في العامية وعند تندّر الناس على أحوالهم الحياتية، يتلهون بتعريف "المعاش" بأنه "ما... عاش"، أو لم يعش ليشهد نهاية الشهر. عند التدقيق اللغوي بمعنى "المعاش" يتبين أن الوصف العامي المطلق عليه لم يظلمه، فالشرح المعجمي له وضعه في إطار محدد، هو "ما يكفي لسد الرمق". فكيف إذا كان "سد الرمق" تحدياً ومتطلبات الحياة المتزايدة والنزعة الاستهلاكية السائدة تصعّب عملية الادخار التي قد تساعدنا على تحقيق رغباتنا وتلبية احتياجاتنا؟ ومن هنا تبدأ قصة الاقتراض.

كثر يخافون الاقتراض ويحذّرون منه ومن مخاطره. لكن الاقتراض بحدّ ذاته ليس خطراً، إذ إنه مرتبط بشخصية المقترض ومدى وعيه وثقافته وإدراكه لحاجته للقرض وقدرته على سداده، آخذاً في الاعتبار نسب الفائدة ومدة التسديد وإذا كانت أوضاعه المالية الحالية والمستقبلية تسمح له بالتكيّف معها من دون أن يتعثر.
هذا مع العلم أن المصارف في لبنان، تساعد الزبائن على تحديد قدراتهم المالية وإمكانية تحمّل كلفة القرض. لكن يبقى التهور جائزاً، وهو غالباً ما تنتج منه أكلاف كبيرة، اقتصادياً، صحياً وعلى صعيد العلاقات العاطفية والاجتماعية.

مخاطر الاقتراض غير المدروس

الاقتراض قد يكون الحل الأمثل والأسهل والأسرع لتحقيق رغبات أي شخص ومعالجة النقص في السيولة التي يمكن أن تعترض الكثيرين منا، في ظل غلاء المعيشة وتكاثر الاحتياجات الضرورية منها والثانوية. لكن انعدام الوعي والتخطيط والدراسة الدقيقة لمدى الحاجة للاقتراض قد يودي بنا إلى حفرة نكون قد حفرناها لأنفسنا وقابلة لأن تزداد عمقاً مع مرور الأيام.
الانشغال بالمسائل المالية والهموم التي قد تنتج من الدين تؤثر سلباً في النواحي الصحية والعاطفية لمن لا يقدر على التعامل معها.
في دراسة نشرت عام 2013 للباحثين سندهيل مولايناثان وادار شافير، يتبيّن أن العجز المعرفي الذي ينتج من الانشغال بالمسائل المالية يعادل خسارة 13 نقطة من اختبار الذكاء IQ، أو فقدان النوم لليلة كاملة أو حتى أن يكون الشخص مدمن كحول.
دراسة أخرى أعدتها شركة Citizens Advice في المملكة المتحدة كشفت أن ثلاثة من أصل أربعة أشخاص عبّروا عن أن الديون والهموم المالية تؤثر في صحتهم العقلية، وأكثر من نصف المستطلعين أشاروا إلى تأثيرها في صحتهم الجسدية.
أما في ما يتعلق بالعلاقات العاطفية، فأظهرت دراسة أُجريت عام 2009 في جامعة يوتا الأميركية أن الخلافات المالية بين الزوجين تتربع على لائحة الخلافات التي قد تؤدي إلى الطلاق.

ما قبل الاقتراض

قبل أن يساعدك المصرف، عليك أن تساعد نفسك، لأن الندم قد لا يفيدك في مواضع كهذه...

1 - حدد الهدف من الاقتراض

تختلف الاحتياجات بين شخص وآخر، وما قد يشكل أولوية لبعض الناس، قد يعتبر أمراً ثانوياً للآخرين. لذلك، لا يوجد معيار شفاف وصريح يحدد الموجبات الأساسية التي يجب أن تدفعك إلى الاقتراض. لكن المعيار المنطقي هو الحكم في هذه الحال، حيث يفترض بك تقدير مدى حاجتك للقرض، وهل هو أولوية؟ ترتيب أولوياتك هو الحجر الأساس قبل طلب القرض، والمسألة ليست بالأمر اليسير، لأن بعض الرغبات الآنية قد تسيطر على تفكيرنا لفترة معينة حتى تبدو أنها ضرورية... وهي لا تكون كذلك فعلياً.
قبل الاقتراض فكّر بعمق، وحاول الإجابة عن الأسئلة الآتية: هل حاجاتي ضرورية إلى الحد الذي يجب أن أقترض لأجل تحقيقها؟ ثم تأكد إن كانت هنالك وسيلة أخرى تساعدك في تلبية حاجتك غير الاقتراض.

2- حدد القرض وكلفته

قبل الغوص في تفاصيل الإجراءات وما يترتب عليك توفيره من أوراق ومستندات، يفترض بك إلقاء نظرة شاملة على العروض التي تقدمها المصارف للقرض عينه، ومقارنة أسعار الفائدة والرسوم، والمدة الزمنية المقترحة لتسديد القرض وحجمه لتختار ما يناسبك والأقرب إلى طموحاتك وقدراتك المالية.

فأسعار الفائدة مثلاً، تختلف من قرضٍ إلى قرض، وهي عموماً تتغير بحسب مدة السداد. فكلما كانت مدة السداد أطول، ازدادت الفائدة، وكلما كانت مدة السداد أقصر، انخفضت.
ولا تخجل من السؤال، فموظفو المصرف في خدمتك، وكلما كنت مدركاً ومتأكداً من خطوتك، كان المصرف مرتاحاً في التعامل معك.

3 - حدد قدرتك على السداد

حصر تدفقاتك النقدية الوافدة والخارجة أساسي، ولا يمكن تخطيه عند التفكير في الاقتراض. فعملية التحديد تساعدك على معرفة قدراتك المالية، وبالتالي إمكانية تسديد القرض عبر دفعات شهرية. فالاقتراض ليس بالأمر البسيط، خاصة أنه يتطلب مثابرة ومجهوداً، وهو قد يمتد لسنوات بحسب القرض الذي تختاره وفترة السداد التي تناسبك. من هنا أهمية الموازنة التي تضع الأطر العامة للاستراتيجية المالية التي يفترض بك اتباعها والتي تحميك من أيّ مخاطرة أو خطوة غير محسوبة قد تؤثر في التزامك تسديد أقساط القرض.

4-لا تستخف

ماذا بعد الحصول على القرض؟ هذا هو السؤال الجوهري. فما قبل القرض ليس كما بعده. لذلك يفترض بك التحلي بالمسؤولية المالية وعدم الاستهتار بالخطوة التي أقدمت عليها. تسديد الأقساط في وقتها يحافظ على نظافة سجلك المصرفي. أما في حال التخلف عن السداد أو الامتناع لفترة طويلة، فذلك قد يؤثر سلباً في سجلك، ما قد يؤدي إلى منعك من الاقتراض مستقبلاً، إضافة إلى الإجراءات القانونية التي قد تتخذ ضدك.