قد يبدو الأمر مثيراً للسخرية أن يرتكز نمو التعاملات المصرفيّة الرقمية على الموظفين الذين قد يكونون أبرز المهددين بخسارة دورهم بسبب الثورة التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها القطاع المصرفي. لكن الإحصائيات تبيّن أن المصارف التي تعتمد على الموظفين والفروع للترويج للمصرفية الإلكترونية وتثقيف عملائها حول فوائدها، تحقق نسبة نمو في أعداد مستخدمي تطبيقاتها المصرفيّة تتخطى 30%.
العوائق
تصطدم محاولة تحفيز الموظفين للترويج للخدمات المصرفيّة الرقمية بثلاثة عوائق أساسية، أبرزها خوفهم على مستقبلهم الوظيفي وشعورهم بأن التقنيات الحديثة قادمة لاستبدالهم أو الحد من دورهم. في هذا السياق تشير الإحصائيات إلى أن 61% من موظفي المصارف في العالم قلقون من التكنولوجيا الحديثة، فيما 59% منهم يخافون من تأثير الأتمتة على وظائفهم وانعكاساتها على مسار العمل.
عائق آخر يتمثل في عدم استخدام الموظفين أنفسهم للمنتجات والخدمات الرقميّة، وبالتالي تكون قدرتهم على ترويجها وتحفيز العملاء على استخدامها محدودة وتفتقد إلى المصداقية وللقدرة على الإقناع.
أما العائق الثالث فنفسي، ومرتبط بتقدير الموظفين لأنفسهم وشعورهم بأنهم يتمتعون بالكفاءة والأهلية لإتمام المهام عينها التي يمكن للخدمات الرقميّة توفيرها. بالتالي فإنهم يتجنبون التسويق لهكذا خدمات كي يحافظوا على المعنى في أدائهم لوظائفهم وبأنهم ذوو فائدة على الصعيدين المهني والاجتماعي.

الحلول
إذاً كيف يمكن تخطي هذه الصعاب؟
لا تزال الفروع هي الأكثر جذباً للعملاء حتى يومنا هذا على رغم تزايد الإقبال على الخدمات المصرفيّة الرقميّة. وبالتالي، فإن الموظفين هم الأداة الأفعل لتثقيف الناس حول منافع هذه الأخيرة وفوائدها.
ومن المعلوم أن المصارف تخضع موظفيها، بصورة دورية، لبرامج تدريبية لابقائهم على اطّلاع على كل جديد في القطاع. في الأغلب تتحول هذه الحصص التدريبية إلى حصص مملة تستنزف الموظفين، خصوصاً أنها تجري في كثير من الأحيان في فترات متباعدة خلال العام، وفي أيام نهاية الأسبوع، وتمتد لساعات طويلة. لذلك ينصح بأن يكون التدريب رشيقاً وبسيطاً ومستداماً ويمتد لدقائق يومياً لتكييف الموظفين على التعامل مع الخدمات الرقميّة وتلقي الشروحات حولها، بما يكسر رتابة المحاضرات ويزيد معرفتهم بخصائصها وفوائدها، وهو حل أفضل بكثير من ضخ معلومات مكثفة في مدة زمنية قصيرة ما قد يؤدي إلى تبخرها بسرعة. في هذا الإطار تظهر الدراسات أن الموظفين القادرين على التعامل مع أي خدمة رقمية بسهولة وفي مدة لا تتجاوز 30 ثانية سيروجون لهذه الخدمة أكثر من بقية زملائهم.
الخطوة الثانية التي تلي عملية تدريبهم وجعلهم أكثر تفاعلاً واستخداماً وفهماً للخدمات المصرفيّة الرقميّة تكمن في تدريبهم على طرق التواصل والتسويق، وهي مهمة ليست بسيطة وتتطلب الكثير من الحنكة والدقة. فعلى الموظفين ألا يباغتوا العملاء بالحديث عن الخدمة بطريقة فجائية كما لو أنهم كانوا يفرضونها فرضاً أو يجبرونهم على الإصغاء والإنتباه. من هنا ضرورة تحيّن الفرصة المناسبة التي قد تنشأ من الحديث الدائر مع العميل وشكواه من بعض الأمور. على سبيل المثال في حال شكا العميل من طول الانتظار لإتمام المعاملة بالإمكان تنبيهه إلى أن الخدمة التي قدم إلى الفرع خصيصاً لإجرائها كان بإمكانه إنجازها خلال دقائق من المنزل أو اي مكان آخر عبر تطبيق المصرف الهاتفي. وتكشف الدراسات أن 25% من العملاء الذين كانوا يجرون معاملات معيّنة في الفروع كانوا على استعداد لاتمامها من خلال الطرق الرقميّة.