واعتمادنا كبير على هذا الموسم".
ليس فقط شركات ايجار الـ "Skidoo" من تأثر بالموسم الماضي بل ايضاً محال بيع الادوات الرياضية وثياب التزلج. فقد اشار مارون سلامة صاحب محل Le Marathon في فاريا الى ان "حجم الخسائر بلغ 90% لأنه لم يتم فتح المصاعد، وحتى اثناء فترة الأعياد التي تعتبر من أهم فترات موسم التزلج. وهنا كانت الخسائر كبيرة ولم يتم شراء احتياجات التزلج كالثياب وغيرها".
وأكد سلامة ان الاسعار لا تزال على حالها نظراً الى الوضع الاقتصادي للمواطنين. وامل ان تكون هناك سياحة لتعوض خسائر السنة الماضية. لكنه اعتبر ان الوضع الامني والسياسي لا يبشر بالخير، ودعا الدولة إلى الالتفات الى المنطقة والقيام بتحسينات البنى التحتية وغيرها. واختتم متفائلاً: "يقول أجدادنا: كل مئة سنة تمر سنة واحدة سيئة وهذا ما حدث عام 1914 وعاد وحصل عام 2014".

فنادق

الفنادق والمطاعم بدأت تتحضر ايضاً لهذا الموسم. وقال ايلي عقيقي نجل مالك فندق Tamerland إن الآمال عالية والحجوزارت بدأت خصوصاً لفترة الأعياد. وأضاف: "لا نستطيع ان نتكبد خسائر اضافية. فقد بلغت الخسائر الموسم الماضي بين رواتب الموظفين وتكلفة المازوت والشوفاج حوالى 70 الف دولار. اعتمادنا كبير على السياحة بنسبة تفوق 100%، ونأمل ان يساعدنا الوضع العام في البلد في استقطاب السياح العرب والاجانب".
ولم تسلم المطاعم من مصائب الموسم الماضي، فأقفل بعضها أبوابه لتجنب خسائر اضافية. وقال احد مالكي مطاعم في منطقة كفرذبيان ان "نسبة الخسائر فاقت 70% لأن كل اعتمادنا هو على هذا الموسم الذي لم يأت السنة الفائتة ولم ننعم بخيراته". وأضاف: "اضطررنا الى صرف بعض الموظفين لأن الحركة كانت معدومة والخسائر تزداد يومياً. لكن هذه السنة تبدو مختلفة".
ولعل لهذا التفاؤل ما يبرّره. فرغم أن الموسم لم يبدأ بعد، بدأت ساحة عيون السيمان تشهد حركة جيدة بالنسبة لهذا الوقت من العام، بعد ان بدأت القمم تتكلل بالأبيض، ما اعطى اللبنانيين الضوء الأخضر للذهاب والاستمتاع بمشاهدة بياض الثلج واستئجار الـ "Skidoo " والـ "ATV" وغيرها من ادوات التزلج التي لا تحتاج سماكة ثلج كبيرة.

الأسعار على حالها

المسؤول عن منطقة تزلج عيون السيمان الكابتن ضو لفت الى أنه لا يمكن اعتبار السنة الماضية خاسرة، وإنما أقل ربحاً لأن السنوات التي سبقتها كانت ناجحة جداً. وأكد ان "عاصفة واحدة قوية كفيلة بفتح مراكز التزلج وتشغيل المصاعد، ونريد الآن سماكة 60 سم ليبدأ موسم التزلج"، مشيراً الى انه "لم تطرأ اية زيادة على الاسعار بل بقيت على حالها". وأمل ان "نعود ونشاهد قريباً فقرا وعيون السيمان وكفرذبيان تغص بسيارات هواة التزلج والسياح العرب والأجانب الذين اعتدنا وجودهم سنوياً".
موسم جديد تبدو بدايته موفقة أقله حتى الآن مقارنةً بالسنة الماضية، والقطاعات كافة اصبحت مستعدة لاستقباله. يبقى على الدولة تأمين الأمن والمناخ السياسي والسياحي اللازم، الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية.