في عالم الأعمال، المؤشّرات غالباً لا تكذب. غادرت سنة ٢٠١٨ لبنان بمجموعة من الأرقام والمؤشرات الصعبة التي سيبقى حضورها طاغياً في العام الجديد. من حال الأسواق في الأعياد، وحركة المبيعات وأخبار المحال والمتاجر والشركات والمؤسسات التي أغلقت ولا تزال تباعاً، إلى نسب البطالة والأرقام الصادمة للبنانيين الذين غادروا لبنان ولم يعودوا العام الماضي...الوضع أشبه بكرة ثلج تواصل تدحرجها والمقلق أنها تتضخّم حتى بات يصعب إيقافها. وفيما يتلهى المسؤولون بالتحاصص والمناكفات السياسية، يتابع لبنان انزلاقه عالمياً وإقليمياً في العديد من القطاعات والمجالات، ولسان حال الجميع أن ما نحتاج إليه فعلاً هو بعض من الحكمة أكثر من الحكومة

أسرع تراجع... في الأعياد
حتى في فترة الأزمات الاقتصادية يمكن لأشهر الأعياد أن تكون مضلّلة نظراً لما يرافقها من زيادة في الإنفاق والاستهلاك، خاصة في المجتمعات التي تتميّز بغياب الثقافة المالية كالمجتمع اللبناني، حيث يغلب منطق الترفيه على منطق التقشّف. لكن شهر كانون الأول المنصرم خالف التوقّعات وبيّن مدى تردّي الحال الاقتصادية في لبنان، رغم أنه من أحبّ الأشهر عند التجار.
بحسب مؤشّر مدراء المشتريات™ الرئيسي بلوم في لبنان لشهر كانون الأول المنصرم «انخفض مؤشر PMI بلوم لبنان من 46.7 نقطة في تشرين الثاني إلى 46.2 نقطة في كانون الأول، مشيراً إلى زيادة سرعة تدهور الأوضاع التجارية في نهاية الربع الرابع من العام.
وجاءت القراءة الأخيرة أقلّ بشكل طفيف من متوسط العام (46.3 نقطة)». بمعنى أوضح ووفقاً لمدير عام بنك بلوم إنفست الدكتور فادي عسيران «فإن كانون الأول، شهر الأعياد، شهد أسرع تراجع في حجم الطلبات الجديدة منذ ثلاثة أشهر». وبيّن المؤشر أن تراجع معدلات الطلب أدى إلى تخفيف الشركات لحجم الأعمال المتراكمة بأسرع وتيرة في الربع الرابع من العام. هذا وشهد شهر كانون الأول هبوطاً حاداً في حجم الأعمال غير المنجزة، لتمتد بذلك سلسلة التراجع الحالية إلى 42 شهراً. أما على صعيد الأسعار، فقد تسارع تضخّم تكاليف مستلزمات الإنتاج، وذلك بسبب تسارع زيادة أسعار المشتريات. في الوقت ذاته شهد معدل الأجور ركوداً بعد شهرين من النمو الهامشي. كما استمر الضغط على هوامش الأرباح مع تقليل الشركات لأسعار منتجاتها للشهر العاشر على التوالي.

غير جاذب للأعمال
بطبيعة الحال فإنّ المعطيات المذكورة لا توفر مناخاً جذاباً للاستثمار والأعمال وهو ما يظهر جلياً مع المرتبة المتدنية التي حازها لبنان في تقرير البنك الدولي الأخير عن «ممارسة أنشطة الأعمال 2019» والذي احتلّ فيه لبنان المرتبة 142 من أصل 190 دولة لناحية سهولة ممارسة الأعمال. وفيما النتائج المبهرة التي تحقّقها الإمارات العربية المتحدة لم تعد مفاجئة وهي التي احتلّت المرتبة 11 عالمياً فإنّ مقارنة موقع لبنان مع دول المنطقة تطرح علامات استفهام كبيرة حول قدرته على جذب الاستثمارات وحتى في حال الالتزام بشروط مؤتمر «سيدر» ومباشرة المشاريع الموعودة. واستناداً إلى التقرير لا يتفوّق لبنان من حيث سهولة ممارسة الأعمال إلا على الدول العربية التالية: موريتانيا (148) والجزائر (157) والسودان (162) وجزر القمر (164) والعراق (171) وسوريا (179) وليبيا (186) واليمن (187) والصومال (190)، وهي دول تعاني أساساً من حروب وغياب الاستقرار الأمني والسياسي إضافة إلى افتقارها إلى المقوّمات الاقتصادية التي يتمتّع بها لبنان. أما الفرق بيننا وبين الأردن فـ 38 مركزاً لصالح الأخير، رغم افتقاره إلى الموارد الطبيعية ومعاناته مثلنا من الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين التي خلّفتها. من جهتها أصدرت مجلة «فوربس» العالمية مؤخّراً قائمتها السنوية لـ«أفضل الدول لممارسة الأعمال لعام 2019» والتي شملت 161 دولة، واحتلّ فيها لبنان المرتبة 92 عالمياً ومن دون أيّ تعديل يُذكر عن المرتبة التي حققها العام الماضي. وعلى الرغم من أن قائمة «فوربس» كانت أرحم من قائمة البنك الدولي إلا أن النتيجة واحدة مهما اختلفت المراتب وهي أن لبنان بلد غير جاذب لممارسة الأعمال.
احتلّ لبنان المرتبة 142 من أصل 190 لناحية سهولة ممارسة الأعمال


وإذا كانت التجارة التقليدية تئنّ فلنا أن نتخيّل حال التجارة الإلكترونية. في هذا الإطار حلّ لبنان في المرتبة 64 عالمياً على مؤشّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD حول التجارة الإلكترونية بين التاجر والمستهلك لعام 2018 متراجعاً 6 مراكز عن ترتيب عام 2017. وعلى مستوى الدول العربية الـ 19 التي شملها المؤشّر تراجع لبنان أيضاً مرتبتين من المركز 4 إلى المركز 6.

الفنادق والسيارات تعاني
في ما يتعلق بالقطاع الفندقي فالوضع لم يكن أفضل حالاً، حيث أظهر تقرير صادر عن شركة EY العالمية أن نسبة الإشغال الفندقي في فنادق بيروت خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 بلغت 64.2%، بتراجع بنسبة 1.6% عن الفترة نفسها من عام 2017 حيث بلغت النسبة 65.8%. ومن أصل 14 مدينة عربية شملها التقرير حلّت بيروت من حيث معدل الإشغال الفندقي في المرتبة 6 خلف أبو ظبي (76.4%) ودبي (74.2%) والقاهرة (71.6%) ورأس الخيمة (71.3%) والمدينة المنورة (65.4%).
الوضع الاقتصادي انعكس أيضاً هبوطاً حادّاً في مبيعات السيارات الجديدة خلال عام 2018 حيث كشفت إحصاءات جمعية مستوردي السيارات في لبنان أن مبيعات السيارات الجديدة خلال الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2018 (30785 سيارة) تراجعت بنسبة 9.4% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017 (33996 سيارة).
في السياق عينه وباستثناء السيارات الصينية الجديدة التي تضاعف عدد مبيعاتها خلال الفترة المذكورة فقد هبط الطلب على السيارات الكورية الجديدة بنسبة 23.4%، وعلى السيارات الأوروبية بنسبة 11.8% وعلى السيارات الأميركية بنسبة 4.8%، وعلى السيارات اليابانية بنسبة 0.2%.

[email protected]