ليس الأمر منّة... بل واجبلا تمثل أرباح المصارف اللبنانية مجتمعة أكثر من 4.5% من أرباح شركة «نايك» (NIKE) للّوازم الرياضية. مع ذلك لم تستطع الشركة العملاقة إلا الرضوخ لفضيحة ما جرى في مصانعها في هندوراس وفيتنام، ودفع أكثر من 625 مليون دولار على مدى سنوات لتحسين صورتها، وخلق «تنمية اجتماعية» جدية في تلك البلاد؟!
في عالم اليوم، لم يعد تقييم الكيانات الاقتصادية يقوم على ما تحققه من أرباح فحسب. لم تعد الشركات تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط. فقد ظهر عدد من المفاهيم الحديثة التي ساهمت في خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية حول العالم. «المسؤولية الاجتماعية» واحدة من هذه المفاهيم. باتت من الصفات الواجب توافرها في عمل القطاعين العام والخاص.
تنبهت الشركات إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية، وإلى ضرورة الأخذ في الاعتبار التنمية المستدامة، النمو الاقتصادي والاجتماعي وحماية البيئة.
الأكيد أن الشركات التجارية والكيانات الاقتصادية والمالية ليست منظمات خيرية، والأكيد أن هدفها الأول تحقيق أكبر عائد من الأرباح.
لكن ما تبين في الممارسة أن قيام الشركات بدورها تجاه موضوع «المسؤولية المجتمعية» يضمن إلى حد ما دعم أفراد المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية .
ومن بين الفوائد التي تجنيها الشركات الممارسة للمسؤولية الاجتماعية تقليص تكاليف التشغيل، وتحسين الصورة العامة لأصناف المنتجات وسمعتها، وزيادة المبيعات، وإخلاص العملاء، وزيادة الإنتاجية والنوعية.
تكشف دراسات عدة قامت بها «منظمة تسخير الأعمال التجارية لصالح المسؤولية الاجتماعية» في الولايات المتحدة أن الشركات التي توازن بين مصالحها ومصالح حاملي الأسهم حققت معدلات نمو ومعدلات توليد عمالة ماهرة تفوق الشركات الأخرى بأربعة أضعاف.
بغض النظر عن تبني واعتماد مفهوم المسؤولية الاجتماعية، فإن الممارسات الحالية له من قبل الشركات لا تزال متجذرة في العقول في منطقة الشرق الأوسط كشكل من أشكال العمل الخيري. مقاربة لا تتماشى مع الاحتياجات الفعلية لتحقيق مبدأ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشود.
كي لا يكون الأمر مجرد موجة تركبها الشركات تماشياً مع موضة تسود، المطلوب اليوم التخلي عن فكرة قص شريط، وصورة احتفال، أو لوحة رخامية يحفر عليها تاريخ الافتتاح والشركة المانحة. ليس الأمر عملاً خيرياً، إنه معادلة حسابية بحتة تعود بالمنفعة على الشركة نفسها، وعلى القيمين الاقتناع بذلك.
المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، رد بعض الجميل للمجتمع الذي تعيش فيه هذه الشركات وتعمل وتتفاعل. ولأن القطاع المصرفي في لبنان هو العمود الأساس في قاطرة القطاعات الاقتصادية المنتجة في البلد، فهو مطالب أكثر من غيره بجعل هذا الأمر ضمن استراتيجية عمله، بشفافية، وعلمية، لا بمزاجية واستنسابية.