لم يغفل القانون اللبناني عن تخصيص بنود تكفل لذوي الإحتياجات الخاصة حقّهم في العمل من دون تمييز لأي سبب كان، ولا سيما القانون 220/2000، كما الإتفاقية الدولية لحقوق لذوي الإحتياجات الخاصة لعام 2007 (التي لم يوافق عليها لبنان حتى اليوم). إلا أن تجاهل تطبيقهما يطاول نحو 4% من اللبنانيين ممن يعانون من إعاقات مختلفة.
شركات كبيرة

دور وزارة الشؤون
دور إستشاري أكثر مما هو تنفيذي
لا تمانع الشركات الكبيرة التي يفوق عدد موظفيها الـ 100 من توظيف ذوي الإحتياجات الخاصة في كافة دوائرها. والأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لأصحاب المهن الحرة. بحسب مسؤولة الموارد البشرية في شركة «جبيلي» الصناعية هبة حركة «ترسل الشركة المعلومات الخاصة بها من حيث نوع الوظيفة وشروط التوظيف، وبالتنسيق مع جمعية إتحاد المقعدين ترسل السير الذاتية للأشخاص المراد توظيفهم، إضافة إلى القدرات التي يتمتع بها كل منهم. عندها تتم مقابلتهم وتوزيعهم في المكان المناسب في الشركة».
أما إختيار نوع الوظيفة فيبقى محصورا بإمكانات الموظف ورغباته، تضيف حركة: «لا نحدد نوع الوظيفة بشقيها المهني والإداري، لدينا ثلاث حالات في المصنع من ذوي الاحتياجات الخاصة ونعمل حاليا على التواصل مع الجمعية ليصل العدد إلى 11 موظفا».
شركة «حجازي» للتجهيزات الصناعية من جهتها لم تحظَ بعد بفرصة توظيف أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي هذا الاطار يوضح مدير شؤون الموظفين في الشركة محمد حجازي انه «لا مانع لدينا من توظيف أي من ذوي الاحتياجات الخاصة إذا كانت اعاقته لا تؤثر على ادائه لمهماته».

القانون اللبناني

عملا بمبدأ المساواة بين الأفراد، أصدر مجلس النواب اللبناني القانون الرقم 220/2000 المتعلق بحق ذوي الإحتياجات الخاصة بالعمل والتوظيف، حيث تشير المادة 68 منه: «لذوي الإحتياجات الخاصة كما لسائر أفراد المجتمع الحق في العمل وفي التوظيف، يكفلها ويفعّلها هذا القانون، كما تلتزم الدولة العمل على مساعدتهم للدخول في سوق العمل ضمن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص».
وتنص المادتان 73 و47 من القانون نفسه على أن مؤسسات القطاع العام التي يراوح عدد موظفيها بين 30 و60 موظفاً يتحتم عليها الإلتزام بمبدأ الكوتا 3% .أما شركات القطاع الخاص التي يفوق عدد موظفيها 60 فتخضع أيضاً لهذا المبدأ.

دور استشاري لا تنفيذي

خلافاً للدول الاوروبية والولايات المتحدة التي تولي ذوي الإحتياجات الخاصة اهتماماً ورعاية كبيرين، فان النسيان هو سمة الواقع في لبنان، إذ ان التقارير التي ترفع إلى الوزارات المعنية بهذا الشأن، كما يبدو، لا تعدو كونها اكثر من عوامل الزينة في المكاتب حتى يخيل الى الناظر انها من المخطوطات النادرة التي يفترض بها ان تكون في المتحف الوطني. مجلس الوزراء يغط في سبات عميق، ووزارة العمل تقف متفرجة الى ان يصحو المجلس، إذ ان الوزارة لا تزال تنتظر من المجلس تكليفا لجهة كيفية العمل. ويشير رئيس قسم الشؤون القانونية في وزارة العمل عادل ذبيان الى أن لجنة تفعيل حقوق المعوقين «أرسلت عدة تقارير إلى مجلس الوزراء، فأصبح بالتالي على علم بها، لكنه لم يقدم لنا الإجابات المطلوبة».
ولكي لا يُلقى اللوم كله على الوزارة، يلفت ذبيان إلى أن «دور الوزارة هنا دور إستشاري أكثر مما هو تنفيذي، ودورنا يقوم على الإجتماع مع الوزارات وأصحاب العمل والعمال لكيفية إيجاد طرق لتشغيل الأشخاص المعوقين». ويضيف: «كعادته يكون رأس المال هو محور القضية، طرحت اللجنة لكل شخص معوق بطاقة تأسيس مهنة حرة بقيمة معينة، لكن العملية بحاجة إلى أموال، والأموال غير متوافرة».
الواضح أن العمل جارٍ بالتنسيق مع الوزارات المعنية، لكنه ليس أكثر من حبر على ورق. «منذ حوالي ثلاثة أشهر، أرسلت الوزارة رسالة إلى وزارة المالية بغية إدراج دفع تعويض البطالة للأشخاص المعوقين على جدول الموازنة»، على ما يقول ذبيان.
تستوفي وزارة العمل الغرامات المستحقة على الشركات المخالفة تبعا للقانون. وتتمثل بضعفي الحد الأدنى للأجور بغض النظر عن كونها سنوية أو شهرية. وقد كلف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي قانونيا عدم إعطاء براءة ذمة للشركات المتخلّفة عن التوظيف.

الجمعيات حاضرة

لا تكاد جمعية إتحاد المقعدين تطالب بحق، إلا ويليه آخر، وبما أن الوزارات غير مبالية بالأمر، كانت الجمعيات هي الملاذ الوحيد الذي يهتم بالمطالبة بحقوق المعوقين، فتراها تعتصم أحيانا وتتعاون مع السلطات الرسمية والقطاع الخاص بغية الوصول إلى قانون يجيز تنفيذ الحقوق أحيانا أخرى. أمين سر الجمعية جهاد إسماعيل يشرح آلية عمل الجمعية التي «أنشأت مكاتب لفتح أفاق أمام ذوي الإحتياجات الخاصة للدخول في مجال العمل عام 2007، وتعمل الجمعية حاليا على توعية أرباب العمل في القطاعين العام والخاص لإزالة مخاوفهم ونظرتهم المسبقة نحو ذوي الإحتياجات الخاصة، وتأهيلهم وتمكينهم لناحية دخول سوق العمل». وتسعى الجمعية حاليا للإضاءة على مدى الفائدة الإقتصادية لتوظيف ذوي الإحتياجات الخاصة من ناحية الإنتاج والإستهلاك، «فهم في هذه الحالة يصبحون جمهورا إضافيا ينتج، وتصبح عائلاتهم أيضا من المستهلكين للسلع وبالتالي تزيد أرباح الشركة. الجانب الأنصع في الأمر هو وصول الموظف إلى إستقلالية مادية» يقول إسماعيل. ويوضح: «لدينا تجربة ناجحة في القطاع الخاص بتنوعه بين مصارف ومؤسسات إنتاجية وشركات، ومحاولة لا بأس بها في القطاع السياحي سواء في المطاعم أو الفنادق، ولكن لا يخلو الأمر من بعض التمييز الذي يطاول القطاع الخاص وخاصة المهن الحرة، فيحتكر رب العمل المعوق عبر تقليل راتبه. وعلى الرغم من أن القاعدة لا تسري على الجميع، إلا أنها تحصل أحيانا كثيرة». يعتب إسماعيل على الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، باعتباره المسؤول عن إعطاء براءة الذمة المالية للشركات، أما من ناحية التطبيق، فهو «غير موجود لعدة أسباب، فلا المالية إستطاعت تفعيل جهاز جباية الغرامات، ولا يلتزم الضمان اليوم ذلك مع العلم أنه إلتزم هذا الامر في بداياته».
إن عدم إكتمال الثقافة الجماعية في لبنان تجاه ذوي الإحتياجات الخاصة، والنظرة المسبقة بأنهم أشخاص ضعفاء جعلهم يتمتعون بعزيمة أكبر لتحدي دخول سوق العمل. تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق السلطات الرسمية، كما القطاع الخاص، ليس قولا بل فعلا، بتطبيق القانون الذي يحفظ كرامة أصحاب الشأن ويعزز أحوالهم النفسية والمادية معا.