يعود تاريخ الويسكي رسمياً، ووفقاً لأول تأريخ موثق في إيرلندا، إلى عام 1405. باللغة اللاتينية كان يُطلق عليها تسمية «ماء الحياة» (Aqua Vitae). لم يزدهر هذا المشروب رغم امتداد التقطير عميقاً في التاريخ - إذ يُمكن رصد هذه الممارسة في زمن البابليين، في بلاد ما بين النهرين، منذ القرن الثاني قبل الميلاد – وانتظرت الويسكي حتى القرن السابع عشر لكي تُرسخ نفسها ماء للحياة فعلاً في أوروبا، وتحديداً المملكة المتحدة.
خارج على القانون

بيد أن اللافت في تاريخ هذا المشروب هو أن انطلاقته الفعلية كانت «تحت الأرض»، حين أصدرت السلطات الإنكليزية قانون منع أنشطة التقطير. معظم الخمارات حينها عمدت إلى الإقفال أو إلى العمل خارج رادار السلطة. المقطّرون الاسكتلنديون عمدوا إلى استغلال خبراتهم المطورة منزلياً لصناعة الويسكي ليلاً، حين يُخفي السواد الدخان المتصاعد من عملية التقطير؛ لدرجة أن تسمية جديدة اعتُمدت للويسكي هي «بريق القمر»، وكان نصف إنتاج الويسكي في اسكتلندا «خارجاً على القانون».
مخالفة القانون هذه كانت ممارسة مطلوبة! اليوم يرى 88% من المستهلكين حول العالم، وفقاً لمسح نشرته شركة «Ipsos» في بداية ربيع 2013، أنّ المشروبات الروحية، وفي مقدمتها الويسكي، تُعدّ ترفاً يُمكن الاستمتاع به بسعر معقول؛ بمعنى آخر شراء تلك المشروبات يعني الحصول على القيمة والنوعية معاً.
استمرّ التقطير تحت ضوء القمر حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، حين صدر قانون جديد خاص بالرسوم المفروضة على الإنتاج، وخرج المقطّرون إلى ضوء الشمس، لتنطلق الفصول المختلفة في حياة الويسكي، التي أوصلته إلى قمّة المشروبات الروحية حول العالم. اليوم، ينجح مصنعو الويسكي الاسكتلنديون وحدهم (Scotch Whisky) بتصدير ما معدله 40 زجاجة من مشروب الحياة هذا كلّ ثانية إلى أكثر من 200 بلد حول العالم!

غش وأرباح خيالية

بيد أنّ التقطير في الخفاء الذي اعتمده هؤلاء الفنانون ليزدهروا بصناعتهم ويصبحوا روادها، تشوه مع مرور الزمن وأصبح في ملعب آخر كلياً: التقطير بعيداً عن القانون لإنتاج الويسكي المضروب، تحقيق الأرباح الخيالية وعدم الاكتراث للأرواح التي تتضرر من هذه الممارسة.
من لبنان إلى الولايات المتحدة مروراً ببريطانيا ووصولاً إلى شرق آسيا، يعمد الخارجون على القانون إلى تصنيع المشروبات الروحية المزوّرة – وتحديداً الويسكي والفودكا فضلاً عن مختلف النكهات التي يُمكن تصورها – بطرق مختلفة؛ ممارسة قد تحقق لهم الأرباح غير أنّها تؤدي إلى نتائج كارثية.
يُقدّر المركز الدولي لدراسات المشروبات الكحولية أنّ 30% من هذه المشروبات المستهلكة عالمياً غير مسجّل. ووفقاً لتقديرات الجمعية الدولية لمنتجي المشروبات الروحية، فإنّ الشركات المنتجة لهذه المشروبات تخسر مليار دولار سنوياً من جراء الكحول المزورة، كما تخسر خزائن الحكومات مبالغ دسمة نتيجة الرسوم غير المحققة.
ولكن فضلاً عن الخسائر للقطاع الخاص والحكومات، ماذا يعني أن يستهلك المرء الكحول المضروبة؟ وكيف يُمكن التحوط منها؟

حانات لبنان

يدخل زبون وفيّ إحدى الحانات الشهيرة في منطقة مار مخايل في بيروت بعد غياب طويل. يطلب من النادل كأساً من الويسكي الشهير «ويُفاجأ بأنّ الحانة لا تحوي هذا المشروب الذي يحمل نكهات تينيسي الأميركية. مفاجأته «لقطها» صاحب الحانة الذي تبين أنه على معرفة بالزبون. شرح له بأنّه أحجم عن تقديم هذا المشروب في حانته بعدما تبين أنّ «حجماً هائلاً من هذا الويسكي في السوق اللبنانية مزوّر منذ سنتين».
الفئة الخامسة من «بي أم دبليو» لا تحتكرها فئة اعمار معيّنة، فهي بشكلها الرياضي واناقتها تستهوي كل الاعمار والاذواق


البدائل في عملية التقطير لها تأثير سيئ على الصحة يراوح بين الغثيان والموت لدى الاستهلاك المفرط


خلافاً لهذه الحانة – واسمها تيمناً بفلفل حار شهير يُستخدم في كافة المطابخ من أميركا اللاتينية إلى آسيا – لا يبدو انّ حانات عديدة تكترث بما تُقدمه على قاعدة الربح السريع. إحداها في منطقة الحمرا، مشهورة بأسعارها المرتفعة، تُقدم أسوأ أنواع المشروبات في كؤوسها. لدرجة أن معظم الذين ارتادوها يشكون هذه المشكلة. بيد أن المعضلة الأكبر هي أن عدداً لا بأس به من مرتادي الحانات لا يميزون بين النهكات، وخصوصاً عند مراحل متقدمة من تأثير الكحول... هكذا تستمر الأعمال! ومع استمرار الأعمال يتضرر المستهلكون تحديداً بسبب المواد السامة التي تحويها المشروبات الروحية المزورة.
وعلى الرغم من أنّ حظوظ تصريف الكحول المزوّرة تكبر في الحانات والنوادي الليلة وخصوصاً في الكوكتيلات التي يضيع فيها الطعم الأصلي، يُمكن بسهولة أن يطاولك الغش حتّى من أكثر الأماكن التي تبعث على الثقة: الأسواق الحرة مثلاً.
أخيراً تواترت حالات كثيرة عن زجاجات ويسكي مضروبة من مطار لبنان وحتى من مطار دبي، ومن أنواع تُعد فاخرة إلى حد ما مثل «Chivas Regal» و»Jhonny Walker Double Black».

حتى الموت وارد

فلندخل في التفاصيل قليلاً. ماذا يعني المشروب المضروب؟
تُصنع المشروبات الكحولية باستخدام الإثانول، وهو نوع من الكحول يُعدّ استهلاكه بكميات معقولة آمناً. غير أنّ مزوري المشروب يعمدون إلى استبدال هذه المادّة بطيف واسع من البدائل التي لها تأثير سيئ جداً على الصحة يراوح بين الغثيان المضني وحالات الموت لدى الاستهلاك المفرط.
ومن البدائل المستخدمة المواد الكيماوية التي تُستعمل في صناعة منتجات التنظيف، مزيل طلاء الأظافر، وصولاً إلى السائل الخاص بتنظيف زجاج السيارات. بيد أن الأخطر على الإطلاق هما المنتجان الكحوليان «ميثانول» و«إيزوبروبانول» اللذان يُستخدمان في بعض المنتجات النفطية وفي السوائل الخاصة بمنع التجمد في السيارات والآلات.
«هذه الأنواع الأخرى من الكحول تؤمّن الشعور نفسه الذي يضمنه الإيثانول، أي الشعور بالسكر، ولكنها قد تكون خطيرة جداً» وفقاً للخبراء في الموقع البريطاني «Drinkaware.com» المختص بزيادة الوعي حول استهلاك الكحول.
فاستهلاك المشروبات التي تحوي على المنتجات الكيماوية المذكورة يؤدي إلى الغثيان والتقيؤ، آلام في البطن، الدوار وحتّى الشعور بالنعاس. وعندما يزيد الاستهلاك على حدود معينة، أو يستمر فترة طويلة يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة في الكلى والكبد، ويوصل الشخص إلى حالة الغيبوبة (Coma).
أما شرب الكحوليات التي تحوي على الميثانول – وهو المادة البديلة الأكثر رواجاً واستخداماً لصناعة الفودكا المضروب - فيُمكن أن يؤدّي إلى تضرر شبكة العين وإلى العمى الدائم.
تزداد الدعوات في العالم، وفي البلدان المتقدمة على وجه الخصوص، للتنبه من المشروبات الكحولية المزورة.
في خريف عام 2012، قضى ثلاثون شخصاً في تشيكيا نتيجة استهلاك منتج مزوّر من مشروب رام محلي يحتوي على الميثانول. تفاعلت القضية على نحو كبير وأدّت إلى توقيف أكثر من 50 شخصاً في إطار شبكة لتزوير وترويج المشروبات الكحولية.
وقبل هذه الحادثة بعام تقريباً، اجتمع خمسة شبان في مجمع صناعي في شمال المملكة المتحدة. الهدف كان تقطير مشروب الفودكا على نحو غير قانوني. الترتيبات لم تكن مناسبة أبداً لان النتيجة لم تكن ذلك المشروب المحبب، بل على العكس تماماً: انفجار المعدات المضغوطة ووفاة المشاركين في العملية. ليست هذه الحادثة غريبة في هذا البلد الأوروبي. فمنذ عام 2005 ضبطت السلطات 15 مليون ليتر من المشروبات الكحولية المنتجة على نحو غير قانوني، وألقي القبض على عناصر في 15 عصابة منخرطة في هذا النوع من النشاطات.




القواعد الأربع لتحديد الكحول المضروب

هل يُمكن لمزوري الكحول الفوز دوماً عبر غش المستهلكين؟ مهما تكن حيل الشبكات المزورة للمشروبات الكحولية متقنة، فإنه يُمكن إلى حد ما للمستهلكين الذين يشترون المنتجات من محال التجزئة ملاحظة بعض المعطيات للتأكد من صحة المنتج. أخيراً، عمد الوكيل اللبناني للويسكي الشهيرة، Chivas Regal، إلى تنوير محبّي هذا المشروب عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي: يجب ملاحظة تفصيلين أساسيين. الأوّل هو ان الرمز الاول الموجود في أعلى الزجاجة يجب أن يكون مطابقاً تماماً للرمز الموجود في أسفلها. الثاني، هو التأكد من أن غطاء الزجاجة الذي يُغلّف فتحتها محكم وغير ممزق.
من هنا يُمكن الركون إلى القواعد الأربع التي يُحددها معهد معايير التبادل التجاري في بريطانيا لتمييز المشروبات الكحولية الصالحة عن تلك المزوّرة:
أوّلاً، على المستهلك أن يشتري المشروبات الروحية من المتاجر التي توحي بالثقة فقط.
ثانياً، تجنّب شراء المشروبات التي تُباع بصفقات رخيصة.
ثالثاً، تفاصيل توضيب المنتج: كيفية وضع العلامة التجارية؛ طريقة تغيلف أغطية الزجاجة؛ يُمكن حتّى استخدام التطبيقات الخاصة على الهواتف الخلوية لمسح الرمز الإلكتروني التجاري الخاص (Bar Code) والتأكد من صحة المنتج.
رابعاً، التأكد من المنتج نفسه قبل شراء الزجاجة وبعد فتحها لاستهلاكها. إذا كانت زجاجة الفودكا مثلاً تحوي بعض الرواسب في قعرها أو الجزيئات البيضاء فعلى الأرجح أنها مضروبة بمياه الشفة! أما إذا تبين أن رائحة أو نكهة المشروب بعد سكبه غير طبيعية، فيجب الامتناع عن شربه وتحديداً إذا كان يبث رائحة قريبة من مزيل طلاء الأظافر في حالة الفودكا على وجه الخصوص.