في عام 2002، وضع رئيس غرفة التجارة والصناعة في صيدا والجنوب محمد صالح حجر الأساس لمشروع "منتجع الجية مارينا السياحي". خطوة تأخرت ثماني سنوات. في عام 1994، بدأ رحلته الطويلة مع الوزارات للاستحصال على الرخص. مسار طويل سلكته الدراسات البيئية والأثرية والجدوى الاقتصادية في المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي ينظر في مشاريع سياحية ضخمة.
لم تؤثر البيروقراطية الإدارية في قراره. ظل صالح مقتنعاً بجدوى المشروع على الساحل الجنوبي، في الجية تحديداً، خصوصاً أنه منتجع "الخمس نجوم" الوحيد في المنطقة برمتها. حينها، كان النمو الاقتصادي والاستثمار السياحي في البلد في اوجه، لكنه وجد أن بيروت ومحيطها شمالاً وشرقاً، باتت متخمة بالمشاريع وارتفعت أسعار عقاراتها وتكاليف مشاريعها إلى مستويات عالية.
استعان بشركة استشارات أميركية بريطانية متخصصة في دراسة المشاريع. أكدت له صواب نظرته بأنه سيكون مشروعاً ناجحاً رغم أن منطقة جنوب بيروت "موضوعة في البراد سياحياً، لا سيما الجنوب الذي كان تحت الاحتلال الإسرائيلي حينذاك" يقول صالح. لما أعطته الشركة الضوء الأخضر، شرع بشراء عقارات محاذية للشاطئ بلغت مساحتها 75 الف متر مربع. المرسوم الذي سمح له بإنشاء المشروع، سمح له أيضاً بردم 20 الف متر في البحر لإنشاء ناد لليخوت وجسر يربط بينه وبين المنتجع. منذ ذلك الحين، يدفع صالح مطلع كل عام 60 مليون ليرة للدولة بدل إشغال أملاك بحرية عامة.
لم توفر الحملات على الأملاك البحرية العامة، مشروع الجية مارينا. ورد اسمه ضمن لائحة المعتدين متكئاً على مرسوم سمح له بالاستئثار بمساحة 29 ألفاً و479 متراً مربعاً من البحر والشاطئ. شيد المارينا وربطها بالشاطئ برصيف إسمنتي. إنشاءات ارتفعت فوق مرفأ "فيريون" من الحقبة البيزنطية، كما يشير عدد من المراجع التاريخية.
المنتجع يُصنَّف
من فئة فنادق الخمس نجوم وتابع لسلسلة "غولدن توليب" العالمية

في أربع سنوات، شيد صالح منتجعاً قُسّم إلى فندق خمس نجوم تابع لسلسلة فنادق "غولدن توليب" العالمية يضم 160 غرفة، و75 شاليه للإيجارفي مقابل 150 معروضة للبيع. كذلك يشمل سلسلة مطاعم وصالات للأفراح والمؤتمرات والمعارض وأربعة أحواض سباحة ونادياً لليخوت يستوعب 95 يختاً. حدد موعد الافتتاح في 12 تموز 2006. العدوان الإسرائيلي ضرب الموعد كما ضرب معمل الجية الحراري المقابل للمنتجع. التسرب النفطي الذي أحدثه القصف على خزانات الوقود، وصل إلى شاطئ "الجية مارينا". خلال العدوان، شغل مئات النازحين من الجنوب غرف الفندق. بعد انتهائه، أطلق صالح ورشة إعادة تأهيل لأقسام المنتجع والغرف والمطاعم واستعان بشركة متخصصة لتنظيف الشاطئ من التلوث النفطي خلال 15 يوماً.
إقبال الرواد على المنتجع بعيد العدوان شجع صالح على المضي قدماً. "كأن شيئاً لم يكن" يقول، واصفاً الإقبال على حجز الشاليهات وأحواض السباحة وإقامة حفلات الأعراس،
بعرس جماعي، ضرب الموعد الثاني للافتتاح في تشرين الأول. يصف صالح الفترة بين افتتاحه حتى عام 2011، بالعهد الذهبي، بيعت 120 من الشاليهات، وسجلت نسب مرتفعة لإشغال الغرف. المشهد تغير خلال السنوات الثلاث الماضية. الركود العام والاضطراب الأمني اللذان عززا التهميش السياحي الذي تعاني منه منطقة جنوب بيروت، ليسا السببين وحدهما اللذين أديا إلى تجميد الحركة على نحو كبير. المنتجع أدى إلى تغيير اقتصادي في الجية. أسعار العقارات زادت من مئة دولار للمتر الواحد الى 1200 دولار حالياً وأسعار الشاليهات زادت خمسة أضعاف. مع ذلك، لا يزال صالح يوسع المشروع.
في الوقت الحالي، ينجز تشييد 16 فيلا صغيرة على البحر معروضة للبيع والإيجار. بحسب المواسم، تتباين نسب الحركة في المنتجع. الصيف يشغل أقسامه كافة ويزيد عدد الموظفين والعمال على 300. أما في الشتاء، فينخفض عدد الموظفين بانخفاض عدد الرواد والحجوزات، فيما يبقى 5 في المئة من المطاعم جاهزاً لاستقبال الزبائن. لكن النشاط الذي لا يهدأ طوال السنة، حفلات الأعراس والندوات والمؤتمرات التي تنظمها بلديات وأندية وجمعيات من منطقة إقليم الخروب. بحسب صالح، يغطي ذلك النشاط جزءاً من تكاليف المنتجع.




من الجرافات إلى السياحة

نشأ محمد صالح في ظروف صعبة. والده اضطر إلى الهرب من مسقط رأسه في قعقعية الصنوبر (قضاء الزهراني) إلى صيدا، من الانتداب الفرنسي. في صيدا، تابع دراسته في المهنية في وقت كان يعمل في أشغال متفرقة. عام 1957 ومن دون رأسمال، اقتحم مباشرة قطاع الآليات الثقيلة ومضخات المياه. بعد ستة أشهر أمضاها كعامل، تطور سريعاً ليصبح "صاحب مصلحة". السبت الأسود من عام 1976، حمل النكسة الأولى في حياته، احترقت بضاعته في مرفأ بيروت، سافر إلى إيطاليا محاولاً تعويض خسائره. الضرائب العالية على الأرباح أبعدته إلى انكلترا. خلال ورشة إعادة إعمار بيروت، حصل على مناقصة لإنارة المدينة. نفذ المشروع وفي اليوم الذي قبض فيه أمواله بالليرة اللبنانية، ارتفع الدولار إلى أعلى مستوياته. النكسة الثانية حملته الى نيجيريا عام 1992. دخل في صناعة المولدات الكهربائية والمعدات الصناعية وتوليد الكهرباء. افتتح مصانعه الخاصة التي تشغل حالياً 800 موظف.