المشكلة أن كل شيء في البلد إلى تراجع ما عدا الأسعار. ورغم النقّ المتواصل والشكوى التي لا تنقطع من تراجع الأعمال وقلة الزبائن وهبوط المبيعات، فإنه لا خطوات جدّية تتخذ لمعالجة التضخم غير المبرر للأسعار في كل القطاعات والمجالات، حتى بات يمكن القول إن بعض أصحاب المصالح يفضلون المخاطرة بالإفلاس على أن يقدّموا تنازلات. إلا أن المطاعم، وبخاصة تلك التي تتوجه إلى الشرائح المحدودة والمتوسطة الدخل، قدّمت عروضات جيدة خلال شهر رمضان. ومع هذا، لم يرق الإقبال إلى التوقعات، إذ يشير نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري طوني رامي إلى أن تراجع أعداد روّاد المطاعم خلال شهر رمضان الماضي بلغ 25%، وهي نسبة الهبوط عينها المسجّلة خلال رمضان الجاري، أي إن الحركة هبطت بنسبة 50% بين عامي 2017 و2019، رغم الأسعار المتدنية خلال هذه الفترة من العام.
ولكم أن تتخيلوا مسار الأمور حين ينتهي رمضان وتعود الأسعار إلى سابق عهدها.

(تصميم: رامي عليان)

حاولنا أن نبيّن بشكل مبسّط الهوّة الشاسعة في الأسعار المقدّمة خلال شهر رمضان والتسعيرة التقليدية خلال باقي أيام السنة للأطباق والمشروبات نفسها، وذلك من خلال مراقبة لائحة الطعام التي عرضتها بعض المطاعم التي يمكن تصنيفها في الفئة عينها من حيث الشرائح التي تستهدفها والأسعار والمأكولات التي تقدمها. وقد تبيّن أن متوسط سعر الإفطار بلغ حوالى 40 ألف ليرة، فيما إذا أخذنا كل طبق ومشروب على حدة فإن تكلفة العشاء في المطعم عينه ستبلغ حوالى 133 ألف ليرة في بقية ايام السنة، أي بزيادة بنحو 100 ألف ليرة لبنانية، علماً بأننا لم نأخذ في الاعتبار سعر النرجيلة التي عمد العديد من المطاعم إلى تقديمها مجاناً للرواد.
قد يقول قائل، وهو على صواب، إن السعر الذي يقدّم في الجملة يكون دوماً أرخص من السعر بالمفرق. ولكن ما نهدف إلى الإضاءة عليه هو السعر غير المنطقي للعديد من أطباق المطاعم في لبنان. فهل يجوز أن يبلغ سعر صحن حمص أو صحن ورق عنب 10 آلاف ليرة لبنانية؟ ولماذا سيكلف سعر صحن كبة أقراص 11 ألفاً؟
حركة روّاد المطاعم خلال رمضان هبطت بنسبة 50% بين عامي 2017 و2019


هل يعقل أن يدفع شخص خلال يوم عادي، بعد 24 ساعة فقط من انتهاء شهر رمضان، مبلغ 40 ألف ليرة لبنانية مقابل صحون حمص وفتوش وكبة أقراص ورقاقات جبنة، فيما قبلها بساعات كان بإمكانه أن يسد جوعه لأيام ويأكل ما طاب له من الأطباق والحلويات نظير المبلغ نفسه؟
يعتبر نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري أن العروضات بأغلبها تشجيعية وتسويقية، وتكون على فترة محددة، ولا يمكن العمل بها طوال العام، لأن الكلفة التشغيلية عالية جداً، خصوصاً أن لبنان يحل في المرتبة الثانية في المنطقة من حيث كلفة المعيشة، ويُعدّ من أغلى الدول في العالم.
ممتاز، لكن وبما أن النقيب نفسه كشف عن التراجع في عمل المطاعم خلال شهر رمضان رغم العروضات، أليس من المنطقي أن تستمر الأسعار التشجيعية على فترات أطول؟ ربما ليس بالسعر نفسه، ولكن أقله ليس بالسعر التقليدي.
في هذا السياق، فإن واحدة من علامات الأزمة، وهي ما لاحظناها ـــ وما ذكرها أيضاً رامي ـــ هي العدد المحدود جداً من الإفطارات التي نظمتها كبريات الشركات والمصارف في لبنان هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة.