لا شك أن للتسوق الإلكتروني الكثير من الآثار الإيجابية لناحية توفير الوقت والجهد على الفرد لدى اختياره حاجياته. كذلك يساهم تجارياً في توسّع أعمال الشركات في بلدان ذات مساحة شاسعة دون الحاجة إلى فتح فروع جديدة لها.ومع أنّ لبنان تأخّر إلى حدّ ما في اللحاق بالركب العالمي في هذا المجال، إلاّ أنّ انطلاقته تبدو مشجّعة مع الكثير من الشركات التي أعطت حيزاً كبيراً بعد استحداثها لموقع إلكتروني يراعي متطلباته. فهل انعكس ما بات يُعرف بالـE-Commerce إيجاباً على مبيعاتها؟ وكيف أثّر على البيع التقليدي ضمن المؤسسة نفسها؟

الثقة تكبر
يرى مدير قسم القرطاسية في شركة Malik’s وائل شمندي أنّ «البيع تأثر بالتسوق الالكتروني ولكن ليس بشكل كبير في لبنان حيث لا يثق الأفراد كثيراً بهذا الموضوع خصوصاً عندما يتعلّق الأمر باستعمال البطاقات الائتمانية، إذ يقومون أحياناً بزيارة موقعنا الإلكتروني لمشاهدة المنتجات ثمّ يتصلون لاحقاً لطلب السلعة هاتفياً أو يأتون شخصياً إلى المتجر لرؤيتها».
ويضيف «بدأ العملاء مؤخراً بالثقة أكثر بالمواقع الإلكترونية لإتمام عملياتهم الشرائية. ولعلّ أحد الأسباب المؤدية إلى ذلك هو حركة الزحمة الكثيفة التي تعرقل تحركاتهم». ومع أنّ الشركة قد دخلت في غمار البيع الإلكتروني منذ فترة طويلة، إلاّ أنّه «لم يولّد أعمالاً كثيرة في البداية إلى أن تطوّرت تدريجياً عاماً بعد عام. مع الإشارة إلى تركّز الطلب الإلكتروني على الكتب بدايةً».
وعن الحسومات المرافقة للتسوّق «أونلاين»، يقول شمندي إنّ «برنامج ولاء العملاء يُخوّل حاملي بطاقاتنا Mcard الحصول على أسعار خاصة عند الولوج إلى الموقع من خلالها. كما نقدّم عروضات خاصة من وقت إلى آخر يستفيد منها المتسوّق إلكترونياً فقط. ومع أنّ حجم المبيعات في المحلات لا يزال اليوم أكبر، بدأنا نلمس مؤخراً تأثر أعمالنا بالتسوق الإلكترونيّ. لذلك نقوم بتطوير الموقع وتحديثه باستمرار، فالمستقبل يتجه أكثر فأكثر نحو اعتماد الـE-Commerce».

استقطاب زبائن جدد
بدوره، يؤكّد مدير شركة عرابي للورود شادي عرابي أنّ مبيعاته ارتفعت مع فتح المتجر الإلكتروني منذ سنة ليُكمّل متجره الموجود في السوق منذ عشرين عاماً، إذ تمكّن من «كسب حوالى 650 زبوناً جديداً، وسهّل الموقع عملية تحويل الأموال من بعض زبائن المتجر الدائمين الموجودين في الخارج لجأوا إلى الدفع إلكترونياً عوضاً عن الاتصال ثمّ تحويل الأموال بالطريقة التقليدية». وإذ ينفي إمكانية الاستعاضة عن فتح فرع جديد من خلال الاعتماد على المتجر الإلكتروني، يرى في هذا الصدد أنّ التسوق الالكتروني مساعد لعملهم وليس أساسياً فيه: «يخلق نوعاً جديداً من الزبائن الذين لا يستطيعون المرور على المحل بسبب وجودهم في العمل أو خارج البلد. وتُضاف هذه الفئة إلى الزبائن اليوميين التقليديين الذي يقصدون المتجر لشراء الورود، وهو ما يؤدي إلى زيادة المبيعات».
وعن كلفة الموقع، يلفت عرابي أنها «تُوازي كلفة إيجار محلّ في ظلّ الاعتماد الجوهريّ على الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الـgoogle adds والتي بدونها لن يتمكّن أحد من تصفّح الموقع»، شارحاً أنّ «مبلغ 15000$ كفيل بإطلاق المتجر الإلكتروني مع دفعات شهرية تلامس الـ2000$. ويبقى الأساس هو المنتجات التي يتمّ توفيرها تماماً كما هي معروضة»، لافتاً الى أنّ «الخدمات الموجودة على موقعه غير متوافرة في المتجر فأسعار توصيل المنتجات المطلوبة عبر الإنترنت أرخص من تلك المقدّمة في المتجر».

المتجر الإلكتروني فرع صغير
من جهته، يعتبر صاحب محلات «Tezkar» عبد فوزي أنّ «قسماً كبيراً من المواطنين يخافون من الدفع الإلكتروني ومن الغشّ أو من أن تكون البضاعة المعروضة على الموقع مغايرة لتلك الموجودة في المتجر، كذلك يخافون من أن يأتي شخص غريب إلى منزلهم لتسليمهم البضاعة. لذلك يشاهدون المنتجات على الموقع ثمّ يقصدون المتجر لشرائها، مع العلم أنّ «تذكار» الذي أتاح منذ عامّ 2014 التسوق الإلكتروني على موقعه، يتعامل مع شركة توصيل موثوقة لكسب ثقة الزبون ويسمح لهذا الأخير بإمكانية الدفع نقداً عند تسلم البضاعة المطلوبة».
وبالنسبة إلى كلفة المتجر الإلكتروني، يشدّد على «ارتباطها بحجم الموقع والعاملين فيه. وتكون مرتفعة في الفترة الأولى نظراً إلى أكلاف برمجة الموقع وإدخال المعلومات وتفاصيل المنتج بعد التصوير العالي الجودة والتحديث المستمرّ. وبالمجمل تُعتبر تكلفة موقع صغير متدنية إذ يمكن إدارته من قبل شخص واحد متفرغ له. وليبقى ناجحاً، يجب عرض بضاعة جديدة بشكل يومي لأن الزبون يتصفحه بدقائق وبالتالي يملّ إذا لم يشاهد منتجات جديدة، فأكثر زبون مخلص لا يقصد المحل يومياً بينما يمكنه الولوج إلى الموقع كل خمس دقائق».
وعن إمكانية أن يحلّ المتجر الإلكتروني مكان الواقعيّ، يشرح استغناءهم عن «سبعة محلات صغيرة نسبياً لصالح محل كبير نظراً إلى عدم استيعاب المتجر الصغير لكميات المنتجات المعروضة. من هنا، يعتبر المتجر الإكتروني فرعاً صغيراً ولكن لا يمكن مقارنته بمحلنا الجديد».

غياب الحماسة
وبالانتقال إلى شركات الألبسة، تؤكّد إحداها (بدأت منذ أربع سنوات هذه التجربة)، غياب ثأثير البيع الإلكتروني على حجم أعمالها بغياب حماسة المواطنين للشراء الإلكتروني، إلا بحالتي الحسومات أو بعد رؤية القطعة في المحل. فالألبسة أو الأحذية تحتاج إلى قياس وهناك تخوف من عدم ملاءمة القطعة المطلوبة، فتضطرّ المؤسسة إلى القيام بعروضات خاصة على موقعها وتوصيل المنتجات المطلوبة مجاناً لتشجيع الأفراد على الشراء. فكيف يمكن تحليل سلوك العملاء تجاه هذه الظاهرة؟

بحسب العمر والمنتج
تُذكّر الخبيرة في التسويق الإلكترونيّ جولي سماحة القارح بأنّ «الفئة العمرية من 16 الى 35 عاماً تستعمل بكثافة الإنترنت وتهتمّ بشراء المنتجات عبرها. انطلاقاً من هنا، انعكس التسوّق الإلكترونيّ نسبياً على البيع التقليدي حسب منتجات الشركة نفسها. مثلاً، ولدى إطلاقها خدمة الشراء الإلكترونية، تحاول شركة ألبسة كلاسيكية استهداف الشباب الذين لا يقصدون بالعادة متاجرها، وهو ما سينعكس إيجاباً على مبيعاتها ويدفعها إلى تغيير استراتيجيتها تماشياً مع أذواق الشباب. بالمقابل، تمتدّ الشريحة العمرية التي تهتمّ بشراء الأدوات الكهربائية من الـ20 وحتى الـ80 عاماً، أي أنّ البيع عبر موقع الشركة المعنية على الإنترنت لن يتمكّن من استهداف فئة جديدة، بل سيجذب من كان يتوجّه سابقاً إلى المتجر توفيراً للجهد، خصوصاً من ناحية اختيار وتوصيل المنتج الكهربائي مباشرة إلى منزله».
بدأ العملاء مؤخراً بالثقة أكثر بالمواقع الإلكترونية لإتمام عملياتهم الشرائية


ومع أنّ الـE-Commerce لا يزال ضعيفاً في لبنان، تشير إلى «إمكانية الاستفادة القصوى للشركات في حال التركيز على التسويق الإلكترونيّ الذي يُمكّنها من الوصول إلى أبعد منطقة في لبنان لا يوجد بجوارها فروع لها، وهو ما سيتيح السيطرة التجارية عليها. ومن ناحية الكلفة، ستحقّق المؤسسة بالنهاية أرباحاً كبيرة، فعوضاً عن فتح متجر جديد لها بتكلفة جدّ مرتفعة، سيُمكّنها المتجر الإلكتروني من شحن المنتجات مباشرة من المورّد إلى العميل بدلاً من تكديس البضائع في مخازنها. وهكذا، ستوفّر كلفة الإيجار وعناصر التشغيل الأخرى، إضافة إلى توفير رواتب الموظفين. من جهة أخرى، وإضافة إلى جذب عملاء جدد في المناطق التي لا توجد فيها، لن تخسر الشركة من مناطق وجودها، إذ إنّ الزبون سيستمر بإدخال الأموال إليها أكان في المتجر أو عبر التسوّق الإلكتروني، وستصبح لديه خيارات أوسع وبالتالي وفياً أكثر لها».

التجارة الآمنة
يرتبط الدفع الإلكتروني الآمن في دول العالم كافة حسب القارح «بالخدمات المصرفية المقدّمة فيها والتي تستطيع اكتشاف أي عملية تزوير ممكنة. في لبنان، بدأت المصارف حديثاً باعتماد نظام الحماية ثلاثية الأبعاد (3D-Secure) للبطاقات الائتمانية لرفع درجة الأمان عند الدفع عبر رقم سري يُستعمل مرة واحدة فقط ويصل كرسالة قصيرة SMS إلى رقم محمول العميل المُسجل لدى البنك، وعليه إدخاله للتمكّن من إنجاز عملية الدفع.
من هنا ضرورة اعتماد هذه الميزة من قبل المتاجر اللبنانية الإلكترونية لتقليص عمليات التزوير ولتكون معاملات الشراء التي تجري عبرها آمنة مئة بالمئة، فتستطيع عندها منافسة المتاجر في الخارج. ومن غير المحبز استعمال بطاقات الائتمان للدفع الإلكتروني لسهولة سرقة تفاصيل العميل عبرها».
وعن تقييمها لسلوك المواطن، تقول القارح: «للأسف، ليس هناك من وعي كاف في لبنان لأهمية «الأونلاين»، والدليل هو العدد المتدني من الشركات التي اتجهت إلى هذا النوع من الأعمال. لذلك، يجب تثقيف المواطن حول ماهية البيئة أو التجارة الإلكترونية ليتشجع على إتمام عملية الشراء الإلكترونية توفيراً للوقت والجهد بدلاً من التوجّه إلى المتجر مع إمكانية عدم إيجاد طلبه». كما يمكنه أخيراً المقارنة الدقيقة إلكترونياً بين مواصفات عدة أصناف متشابهة بدلاً من الاستعانة بموظف المبيعات الذي قد يُقدّم معلومات منقوصة.

* [email protected]