هناك اعتقاد سائد بأن المجمعات السكنية المغلقة بنيت للميسورين كدلالة على نمط حياة معيّن هو حكر على فئة اجتماعية محددة. ورغم أن هذا الاعتقاد يلامس الحقيقة إلى حد كبير، خصوصاً أن القسم الأكبر من قاطني بعض هذه المجمعات من الميسورين، إلا أن أعداداً متزايدة من الناس ــــ وتحديداً من أبناء الطبقة الوسطى ــــ باتوا يبحثون عن هذا النوع من المشاريع السكنية، كما أن بعضاً من هذه المشاريع يقدم أسعاراً تناسب شرائح اجتماعية أوسع لمواكبة الزيادة في الطلب.
تعريفها

دراسات عدة تناولت المجمّعات السكنية المغلقة، ما أثمر تعدداً في التعريفات والمصطلحات التي حاولت مقاربة هذه المشاريع. بعض التعريفات أضاءت عليها من باب الفئة الاجتماعية لسكانها ومقدراتهم المالية، وهو يصح ولكن بشكل جزئي في ظل الطلب المتزايد من قبل فئات اجتماعية متنوعة. دراسات أخرى شددت على الخدمات، سواء أمنية أو ترفيهية، التي توفرها هذه المجمعات، إضافة إلى المنحى البيئي الذي يطغى على غالبيتها.
بشكل عام، يمكن تعريف المجمعات السكنية المغلقة بأنها مشروعات سكنية تتميز بالتركيز على الجوانب الأمنية بحكم أنها مغلقة بأسوار وبوابات وتضم حراساً مولجين توفير الحماية لسكانها والتحكم بالدخول والخروج منها، وتؤمن لقاطنيها خدمات حيوية متعددة كالكهرباء والماء والانترنت، وخدمات ترفيهية كالمسابح والنوادي الرياضية والملاعب الرياضية وملاعب للأطفال وغيرها...
وقد تختلف هذه المجمعات من حيث الوحدات السكنية التي تضمها. ففيما البعض منها يقتصر على عمارات مؤلفة من شقق، فإن البعض الآخر والأكبر مساحة قد يضم إضافة إلى الشقق، فللاً و«بنتهاوس» (شقة في أعلى المبنى ملحق بها مسبح خاص في بعض الأحيان وتراس).

الحرب الأهلية... البداية

في دراسة بعنوان Gated housing estates in the Arab World: case studies in Lebanon and Riyadh, Saudi Arabia نشرت عام 2002 لكل من جورج غلاسزي وعبدالله الخيال، يعيد الباحثان البذرة الأولى للمجمعات السكنية المغلقة في لبنان إلى «الشاليهات»، التي وإن كان لا يصح تسميتها بمجمعات سكنية مغلقة إلا أنها شكلت قاعدة الانطلاق لهذه الأخيرة.
وفقاً للدراسة بدأت ظاهرة المجمعات السكنية المغلقة بالانتشار في لبنان، وتحديداً في منطقة كسروان، في ثمانينيات القرن الماضي كنتيجة للحرب الأهلية مع لجوء العديد من النازحين إلى «الشاليهات» بحثاً عن الأمان النسبي الذي كانت توفره والخدمات التي تقدمها والتي كانت منعدمة جرّاء الحرب وأبرزها الماء والكهرباء. ومع الإقبال المتزايد على «الشاليهات» طلباً للأمن والرفاهية المفقودة لجأ المطورون العقاريون إلى بناء مجمعات سكنية مغلقة مؤلفة من شقق ذات مساحات أكبر لمواكبة الطلب.
وبحسب إحصاءات إدارة الإحصاء المركزي في لبنان، تظهر الدراسة أنه في عام 1996، 9% فقط من جميع مباني محافظتي بيروت وجبل لبنان كان يتوافر فيها بئر مياه و12% تضم مولد كهرباء خاصاً، فيما، في المقابل، كانت جميع المجمعات السكنية المغلقة تتمتع باكتفاء ذاتي مائي وكهربائي.

بدأت المجمعات السكنية المغلقة بالانتشار في لبنان
كنتيجة للحرب الأهلية

وعلى رغم مرور حوالى ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الأهلية إلا أن المسببات التي أكسبت المجمعات السكنية المغلقة جاذبيتها لا تزال هي عينها، وهو ما يفسر، بحسب نائب رئيس شركة MENA Capital العقارية وسام حبشي، «الحركة الأفضل نسبياً التي تشهدها هذه المجمعات مقارنةً بغيرها من المشاريع العقارية»، والتي «ما كانت شهدت هذا الإقبال لو أن الخدمات العامة الأساسية من كهرباء ومياه وحدائق عامة متوافرة في لبنان. وهو ما يعزز من فرص انتشارها أكثر في لبنان مع تآكل المساحات الخضراء وغياب أي أفق إيجابي لحلول جدية على مستوى البنى التحتية».

إقبال كبير

أحد أبرز المشاريع العقارية المغلقة في لبنان هو «بيت مسك» الذي بات أشبه بقرية بكل معنى الكلمة. افتتح المشروع في تموز 2009 و«بدأنا بالبيع في يوم الانطلاق» على ما تقول مديرة المبيعات نادين كيروز. يتألف «بيت مسك» من 1600 وحدة سكنية موّزعة بين شقق وفيللات وتاون هاوس وأراضٍ للبيع يمكن لمن يشتريها أن يبني عليها فيلا وفق التصميم الذي يختار. وقد بيعت منذ عام 2009 نحو 600 وحدة سكنية. وتوضح كيروز أن «المبيعات عرفت استقراراً وثباتاً طوال كل الأعوام. أعوام الذروة كانت في 2009 و2010 و2011، فيما كانت 2016 الأسوأ. وفي العام 2017، تحسن الوضع، ولم نتأثر بالركود الذي تشهده السوق العقارية في لبنان». رجل الأعمال جورج شهوان، المدير التنفيذي لشركة «بلاس بروبرتيز ليبانون» المطوّرة لمشروع «تلال بحرصاف» ، يلفت الى أن «75% من الوحدات السكنية التي يتضمنها المشروع تم بيعها، مع العلم أننا بدأنا بتسليم الشقق منذ عامين فقط». أما مجمع Limar Village في منطقة ساحل علما في كسروان، وبحسب مدير المرافق في المشروع ميشال الحاج، فقد عرف مرحلتين: «الاولى انتهت منذ سنتين وتتألف من 8 مبانٍ تضم 90 شقة تتراوح مساحتها بين 200 و400 متر مربع وقد بيع منها 60 شقة، مع أن الرقم كان ليكون أكبر خلال هذه المدة القصيرة لو أن الشقق كانت أصغر من حيث المساحة. أما المرحلة الثانية فبدأ العمل فيها وتضم 60 شقة مساحتها بين 175 و200 متر مربع وقد بيع منها 25 حتى الآن على الخريطة».

أسعار مقبولة

لا تبرز أهمية المبيعات إلا إذا ربطناها بالأسعار في هذه المجمعات. بطبيعة الحال فإن سعر المتر المربع في هذه المجمعات ليس بالرخيص، لكنه إذا رُبط بالخدمات والتسهيلات المتوافرة يبدو منطقياً. مع هذا فإن السعر المرتفع نسبياً لا يبدو أنه شكل عائقاً أمام نمو هذه المشاريع وارتفاع نسب مبيعاتها.
يشدد شهوان على أن «المجمّع موجه لفئة معيّنة من الزبائن، وذلك بحكم المواصفات العالية التي استخدمت في البناء والتصميم. وعلى رغم أن مساحة الشقق ليست صغيرة إذ تتراوح مساحتها بين 200 و300 متر مربع والأسعار تبدأ من 400 ألف دولار، إلا أننا نجحنا في بيع ثلاثة أرباع المشروع خلال مدة قياسية». ويؤكد أنه «لو اعتبرنا أن الشقة في مشروع تلال بحرصاف تصلح للسكن فقط لفصل الصيف فمما لا شك فيه أن السعر سيعدّ مرتفعاً. لكن ما يميز المشروع أنه على مقربة من بيروت وفي منطقة هادئة وتتمتع ببيئة مثالية ويسهل الوصول إليها خلال دقائق بحكم وجود أوتوستراد المتن السريع. لذا فإن السعر يعد منطقياً كون الشقق صالحة للسكن على مدار العام، من دون أن ننسى توافر حرس، وصيانة مستمرة على مدار الساعة وملاعب للاولاد، ومسبح ونادٍ رياضي وطبعاً الكهرباء والمياه وتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة».
أما في «بيت مسك» فيبلغ سعر متر الأرض بحسب كيروز «1200 دولار. وبالإجمال يبدأ سعر الشقق من 220 ألف دولار، وهو رقم مقبول نظراً للمرافق التي يتضمنها المشروع والخدمات التي يحصل عليها المشتري ومن أبرزها: حديقة كبيرة للأولاد، مهرجانات كل صيف، مسبح، ناد رياضي سيفتتح العام المقبل، إضافة إلى طاقة شمسية متوافرة في كل الوحدات السكنية. كما أن للمشروع شركة خاصة تتكفل بجمع النفايات وفرزها بطريقة صحية وعلمية، ونحن لم نتأثر بأزمة النفايات التي شهدها الوطن. وبيت مسك هو أول مشروع في لبنان يؤمن الشوفاج على الغاز في جميع الوحدات، إضافة إلى أنه أول مشروع سكني يؤمن إطلاق الانترنت عبر الألياف البصرية، إضافة الى مولدات خاصة تؤمن الكهرباء 24/24 وبئر ماء كبير يؤمن المياه للمشروع».
وفي حين قد تبدو كلفة الصيانة السنوية عائقاً يحد من جاذبية هذه المشاريع إلا أن كلفة الصيانة بالإجمال لا تتخطى حدود المعقول وتبقى في المتناول. وفي الإجمال فإن الكلفة السنوية للصيانة في معظم هذه المجمعات لا تقل عن 10 دولارات على المتر المربع الواحد. وبالتالي لشقة مساحتها 150 متراً مربعاً تبلغ كلفة الصيانة السنوية حوالى 1500 دولار أو في الحد الأقصى 2000 دولار وهو رقم معقول لمن يبحث عن نمط حياة كهذا.

* [email protected]