حسم المجلس الدستوري في لبنان يوم الخميس المنصرم الجدل حول المادة 49 من الموانة العامة لعام 2018 من خلال تقريره بإجماع أعضائه تعليق العمل بهذه المادة التي كانت تمنح حق الإقامة لكل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان. وبعيداً عن السجال الذي أثارته هذه المادة وخاصة لناحية اعتبارها تمهيداً للتوطين، فمن المشروع التساؤل لماذا قد يسعى أي كان للتملك في لبنان والبحث عن إقامة فيه سواء أكانت مؤقتة أم دائمة؟ ما هي المنفعة التي يكسبها؟ وما هو العائد على استثماره؟ يبيّن الواقع وبغض النظر عن السجالات السياسية أن اللبناني المتمكن كما الأجنبي يفضلون شراء العقارات والاستثمار في بلدانٍ أوروبية وحتى في جزر في أقاصي المعمورة بحثاً عن إقامة وجنسية...
عقد في فندق فينيسيا بين 23 و25 نيسان الماضي معرض بيروت الدولي للعقارات بنسخته الخامسة الذي تمحور حول الإقامة والجنسية من خلال الاستثمار العقاري والمالي. بالمختصر ضم المعرض شركات عقارية كانت تعرض على اللبنانيين شققاً وفيلات ومساكن على أنواعها في دول معيّنة ووفق سعر معيّن يتيح لهم الحصول على الإقامة وحتى جنسية هذه الدول.

كلفة التملك في بيروت
تبيّن دراسة صادرة عن شركة InfoPro أن الطلب الأساسي على المساكن في بيروت الكبرى عام 2017 تركّز على الوحدات السكنية التي تتراوح مساحتها ما بين 100 إلى 149 متراً مربعاً (46%)، وبنسبة 25% للوحدات السكنيّة التي تتراوح مساحتها ما بين 150 و199 متراً مربعاً، فيما بلغت نسبة الطلب على الوحدات السكنية التي تتراوح مساحتها ما بين 200 إلى 249 متراً مربعاً 3% فقط.
وبما أن الطلب بنسبته الكبرى تمحور على الوحدات السكنية ذات المساحة التي تتراوح ما بين 100 إلى 149 متراً مربعاً سنعتمد مساحة 125 متراً مربعاً كرقم وسطي لتتبع الكلفة التقريبية للشقق في بعض مناطق بيروت وضواحيها. وفقاً للدراسة بلغ سعر متر الأرض في منطقة الأشرفية 3300 دولار عام 2017. إذاً فإن كلفة وحدة سكنية مساحتها 125 متراً مربعاً في الأشرفية تكون 412500 دولاراً أميركياً. رقم مهول لوحدة سكنية بهذه المساحة بالكاد قادرة أن تؤوي عائلة من 4 أشخاص.
في وسط بيروت حيث يبلغ سعر المتر المربع 6400 دولار تكون تكلفة وحدة سكنية مساحتها 125 متراً مربعاً 800 ألف دولار!
في انطلياس مثلاً وحيث متر الأرض يصل إلى 2000 متر مربع يكون المواطن بحاجة إلى 250 ألف دولار لشراء شقة مساحتها 125 متراً مربعاً. حتى في مناطق قد تعد شعبية كالحدث وعين الرمانة تبلغ الكلفة لوحدات سكنية بهذا الحجم 206 ألف دولار و196 ألف دولار على التوالي!!!

...وفي اليونان
تتيح اليونان بحسب القانون 4251/2014 للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي ولأفراد أسرتهم (الأطفال حتى سن 21 ووالدي الزوجين) الحق بالحصول على الإقامة والوصول إلى منطقة شنغن في حال شرائهم عقاراً تتجاوز أو تساوي قيمته 250 ألف يورو. واللافت أنه لا يشترط أن يتملك الشخص عقاراً واحداً سعره الأدنى 250 ألف يورو، إذ يسمح القانون اليوناني بالحصول على الإقامة إذا ما كان يملك الشخص عقاراً واحداً أو أكثر شرط أن نساوي قيمتها المجتمعة 250 ألف يورو أو أكثر. ولا يميّز القانون بين العقارات السكنية والتجارية طالما أنها تلبي شرط السعر المذكور أعلاه.
وفقاً للشركات العقارية اليونانية التي وجدت في المعرض في فندق فينيسيا فإن مبلغ 250 ألف يورو في اليونان يخول الشخص شراء عقار في قلب العاصمة أثينا وفي أحيائها الغنية أو شراء فيلا في إحدى الجزر اليونانية الخلابة.
ومن مميزات القانون اليوناني أنه لا يشترط أي حد أدنى للدخل الشخصي، ولا أي متطلبات للغة كأن يكون الشخص متمكناً من اللغة اليونانية. ومن فوائده أيضاً أنه يسمح لحاملي الإقامة الحصول على فرص التعليم العام على غرار المواطنين اليونانيين، كما وإمكانية سحب رهن على الممتلكات. كذلك يحق لمن يشتري عقاراً أن يؤجره وبالتالي الاستفادة منه للحصول على مداخيل إضافية.

قبرص... إقامة وجنسية
يكفي القيام باستثمار عقاري أو تملك عقار في قبرص بقيمة 300 ألف يورو كحدّ أدنى لكي يستفيد المستثمر أو الشاري من الإقامة الدائمة التي يستحصل عليها خلال مدة شهرين فقط. يستفيد من الإقامة في قبرص أفراد الأسرة في حالة المتزوجين إضافة إلى والدي كلا الزوجين وأولادهم حتى عمر 18 أو حتى عمر 24 في حال كانوا لا يزالون تحت رعاية الأهل أو يعانون من إعاقة أو في حال كانوا يتابعون تحصيلهم الجامعي.
لكن وعلى خلاف اليونان يشترط للاستفادة من الإقامة الدائمة في قبرص أن يقوم الشخص المعني إضافة إلى شراء العقار أن يحتفظ بوديعة في مصرف قبرصي لا تقل قيمتها عن 30 ألف يورو لمدة 3 سنوات يسترجعها بعد انقضاء المدة. ويضاف إلى الوديعة 5 آلاف يورو عن كل ولد و8 آلاف يورو عن كل من أهل الزوجين في حال الرغبة بمنحهم الإقامة. كما يشترط أن يبرهن الشخص على مدخول سنوي ثابت لا يقل عن 30 ألف يورو.
الفريد في قبرص أن القانون يسمح لمن يستثمر بمبلغ لا يقل عن 2 مليون يورو الحصول على الجنسية القبرصية سواء أكان الاستثمار عقارياً أو تجارياً. وما يميّز هذا العرض أن الاستثمار بهذا المبلغ يكفي أن يمتد لثلاث سنوات فقط، يمكن بعدها للمستثمر أن يبيع العقار بشرط أن يشتري عقاراً آخر بقيمة 500 ألف يورو.
بمبلغ 100 ألف دولار يمكن الحصول على جنسية جزيرة دومينيكا


بحسب مسؤولة المبيعات في شركة Plus Properties المتخصصة في التطوير العقاري في قبرص إليان عازار فإن أعداد اللبنانيين الذين يقبلون على شراء العقارات في قبرص تتزايد باطراد، وإن كان بعضهم يشتري عقارات تقل قيمتها عن 300 ألف يورو وبالتالي لا يكون هدفهم الحصول على الإقامة بل فقط التملك في بلد أجنبي طالما أن إمكاناتهم المادية تسمح لهم بذلك. ووفقاً لعازار فإن شركة Plus Properties تمتلك 18 مشروعاً عقارياً في ليماسول ولرنكا بيع منهم بالكامل 2 من أصل 4 في ليماسول و5 من 14 في لرنكا. وفيما الإقبال بأغلبيته الكاسحة هو من قبل اللبنانيين في ليماسول فإن الزبائن في لرنكا التي تعد أغلى بنسبة 40% تتضمن إضافة إلى اللبنانيين الميسورين، صينيين وروس.

جنسية جزر نائية
أما في تركيا وعلى ما يقول الشريك المسؤول في شركة نخال المطوّرة للعقارات في تركيا رمّاح طعان يكفي أن يشتري الشخص عقاراً مهما كانت قيمته لكي يحصل على الإقامة. أما لمن يرغب بالحصول على الجنسية التركية فيكفي أن يشتري عقاراً بقيمة مليون دولار أميركي لكي يحصل عليها. لكن ووفقاً لطعّان هنالك مشروع قانون سيدرس في الشهر الجاري تخفيض قيمة الاستثمار العقاري الذي يخول صاحبه الحصول على الجنسية التركية من مليون إلى 300 ألف دولار.
المضحك المبكي في الموضوع أن أعداداً لافتة من الناس كانت تتجمع أمام القسم المخصص لجزيرتي دومينيكا وسانت كايت ونيفيس للاستفسار عن العروضات التي تقدمها كلا الجزيرتين. جميع السائلين لا يعلمون أين تقع الجزيرتين تحديداً وأغلبهم سمع بهما للمرة الأولى. لكن لماذا هذا الاهتمام وخاصة بدومينيكا؟ فالسبب يعود لكون الجزيرة الواقعة في منطقة الكاريبي والتي تبلغ مساحتها 751 كيلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها 73500 شخصاً فقط تتيح لمن يتبرع إلى حكومتها بمبلغ 100 ألف دولار غير قابل للاسترداد بالحصول على الجنسية. أما في سانت كايت ونيفيس يكفي تبرع فردي بقيمة 250 ألف دولار للحصول على جنسيتها.
في الخلاصة، يمكن لكل من إخافته المادة 49 أن يطمئن. ليس لأن مشاريع التوطين غير مطروحة، لكن لأنه وببساطة يكفي المرء 250 الف يورو أي حوالى 300 ألف دولار لتملك فيلا في جزيرة من جزر اليونان الساحرة أو شقة في أفخم أحياء العاصمة أثينا بدل أن يدفع 412 ألف دولار لتملك قن دجاج في الأشرفية والاستفادة من الإقامة والتنقل في منطقة شنغن بحرية. المخيف فعلاً ليس التوطين بل إن هنالك مواطنين لبنانيين على استعداد للتبرع بمبلغ 100 ألف دولار لجزيرة دومينيكا التي لا يعلم أحد أين تقع فقط للحصول على جنسية أخرى!

* [email protected]