لا تزال التطورات الاقتصادية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وافغانستان وباكستان تعكس تنوع الظروف السائدة عبر بلدان المنطقة، بحسب تقرير حديث صدر عن صندوق النقد الدولي تحت عنوان «آفاق الاقتصاد الاقليمي». فمعظم البلدان المصدرة للنفط ذات الدخل المرتفع، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، لا تزال تحقق نمواً مطرداً وتتمتع بأساسيات مالية واقتصادية قوية، وان كانت تواجه تحديات يتعين التصدي لها على المدى المتوسط.
وفي المقابل، هناك بلدان اخرى ـ العراق وليبيا وسوريا ـ غارقة في صراعات لا تقتصر عواقبها على الجانب الانساني وحده بل تمتد الى الاقتصاد ايضاً. وبالاضافة الى ذلك، هناك بلدان معظمها من مستوردي النفط تحقق تقدماً مستمراً في تنفيذ برنامجها الاقتصادي ولكنه تقدم غير متوازن يترافق في الغالب مع فترات التحول السياسي ويتم في ظروف اجتماعية صعبة. وفي معظم هذه البلدان، تظل آفاق الاقتصاد المتوقعة للمدى المتوسط قاصرة عن خفض البطالة المرتفعة وتحسين مستويات المعيشة ما لم تُجرى اصلاحات الاقتصادية وهيكلية مكثفة، بحسب ما خلص اليه هذا التقرير.

البلدان المصدرة للنفط

يتوقع صندوق النقد الدولي ان تسجل مجموعة البلدان المصدرة للنفط في هذه المنطقة صعوداً تدريجياً في النمو الى 2.5% في عام 2014، ويتوقع المزيد من الارتفاع في العام المقبل. غير ان ميزان المخاطر يرجح كفة الانخفاض، وخاصة في عام 2015، مع تباين الاداء الاقتصادي بدرجة كبيرة في مختلف بلدان المنطقة. ولا تزال الصراعات والمشكلات الامنية تتسبب في اضطراب النشاط الاقتصادي في العراق وليبيا واليمن، وان كان من المتوقع ان يؤدي تعافي الانتاج النفطي الى حد ما في هذه البلدان الى تحسين التوقعات المستقبلية في العام المقبل، مع افتراض استقرار الاوضاع الامنية. وفي المقابل، لا يزال النمو مطرداً في دول مجلس التعاون الخليجي استناداً الى قوة الانفاق العام على البنية التحتية وتوسع الائتمان المقدم للقطاع الخاص في كثير من البلدان. اما الاقتصاد الايراني فيواصل التحول من الانكماش الى تحقيق نمو طفيف.
يصل اجمالي احتياجات
التمويل الخارجي الى 100 مليار دولار في العام المقبل

وقد زادت المخاطر الجغرافية ـ السياسية وان ظلت مخاطر اسعار النفط متوازنة. ويقول خبراء الصندوق انه يمكن ان يؤدي تدهور الظروف الامنية في العراق وليبيا واليمن الى تعميق الاضطراب في امدادات النفط لدى هذه البلدان، والى انحراف مسار التعافي المتوقع لانتاج النفط في العام المقبل. وفي حالة انهيار مسيرة التقارب بين ايران ومجموعة P5+1 (الاعضاء الدائمين في مجلس الامن في الامم المتحدة وألمانيا)، يمكن ان يؤدي تكثيف العقوبات الى المزيد من الانخفاض في صادرات النفط الايرانية. غير ان المملكة العربية السعودية تحتفظ بطاقة فائضة كبيرة ويمكنها تعويض جزء على الاقل من اي نقص غير متوقع يطرأ على الامدادات من بلدان اخرى. وفي المقابل اذا ابرمت اتفاقية دائمة بين ايران ومجموعة P5+1 وحدث تحسن في الوضع الامني الراهن في العراق وليبيا يمكن ان يزداد عرض النفط من هذه البلدان. ومن الممكن ايضاً ان تتيسر الاوضاع في اسواق النفط اذا زاد عرض النفط من المناطق الاخرى على المستوى المتوقع (كأن يأتي ذلك من الولايات المتحدة التي لا تزال تسجل زيادة متواصلة غير متوقعة في امداداتها النفطية) او نتيجة انخفاض الطلب العالمي على النفط نتيجة ضعف النمو الاقتصادي العالمي. وتمثل اسعار النفط، والاوضاع الامنية الاقليمية، مصادر خطر مهمة ايضاً بالنسبة للنشاط في الاقتصاد غير النفطي.

ضعف المالية العامة

ثمة ضعف متزايد في مراكز المالية العامة في معظم البلدان المصدرة للنفط. فمن المتوقع ان يؤدي تصاعد الانفاق الحكومي في ظل اسعار النفط المستقرة بشكل عام الى خفض فائض المالية العامة الى نحو 2% هذا العام و1.25% في عام 2015. وفي معظم البلدان. لا تتوافر في المالية العامة أرصدة كافية للحفاظ على قدر عادل من الثروة النفطية للاجيال المقبلة، وهو ما يعني ان هناك انكشافاً كبيراً لمخاطر اسعار النفط. ولذلك تحتاج معظم البلدان المصدرة للنفط الى تعزيز مراكز ماليتها العامة. وتستطيع دول مجلس التعاون الخليج الاستفادة من الفترة الحالية التي تتسم بقوة الاقتصاد لادخار قدر اكبر من ايراداتها النفطية الاستثنائية. وهناك بلدان كثيرة اخرى تعرضت لصدمات تتعلق بايرادات النفط وغيره وتواجه الان مهمة عاجلة تتمثل في دعم الطلب بمواردها المحدودة، لكنها تحتاج الى اعادة بناء هوامش وقائية عندما تسمح ظروفها الدورية بذلك.
كذلك ينبغي لمعظم البلدان المصدرة للنفط ان تطوع نموذجها الاقتصادي المعتمد للنمو بما يحقق نمواً اكثر استمرارية وتنوعاً واحتواءً لشرائح المجتمع. وقد ارتكز النموذج الاقتصادي حتى الان على نمو الانفاق الحكومي الذي تدعمه الزيادات في اسعار النفط.

البلدان المستوردة للنفط

بحسب التقرير، ظل النشاط الاقتصادي فاتراً في البلدان المستوردة للنفط في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأفغانستان وباكستان، حيث بلغ 3% تقريباً هذا العام، ويتوقع صندوق النقد الدولي ان ينتعش النمو ليصل الى 4% في عام 2015. ويرى خبراء الصندوق ان التوترات الاجتماعية ـ السياسية المتأصلة وتداعيات الصراعات الاقليمية المتزايدة تسببت في كبح النمو، ويتوقعون ان يؤدي التحسن التدريجي في مستوى الثقة الى دعم الطلب المحلي مع انقشاع غيوم عدم اليقين السياسي. ويتوقع خبراء الصندوق ايضاً حدوث زيادة تدريجية في الصادرات والسياحة والاستثمار الاجنبي المباشر، بدعم من التعافي الاقتصادي في أوروبا والنمو المنتظم في دول مجلس التعاون الخليجي. ومن غير المرجح ان يؤدي هذا التحسن التدريجي الى خفط معدلات البطالة المرتفعة.
وتخضع هذه الآفاق المتوقعة لمخاطر التطورات السلبية. فمن الممكن ان يتأثر التعافي بالنكسات التي قد تعترض فترات التحول السياسي، والتوترات الاجتماعية والامنية التي قد تزداد كثافة، والتداعيات المترتبة على الصراعات الاقليمية، الى جانب النمو الذي قد يسجل معدلات دون المتوقعة لدى الشركاء التجاريين.
وقال التقرير ان البلدان بدأت في كبح العجز المرتفع في ميزانياتها العامة، مما سيتيح التدرج في اعادة بناء هوامشها الوقائية وتعزيز صلابتها في مواجهة الصدمات. وفي كثير من البلدان، تتحقق وفورات بفضل الاصلاحات التدريجية للدعم المعمم غير الكفء (ومنها مصر والاردن وموريتانيا والمغرب وباكستان والسودان وتونس)، كما يجري تحويل بعض الوفورات الى قنوات الحماية الاجتماعية الموجهة للفقراء، وزيادة الانفاق على البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم. ومع ذلك، لا يزال الارتفاع مستمراً في نسبة الدين الى اجمالي الناتج المحلي في البلدان المستوردة للنفط، ومن المتوقع ان يصل اجمالي احتياجاتها من التمويل الخارجي 100 مليار دولار أميركي في العام المقبل.

برامج وطنية للاصلاح

ومع توقعات تحسين النمو في العام المقبل، يعتقد خبراء الصندوق ان التخفيض التدريجي المستمر في عجز الميزانيات العامة يمكن ان يساعد على تحقيق المزيد من التحسن في مستوى الثقة وصلابة الاقتصاد. وينبغي، برايهم، اعطاء الاولوية لتدابير المالية العامة، التي تحد من الاعباء المعوقة للنمو الاقتصادي على المدى القصير، وتدعم خلق فرص العمل، وتحتوي على التأثير السلبي على الفقراء، وتحد من مظاهر التفاوت الاجتماعي. وفي سياق ضبط اوضاع المالية العامة وسط فجوات الناتج التي لا تزال كبيرة، يمكن ان تكون زيادة مرونة سعر الصرف اجراء معززاً للنمو والتنافسية في بعض الحالات.
ولا تزال توقعات النمو متوسطة الاجل في البلدان المستوردة للنفط في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وافغانستان وباكستان تواصل تراجعها بوتيرة اسرع من غيرها من المناطق حول العالم، ولا تزال غير كافية للتأثير على البطالة المرتفعة بعلى نحو مزمن في المنطقة، وخاصة بين الشباب والنساء. ومن ثم ينبغي اجراء اصلاحات اقتصادية عميقة لزيادة النمو متوسط الاجل وخلق فرص العمل.
(الاخبار)