تُخيّم صورة ضبابية على مدى استفادة الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين اللّبنانيين من الفرص الاقتصادية «الكبيرة» التي يمكن اقتناصها حالياً في الدوحة. في جولة على المعنيين بالأمر من شركات ورجال أعمال ومستثمرين ومسؤولين، يُستشفّ غياب للمبادرات المنظّمة ضمن إطار الهيئات الاقتصادية الفاعلة، مردّه الخوف من الانزلاق في أتون خلافات سياسية ستسيء إلى الاقتصاد اللّبناني عوضاً عن دعمه.
ومع أنّ جودة الصناعة اللّبنانية قد أوصلتها إلى كثير من أسواق العالم، إلّا أنّ الحذر هو سيّد الموقف اليوم. وتعود حساسية الوضع وصعوبته إلى كون التصدير إلى قطر (يقيم فيها حوالى 24 ألف لبنانيّ) قد يسبب مشاكل مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنّ التصدير إلى السعودية قد يغيظ قطر. لذلك، يبدو الأهمّ هنا هو تأمين مصلحة لبنان. وتبقى المبادرات الفردية هي الكفيلة بالولوج إلى سوق استثماريّة قد تدرّ الكثير في حال بقاء الموقف الخليجيّ تجاه «دولة الغاز» على حاله أو تفاقمه. أمّا في حال التوصّل إلى تسوية سياسية، فمصير الاستثمارات اللبنانية الجديدة في الأغلب قد يكون الخسارة والفشل، وهو ما يُحسب له ألف حساب، ولعلّه الكامن وراء غياب ملموس لاندفاعة مرجوة. في هذا السياق، تقول مصادر مطلعة إنّ دراسات يتم إعدادها حالياً لمعرفة حقيقة الأوضاع والأصناف المستوردة لوضعها بتصرّف المصدرين اللبنانيين المحتملين.
بعيداً عن اتفاقية التيسير التي تتصف بطابعها العموميّ، يصعب على لبنان الرسميّ توقيع اتفاقية تجارية ثنائية في قطاع محدّد مع قطر في ظلّ سياسة الحياد المنتهجة خوفاً من انزلاقه في متاهات قد تُضيّق عليه لاحقاً. وفرضاً، إن استطاع القطاع الخاصّ لعب الدور المنشود في هذا الإطار، تبقى كلفة النقل مرتفعة ولن يحلّها إلّا تأمين الدولة لعبّارات تنقل المنتجات بحراً، وهو ما قد يتمّ وضعه أيضاً في خانة الدعم الرسميّ لقطر.

لا نيّة للاستثمار

يستبعد وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري في حديث مع «الأخبار» وجود نيّة لدى الشركات اللبنانية للاستثمار في قطر، إذ أنّ المشاكل التي تعاني منها الدوحة «تجعل المستثمر يحسب ألف حساب قبل توظيف أمواله بسبب العقوبات المفروضة عليها، وانطلاقاً من كون الشركات الموجودة حالياً في قطر تشعر بالضيق، فكيف بالشركات الجديدة التي تخطّط للقيام باستثمارات جديدة؟».

لا يوجد نيّة لدى الشركات اللبنانية للاستثمار في قطر

وعن إمكانية تصدير المحاصيل الزراعية إليها، يُشدّد خوري على استفادة محدودة على عكس قطاعات أخرى،«فالخضار تفنى، عدا عن كون الحدود مغلقة، ما سيتطلّب وقتاً أطول وكلفة أكبر للتوريد إلى البلدان العربية». وبالنسبة إلى البضائع التي يمكن تصديرها، ينتظر إحصاءات الجمارك التي ستصله قريباً كي يتمكّن من المقارنة بين الكميات المُصدّرة قبل الأزمة وبعدها للبناء عليها وتحديد الزيادة إن وُجدت.

تحييد لبنان

في سياق متصل، يرى الخبير في العلاقات الدولية الدكتور خليل حسين أنّه لغاية الساعة، «هناك ترتيب في الدوائر السياسية المغلقة لتحييد لبنان عن أزمة العلاقات القطرية الخليجية»، معتبراً أنّه «سيبقى بمنأى نسبياً عن الأخطار المباشرة إلّا إذا توتّرت الأمور أكثر وطلبت منه قطر أخذ موقف محدّد من الأزمة».
ويُرجع حسين التأثير الاقتصاديّ المحتمل على لبنان إلى يوم تنقطع فيه التحويلات المالية المتأتية من بعض اللبنانيين الموجودين في قطر، إذ يتمثّل أسوأ سيناريو بطرد العمال والخبراء اللبنانيين «فنفقد إمكانية التحويلات المالية ويُشكّلون عندها ضغطاً هائلاً على الداخل اللبنانيّ».

القطاع الخاصّ يقرّر

بدوره، يوضح الخبير الاقتصاديّ الدكتور إيلي يشوعي أنّ لبنان لم يقاطع الدوحة وظلّ على الحياد وهذا يعني أنّ قطر والسعودية لا تزالان مفتوحتين أمامه، "وهو ما يُمثّل أمراً مهمّاً بالنسبة إلى لبنان الذي من مصلحته أن يكون على مسافة واحدة من كلّ دول الشرق الأوسط بما فيها إيران، ما عدا إسرائيل. انطلاقاً ممّا سبق، لن يتهدّد اللّبنانيون الذين يعملون في قطر في أعمالهم أو وظائفهم وهو ما يُشكّل أمراً إيجابياً».
من ناحية أخرى، يمكن للمصدرين اللبنانيين الاستفادة من الوضع ولكن على الصعيد غير الرسميّ «فإذا أرادت الدولة اللبنانية عقد اتفاقية ثنائية مع قطر بخصوص أيّ تبادل لموادّ صناعية أو زراعية سيظهر ذلك كتحدٍّ للدول المقاطعة لقطر».
من هنا، يقترح يشوعي على القطاع الخاصّ والهيئات الاقتصادية «تشكيل وفد يجتمع بالفعاليات الاقتصادية القطرية من أجل البحث معها بعمق في إمكانية أنّ يحلّ لبنان ولو جزئياً مكان الدول المقاطعة بما كانت تصدّره لقطر من مختلف السلع والموادّ بهدف تعزيز صادراته إليها"، مشدداً على أنّ هذا الدور "يقع على القطاع الخاصّ وليس العامّ للحؤول دون تعريض الدولة اللبنانية لأيّ انتقادات من قِبل الدول المقاطعة". فهل يمكن لهذه الآلية أن تتحقّق؟

إفادة في تصدير المأكولات

يتحدّث رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير عن إمكانية الإفادة في التصدير، مذكّراً بأنّ «قطر تستورد من لبنان بحدود 75 مليون دولار سنوياً بحسب إحصائيات عامّ 2016. والإفادة الوحيدة متمثّلة اليوم بإمكانية تصدير كميات أكبر من الألبان والأجبان والخضار، أي إنّ قطاع المأكولات هو المستفيد ولا يجب بالتالي انتظار إفادة أكبر في هذا الإطار».
ويشرح أنّ قطر تؤمّن المأكولات من تركيا ومن إيران بدلاً من الخليج، ولكن هناك أصنافاً كثيرة لا يُصنّعها هذان البلدان كالمعلبات، فسيزيد عندها الطلب عليها من لبنان لكنّها لن تدرّ أكثر من 25 إلى 50 مليوناً كحدٍّ أقصى في السنة. «ووفقاً لاتفاقية التيسير العربي، ستستكمل قطر استيرادها من لبنان ولكنّ الكميات ستزيد. فبدلاً من لجوئها إلى عدة ماركات، ستلجأ اليوم إلى استيراد ماركة وحيدة من لبنان». وعن صعوبة التصدير، يلفت إلى إمكانية اللجوء إلى الشحن الجوي. ومع أنّ النقل بواسطة البحر سيتطلّب وقتاً أكثر، إلّا أنّ الشحن عبره يمكن برمجته تلبية للطلب. ويستبعد شقير تواجد قطاعات أخرى يمكن للبنان الإفادة منها، «فموادّ البناء التي كانت تُغطيها السعودية لا يُصنّعها لبنان بل يستوردها بدوره لأنّها تستوجب مصانع كبيرة واستثمارات ضخمة».
موقف شبيه جاء على لسان عميد الصناعيين اللبنانيين جاك صراف الذي أشار الى غياب الأمان الصناعيّ في قطر في ظلّ سوقها الصغيرة الإنشائية وغير التصديرية. كما اعتبر أنّ «كلفة الصناعة اللبنانية لا تخدمها». وهو ما يظهر غياب الحماس لدى رجال الأعمال اللبنانيين الذين لن يستفيدوا من السوق القطرية.
ومع أنّ لبنان قد اعتاد على الحدود البرية لنقل الموادّ، يرى الدكتور حسين «أننا لن نستفيد من إمكانية التوريد الى قطر إلّا بواسطة الطيران المُكلف وغير المناسب على الأرجح للدوحة في وقت تقوم إيران بتأمين هذا الجانب، نظراً إلى كون الحدود البرية (خصوصاً السورية اللبنانية) مغلقة اليوم إلّا في قطاعات بسيطة عبر الأردن نحو السعودية. وبما أنّ السعودية مغلقة على قطر، لن يستفيد لبنان من النقل البريّ وتبقى الأنظار معقودة على التقنيات المستعملة في الطيران بين بيروت والدوحة لنقل بضائع جاهزة ومدى كلفته ليكون فعّالاً بالنسبة إلى قطر كي تتمكّن بالتالي من الاستفادة منه».

المزارعون متشائمون

لا يأمل المزارعون اللبنانيون أن يحلّوا مكان المُصدّرين من الدول المقاطعة إذ يستبعد رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك إمكانية استفادة القطاع الزراعيّ اللبناني بالمبدأ من الحصار على قطر لأنّ "كلفة الشحن إليها مرتفعة جداً، فعلى سبيل المثال بلغ ثمن حاوية شحن التفاح حوالى 8000$، عدا عن كون حليفتها تركيا تملك أصنافاً شبيهة بتلك اللبنانية".
ويضيف "ليس هناك من علاقة تميّز لبنان مع قطر للقيام باتفاقية ثنائيّة تدعمها الدولة القطرية بهدف الشراء من لبنان، فهذا الأخير يقف على الحياد، إضافة الى كون الوضع السياسيّ الراهن فيه لا يؤدي الى وضع تفاضليّ معها. من هنا أستبعد زيادة صادراتها من لبنان وبالتالي زراعياً ليس هناك من إفادة خاصة لنا من الأزمة الحاصلة. الشعب القطري ليس مستهلكاً لكميات ضخمة وسوق قطر صغيرة خصوصاً إذا انخفضت الحركة فيها وغادر الأجانب منها".

تأشيرة الدخول

من جهة أخرى، وبحسب سفارة قطر لدى لبنان، بات باستطاعة حاملي الجنسية اللبنانية دخول الأراضي القطرية من دون تأشيرة الدخول المسبقة، بشرط تقديم جواز سفر ساري المفعول صلاحيته لا تقلّ عن ستة أشهر ووجود تذكرة عودة مع إبراز إشعار بالحجز في أحد فنادق دولة قطر إضافة إلى ضمانة تبلغ 1500$ (نقداً أو من خلال بطاقة ائتمان). وسيتم منح اللبنانيين الوافدين سمة دخول سياحية فورية لمدة شهر عند وصولهم برسم 100 ريال قطري يُدفع في المطار.
ويرى هنا الخبير يشوعي أنّ إلغاء تأشيرة الدخول يسهّل بشكل عامّ، انتقال الأشخاص والاتصال المباشر بين المستثمرين والتجار والاقتصاديين في تلك الدول كما يُسهّل السفر والتفاوض وإنجاز الصفقات التجارية.

* [email protected]