"ابحث عن العمل الذي تحبه، ولن تعمل في حياتك أبداً"! هذه المقولة الشهيرة، لكونفوشيوس، تلخّص قصة ثلاثة شبان لبنانيين، قادمين من عالم الهندسة، قرروا أن يحوّلوا شغفهم بالطبيعة الى إستثمار مربح وقصة نجاح. لم يكن المال والنجاح هدفهم بقدر ما كانوا يبحثون عن لذّة في إستكشاف الطبيعة والتواصل معها عن قرب. بدل أن يكونوا مجرد متلقّين لسحرها وجمالها، أرادوا أن يغوصوا في أعماقها، ويكونوا جزءاً من عطاءاتها حتى وجدوا ضالّتهم في النحل وإنتاج العسل. على خلاف العديد من المتاجر، لا يبيع Atelier Du Miel في منطقة الأشرفية منتجاً فقط. السحر في هذا المتجر أنه، إضافة الى تقديمه أكثر من 30 صنفاً من العسل، يبيع زبائنه قصة نجاح بدأت من الصفر، ولو حُسبت منطقياً لاعتبرها كثيرون شبه مستحيلة. لم يملك مؤسسو المتجر، مارك أنطون ورالف بو ناصيف وربيع طرابلسي، أي خبرة في عالم النحل والعسل. لكنهم، تماماً كالنحلة المتنقلة من زهرة الى زهرة، لحقوا بشغفهم ولم يهابوا المخاطرة حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه. إنعدام الخبرة كان محفّزاً لهم. أرادوا التغلب على جهلهم وأن يتقنوا صنعتهم. كشفت لهم أبحاثهم أن النظري يختلف عن العملي، وأن تربية النحل في لبنان تفتقر في معظم الأحيان الى الإحترافية، ولا تعدو كونها هواية للعديد من مربي النحل. ولصقل مهاراتهم والإبتعاد عن العادات الخاطئة المتبعة من كثيرين من المربّين في لبنان، سافر الشبان الثلاثة الى فرنسا حيث خضعوا لدورة تدريب مكثفة ساعدتهم على إتقان تربية النحل وفق أرقى المعايير. ما يميز إنتاج Atelier Du Miel أنه يرتكز على عملية تُعرف بالإرتحال الموسمي، وتقوم على نقل خلايا النحل على مدار العام لتتبع الأزهار المتفتحة بما يضمن أن يكون العسل طبيعياً 100%، من دون الحاجة الى إطعام النحل السكر كما يفعل العديد من المربين. وطبيعة لبنان تسعفهم في هذا المجال، نظراً الى أن تنوع المواسم يساعد في العثور على الأزهار على مدار العام.
مع بداية 2015، وبأقل من سنة
ونصف سنة، بدأ المتجر يدرّ على مؤسسيه
أرباحاً بشكل لافت
يدير الشباب حوالي 1000 خلية نحل على امتداد لبنان. كانوا في الاساس يديرون 200 خلية فقط، وعندما لاحظوا أن البيع سيتخطى الإنتاج مع بداية 2015، قاموا بتبني نحل من نحالين، واتفقوا معهم على مسار معين على النحلات أن تسلكه، وباتوا ينتجون اليوم ما بين 15 الى 20 طناً من العسل. يقدم المتجر أكثر من 30 صنفاً من العسل، تختلف باختلاف الزهر والأشجار. وفيما يصنّع أكثر من 15 صنفاً في لبنان، تُستورد بقية الاصناف من فرنسا وإسبانيا وكندا وأستراليا، وتكون مستخرجة من أشجار وزهور غير موجودة في لبنان أو موجودة بكميات قليلة لا تكفي للإنتاج والتصنيع. بدأت قصة المتجر في آب 2013 باستثمار مباشر من الشباب بقيمة 50 ألف دولار، وقرض من كفالات بقيمة 80 ألف دولار. بعد مرور خمسة أشهر، أظهر المتجر إمكانيات هائلة ونتائج إيجابية ما دفع بالمؤسسين الى ضخ 100 ألف دولار إضافية بالتعاون بينهم وبين "كفالات" لتطوير الأعمال. ومع بداية 2015، وبأقل من سنة ونصف سنة، بدأ المتجر يدرّ على مؤسسيه أرباحاً بشكل لافت، ما شجعهم على إستثمار 70 ألف دولار إضافية، ولكن هذه المرة من الأرباح، لتفعيل الناحية التسويقية وتطوير العمل من حيث البيع باستقدام موظفين جدد ورفع الإنتاج... وعلى رغم التنوع الذي يقدمه المتجر والطريقة الإحترافية والمكلفة في تربية النحل، إلا أن أسعاره تنافسية بشكل كبير وتأخذ في الإعتبار الواقع المعيشي في لبنان والقدرة الشرائية للمواطنين بما يجعل من عسل Atelier Du Miel وجهة لمحبي العسل على إختلاف إمكانياتهم المادية. ويتبع الشباب أسلوب التفاعل مع الزبائن من خلال رحلات ينظمونها لزيارة قفران النحل، أو من خلال منح الزوار لذة التذوق والتمتع بأصناف العسل المتعددة التي يقدمونها.