تماماً كالثقافة والتقاليد الاجتماعية، يتمتع كل إقليم في العالم بمطبخه الخاص الذي يعكس خواصّه، وفي معظم الاحيان يُعطي صورة على الاحوال الاقتصادية للمجتمعات، الريفية إجمالاً، التي طوّرته.
على مستوى الوجبات السريعة في العالم العربي، ليس هناك أشهر من شطيرة الفلافل التقليدية. لا يحسم الخبراء المنبع التاريخي لهذا الغذاء، إلّا أن النظرية الأكثر قبولاً هي أنه انطلق من مجتمعات الأقباط في مصر كبديل من اللحم في أوقات الصيام. ومن شاطئ الاسكندرية أبحر إلى بلدان المشرق حيث استُبدل الفول فيه بالحمّص، أو ابتُكرت خلطات تدمج الاثنين.
الأكيد أنّ الطبق انتشر في بعض مناطق العالم ليُصبح أساسياً بين وجبات الشوارع، ومتّن مكانته بين المازات. وبهذه المكانة، يؤمّن رؤية عن أحوال المجتمعات الأساسية التي تستهلكه.
انطلاقاً من هذه المعطيات طوّر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مؤشّر سعر شطيرة الفلافل في البلدان العربية الذي كانت مجلة «المجلة» قد أصدرت أولى نسخه عام 2011.
الهدف من المؤشر هو تحديد المستويات السعرية الحقيقية لهذا السندويش، وفي الوقت نفسه تقويم ما إذا كان سعر صرف عملات البلدان المعنيّة في السوق هو نفسه السعر الحقيقي.
في هذه المقاربة محاولة لنسخ مؤشّر BigMac الذي تعده مجموعة «إيكونومست» للوصول إلى الأسعار الحقيقية للعملات انطلاقاً من سعر شطيرة البرغر الشهيرة من سلسلة «ماكدونالدز» في كلّ اقتصاد. ويبدو اعتماد الفلافل عربياً خياراً مناسباً نظراً لسواد هذه الشطيرة بين بلدان الضاد وبين مختلف شرائحها الاجتماعية.
إذاً، بالاستناد إلى معطيات علمية توحّد المكونات وأكلاف التحضير بين مختلف البلدان، يتوصل البحث إلى أنّ أغلى سندويش فلافل عربي هو في مسقط العمانية حيث يبلغ 3.64 دولار، والأرخص تجده في رفح الفلسطينية إذ يبلغ 0.58 دولار.
يحلّ لبنان بتفاوت واضح على اللائحة. إذ تُصنّف بيروت في المرتبة السابعة بين 18 مدينة عربية، بسعر يبلغ 2.32 دولار للسندويش الواحد.
تُصنف بيروت سابعة على لائحة سعر الفلافل وبعدها جبيل بست مراتب
أما جبيل، المدينة اللبنانية الثانية المدروسة، فتحلّ وراء العاصمة بست مراتب. وربّما إذا تضمن البحث مدناً لبنانية أخرى ذات مستويات دخل أدنى، لرصدنا سندويشات فلافل أرخص على الساحة اللبنانية.
في الواقع، يتوصل البحث إلى علاقة طردية بين حصة الفرد الشهرية من الناتج المحلي الإجمالي وبين السعر السائد؛ كلما ارتفع الأول صعد الثاني. ومن بين الخلاصات اللافتة الأخرى، هي تلك الخاصة بالفلافل الإسرائيلية. إذ يخلص معد الدراسة إلى أنّ سعر سندويش الفلافل في تل أبيب يبلغ 4.62 دولارات، ليكون الاغلى في المنطقة. ومعه يكون سعر صرف الشيكل – عملة الدولة العبرية – أعلى بكثير من سعره الحقيقي، بمستوى هو، على الأرجح، الاعلى في المنطقة.
لا شكّ إذاً في أن البرغر والفلافل يلتقيان في قدرتهما على تأمين القراءة الاقتصادية للمجتمعات المعنية، غير أنهما يلتقيان أيضاً في مجال آخر أيضاً: الانعكاسات الصحية على الأجسام المستهلكة.
لشطيرة البرغر المكونة من اللحم المعالج صناعياً والخبز المعالج أيضاً، تأثيرات دراماتيكية على صحة الإنسان في حال استهلكت بكثرة. البراهين العلمية على هذا المعطى كثيرة، ولكن أبرز الاختبارات هي الفيلم الوثائقي الشهير «ضخّمني» (Supersize Me).
اما لسندويش الفلافل فحكاية أخرى إذ إنّ طريقة تحضيره عبر قليه وإشباعه بالزيت تُعدّ وصفة مقلقة ترفع معدل الكوليستيرول. ولكن في الوقت نفسه فإنّ مكوناته الطبيعية صحية وغنية، ويُمكن الاستغناء عن القلي، بالخبز، وإن أثر ذلك على شكله، طعمه وبنيته.
بحسب دراسة أجراها محمد الخطيب وسنا جنكات من جامعة الأردن للعلوم والتكنولوجيا في إربد، يُمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط للفلافل إلى تداعيات صحية وخيمة. يقولان: «إن استهلاك الفلافل باعتباره المصدر الغذائي الوحيد لفترة طويلة... قد يؤدي إلى تسمّم الكبد ولاحقاً إلى نخرٍ كبدي».
ولكن في الوقت نفسه، يُطمئن الباحثان في ورقتهما التي نُشرت عام 2011، عشاق الفلافل الى أنّ الاستهلاك المعتدل لهذا الطبق بالتوازي مع استهلاك أطباق ومشروبات أخرى تحوي مكونات مضادة للأكسدة، يُعدّ آمناً.
وإضافة إلى الهواجس النقدية والصحية لاستهلاك الفلافل، هناك الاعتبارات السياسية. فخلال السنوات الماضية أكّدت الأردن عروبة هذا الطبق بتحضير أكبر كرة (تزن 74.75 كيلوغرام) والدخول في موسوعة غينس. بعدما كان الموقع لمصلحة مهرجان سانتا كلاريتا اليهودي الذي يُنظم في كاليفورنيا.
كذلك، كان للبنان موقفه على هذا الصعيد، إذ هدد وزير السياحة السابق فادي عبود، برفع دعوى ضد إسرائيل لانتهكاكها حقوق الملكية الفكرية لتحضير الفلافل وادعائها بأنه «طبق إسرائيلي».