أريد من العولمة أن تقرّب المسافات بين الدول والشعوب وتلغي الحواجز الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لتجعل من كوكب الأرض «قرية صغيرة». واليوم، مع الحديث عن «حرب باردة» جديدة أو «حروب باردة» مع تصاعد النفوذ الروسي والقوة الاقتصادية المتنامية للصين وبروز الحركات القومية المتشددة في أنحاء عدة من العالم وخاصة في أوروبا، تعود العولمة إلى واجهة الأحداث لنرى إن كان العالم أصبح بحق «قرية»، أو يتجه أكثر فأكثر ليصبح عبارة عن «قرى» متجاورة لكل منها نظمها الخاصة.
للعولمة اتجاهات عدة ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية. من الناحية الاقتصادية لطالما تحدث مناهضو العولمة عن دورها السلبي في زيادة الفروقات بين الشعوب والمجتمعات، وبين أفراد المجتمع الواحد وبأنها وبدل أن تخدم الجميع لم تحقق إلا مصالح القلة من كبريات الشركات العالمية. وبين أخذ ورد، وحجة وحجة مضادة، تبرز أهمية التقرير الذي أعدته شركة PWC والذي استطلعت فيه آراء 1293 رئيساً تنفيذياً من 85 دولة يقبعون على أعلى هرم أبرز الشركات من حول العالم، لكونه يستطلع من يفترض بهم أن يكونوا «المستفيدين» من العولمة، وعلى ما يقال «من فمهم تدينهم».

الغلبة للأغنياء

يكشف التقرير أن حوالى 39% من الرؤساء التنفيذيين من حول العالم يعتقدون أن «العولمة لم تساهم على الإطلاق في ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء»، مقابل 41% رأوا أنها ساهمت في ردم الهوة «إلى حدٍ ما»، فيما 19% فقط اعتبروا أنها ردمت الهوة «إلى حدٍ كبير».
من حيث توزّع الرؤساء التنفيذيين على مناطق العالم وقاراته عّبر 60% من الرؤساء التنفيذيين في إفريقيا أن العولمة «لم تساهم على الإطلاق في ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء». وإذا كان هذا الرأي يبدو مفهوماً نظراً لواقع الحال في القارة السمراء إلا أنه من اللافت أن 43% من نظرائهم في أميركا الشمالية و40% في أوروبا الغربية كان لهم وجهة النظر نفسها.
(أنظر الجدول).

في السياق عينه يبيّن التقرير، للمرة الأولى منذ بدأت الشركة في استطلاع آراء الرؤساء التنفيذيين حول العالم عام 2012، أن غالبية هؤلاء عبروا عن إيمانهم بأن النمو الاقتصادي العالمي سيشهد «تحسناً» خلال الأشهر الـ 12 المقبلة. وعلى مستوى العالم بلغت الزيادة في نسبة المتفائلين 97% مقارنةً بعام 2017 لتقفز من 29% إلى 57%. لكن هذا التفاؤل بتحسن النمو الاقتصادي العالمي لا يبدو أنه سينعكس على العدد الأكبر من السكان كون 46% من الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم ككل اعتبروا أن التحسن في النمو الاقتصادي سيفيد عدداً قليلاً فقط من الناس.

عالم أكثر انقساماً

أحد أهداف العولمة كما أشرنا هو ربط العالم مع بعضه البعض إلا أنه، بحسب الرؤساء التنفيذيين المستطلعة آراؤهم، فإن العالم يتجه إلى المزيد من الانقسام، والخصوصية عوض الشمولية وتحديداً في النواحي الاقتصادية والثقافية.
اقتصادياً اعتبر 73% من الرؤساء التنفيذيين أن العالم يتجه نحو تشكيل تكتلات اقتصادية إقليمية، و60% قالوا إن العالم سيشهد بروز نماذج اقتصادية متعددة. فيما رأى 54% أن العالم سيشهد زيادةً في استخدام الضرائب. أما من النواحي السياسية والثقافية فقد قال 82% من الرؤساء التنفيذيين إن العالم يتجه نحو تعدد في المفاهيم والقيم بينما اعتبر 69% منهم أن المشاعر القومية إلى ازدياد.
(الأخبار)

* [email protected]