صحيح أن الحرب لا تفرق بين غني وفقير، وأن القذيفة لن تميز بين رصيد في بنك وآخر، لكن ومن دون أدنى شك فإن آثار الحرب لن تكون ذاتها على الطرفين. فالفقير سيزداد فقراً، هذا في حال نجاته (والنجاة هنا بمعناها الاقتصادي)، أما الغني وبأسوأ الأحوال فهو قادر على الصمود.
طبعاً الكل متضرر، ولا نحاول التقليل من المصائب التي تصيب الجميع، لكن الوقائع تشير الى أن النقل البحري يبقى ترفاً حتى الآن لا قدرة لصغار الصناعيين والمزارعين على استعماله، إن لم يكن في المطلق فعلى الأقل على المدى الطويل. أما ارتفاع رسوم تأمين تغطية الحرب على النقل البري فتزيد من المصاعب التي يعانون منها.

تأمين أخطار الحرب

تعد تغطية أخطار الحرب من التغطيات الإضافية التي تصدر كملحق على الوثيقة الأصلية أو وفقاً لوثيقة منفصلة. وشركات التأمين تغطي المخاطر غير الأكيدة. في حالة الحرب يفقد هذا الطابع غير المؤكد، ما قد يعرض شركات التأمين لخسائر كبيرة جداً.
لذلك وفي حال كانت الحرب معلنة وواضحة كما هي الحال في سوريا حالياً، فمن المحتمل أن ترفض شركات إعادة التأمين تغطية الحرب حتى لو كان الشخص مؤمناً على حياته ومشتركاً في تغطية الحرب.
أما في حال أبقت الشركات على تأمين مخاطر الحرب فلكم أن تتخيلوا حجم الارتفاع في الأسعار.
في هذا السياق، يؤكد رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان أسعد ميرزا: "أن أسعار تأمين تغطية الحرب على النقل البري قد تضاغفت لأن المخاطر قد ازدادت بخاصة في سوريا، وكذلك الأمر في الاردن والعراق".
وهي في حال انخفضت، تنخفض في فترات الهدوء الأمني ولكن بشكل بسيط يكاد لا يذكر.
والتسعيرة المعتمدة لتغطية الحرب هي تسعيرة يومية يحددها الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب AWRIS، والتي تتعامل معه كل شركات التأمين العربية. والبيانات التي يقدمها هي بيانات يومية بالنسبة للعراق، وكل 48 ساعة بالنسبة إلى سوريا.

وبحسب ميرزا، فإن "البطاقة البرتقالية، وهي البطاقة العربية الموحدة للتأمين على المركبات أثناء تنقلها من بلد عربي الى آخر، والتي تستطيع المركبة من خلالها المرور في دول عربية عدة من دون الحاجة لإصدار بطاقة تأمين في كل دولة تمر فيها المركبة، فإن هذه البطاقة كانت تؤمن لجمعية شركات الضمان في لبنان مدخولاً يقدّر بحوالى 800 ألف دولار أميركي. أما في الوقت الحاضر فإن مدخول الجمعية من هذه البطاقة فلا يتجاوز 70 ألف دولار أميركي".
وهذا الرقم كفيل بنقل حجم الضرر الذي أصاب قطاع التأمين في لبنان جراء الحرب الدائرة في سوريا.
لكن وعلى الرغم مما تقدم، فإن ميرزا يشدد على أن وضع قطاع التأمين لا يزال جيداً، كونه لا يرتكز فقط على النقل البري.

البحر هو الحل؟

مع إغلاق معبر "نصيب" الحدودي بين سوريا والاردن، لم يبق أمام المصدّر اللبناني سوى البحر كوسيلة ليصدر بضاعته.
ورغم الأحداث الجارية في اليمن وما رافقها من حديث وتحليلات عن إمكانية عرقلة الملاحة في مضيق باب المندب وما قد ينجم عنها من ارتفاع في رسوم تأمين النقل البحري، إلا أن ميرزا أكد أن التأمين على النقل البحري لم يشهد ارتفاعاً، وهو ما أكده مسؤولون في كل من شركات التأمين La Phenicienne وAdir وBankers.
وإذا كان النقل البحري قد أنقذ المصدرين من الارتفاع الكبير في الرسوم على تأمين أخطار الحرب خلال النقل البري، فإن النقل البحري لا يخلو من السيئات بخاصة لناحية الوقت اللازم لتسليم البضائع الى الزبائن والتي قد تصل الى شهر مقارنة بعشرة ايام في البر، إضافة الى التكلفة العالية للنقل البحري.

نحب الحياة

في ظل الأخطار الإرهابية المحدقة بلبنان، ومع تكاثر حوادث السير المميتة وضغط الأعصاب المتواصل الذي يعاني منه اللبناني في كل لحظة من لحظات حياته، فإن المنطق يفرض أن يكون اللبنانيون من أكثر شعوب الأرض إقبالاً على بوالص التأمين على الحياة.

النقل البحري يبقى
ترفاً حتى الآن لا قدرة لصغار الصناعيين والمزارعين على استعماله


وعلى الرغم من أن أسعار بوليصة التأمين على الحياة لم تشهد ارتفاعاً وفقاً لميرزا، لا بل إنها شهدت انخفاضاً خلال السنوات الخمس الى السبع المنصرمة وحتى يومنا هذا بحسب La Phenicienne، فإن اهتمام المواطنين ببوالص التأمين على الحياة شبه منعدم، والإقبال يكاد لا يذكر.
وهذه اللامبالاة قد يكون سببها غياب التوعية اللازمة، أو الوضع المعيشي الصعب الذي لا يسمح للمواطن بالتأمين على حياته، أو إذا رغبنا أن نكون إيجابيين فقد يكون السبب حب اللبناني وتعلقه بالحياة ومن هنا ثقته بأنه عصي على الموت.
ختاماً، من مهازل الحياة أن من هم بأمس الحاجة الى التأمين هم الأقل قدرة على أن يؤمنوا على حياتهم أو بضائعهم ما يبقيهم رهينة للقدر. ومع استحالة تخيل عالم يسوده السلام الشامل حيث لا حرب ولا قتل ولا دمار، وطالما أن الإنسان معرض لأن يموت في أي لحظة، وبالتالي بحاجة للتأمين، يبقى السؤال، هل يصبح التأمين أكثر عدلاً بدل أن يكون ترفاً؟




الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب

مهمة الصندوق العربي لتحديد أخطار الحرب AWRIS، تحديد أسعار وشروط أخطار الحرب والأخطار السياسية الأخرى في المنطقة من خلال مختلف الأغطية التأمينية التي يوفرها للشركات الأعضاء. والصندوق يوفر تغطية متكاملة ومناسبة وسريعة لأخطار الحرب والأخطار السياسية الأخرى لشركاته الأعضاء. وفي ما يختص بأخطار الحرب بالنسبة للسفن التي تدخل تغطيتها في نطاق أعمال الصندوق، يشترط أن تكون السفينة حاملة علم أحد الأقطار العربية، وأن تعود ملكيتها أو إدارتها الى شخصية طبيعية أو معنوية عربية أو الى حكومة عربية، أو أن تكون ذات مصلحة فيها. وللصندوق قبول الأعمال بالنسبة للسفن الأخرى التي تبحر في المنطقة المذكورة أو خارجها، والنطاق الجغرافي لعمليات الصندوق هو جميع أنحاء العالم. وعدد الشركات الأعضاء في الصندوق حالياً هو 175 شركة من 18 بلداً عربياً.