شرم الشيخ | القضية الأكثر إثارة للجدل في قمة تغيّر المناخ (كوب 27) لهذا العام هي تمويل الخسائر والأضرار (آثار تغيّر المناخ التي تتجاوز ما يمكن التكيّف معه). هذه هي القضية الرقم واحد بالنسبة إلى البلدان الأفريقية، أو ما يُعرف بـ"المجموعة الأفريقية" التي تستضيف المؤتمر هذا العام على الأرض المصرية، والتي تذكر التقارير الدولية ذات الصلة أنها ستكون المتضرّر الأكبر من الكوارث المناخية، مع أنها تساهم بأقلّ من 4% من الانبعاثات العالمية. وقد تسلّحت الدول الأفريقية، وكذلك النامية، هذا العام بالصوت المرتفع لوزيرة المناخ الباكستانية، الآتية من بلد غمرت الفيضانات نصفه منذ أشهر، وبلغت كلفة الخسائر والأضرار لهذه الكارثة ما يقارب 30 مليار دولار أميركي. تساند هذا التوجه البلدان النامية، بالإضافة إلى الصين، التي عقدت اجتماعات عدة تحضيرية للقمة في اليومين الأخيرين، وأجمعت على ضرورة إدراج موضوع "الخسائر والأضرار" في مؤتمر الأطراف 27 بدعم واسع النطاق من منظمات المجتمع المدني. يضاف إلى ذلك طبعاً موضوع "التكيّف"، وضرورة زيادة تمويل التكيّف مع تغيّر المناخ، وهو المطلب الأساسي الدائم للبلدان النامية. كما تمّ الاتفاق على ضرورة إلزام البلدان الصناعية المتقدّمة بدفع الـ100 مليار دولار سنوياً كما نصّت اتفاقية باريس.
وبالرغم من اعتبار البلدان النامية والصين التكتل الأكبر في اجتماعات المناخ، كونها تضمّ 134 دولة نامية، إلا أنها لم تنجح يوماً في ترجمة تحالفاتها في قلب المعادلات، بالرغم من إجماعها أيضاً على الأساسيات ولا سيما على ضرورة تحميل البلدان المتقدمة "المسؤولية التاريخية" عن قضية تغيّر المناخ. وعلى هذا الأساس يمكن الجزم منذ الآن، بأن المعيار الأساسي لقياس مدى نجاح هذه القمة، التي بدأت أعمالها رسمياً أمس، هو في مدى النجاح في إنشاء صندوق لما يُسمّى "الخسائر والأضرار"، وإلزام البلدان المتقدّمة في تحمّل مسؤولياتها فعلاً.
من جهة أخرى، يحثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على إحراز تقدّم، ويقترح على الاقتصادات المتقدّمة فرض ضرائب على الأرباح غير المتوقعة لشركات الوقود الأحفوري، وإعادة توجيه تلك الأموال إلى البلدان التي تعاني من الخسائر والأضرار، وإلى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. ويبقى أن نرى في الأيام المقبلة بعد كلمات الافتتاح لرؤساء الدول، ما إذن كان تمويل الخسائر والأضرار سيكون في نهاية المطاف على جدول الأعمال، بعدما هيمن بالفعل على المناقشات في الفترة التي سبقت مؤتمر الأطراف الـ27.
في الإطار نفسه، اقترحت بعض البلدان مسألة مالية صعبة أخرى لإدراجها في جدول الأعمال، وهي جعل تدفقات التمويل متّسقة مع مسار انخفاض انبعاثات غازات الدفيئة، والتنمية القادرة على الصمود أمام تغيّر المناخ (كما ورد في اتفاقية باريس). والفكرة هنا هي أن يكون عمل جميع الجهات الفاعلة المالية، بما في ذلك وزارات المالية، والبنوك التجارية، وصناديق التقاعد، وبنوك التنمية المتعدّدة الأطراف، متوافقاً مع أهداف اتفاق باريس. وهذا تطوّر مهم يمكن أن يجعل قضية تغيّر المناخ جزءاً لا يتجزأ من قضايا الاقتصاد الكلي للدول.
انطلاقاً من ذلك، من المتوقع أن تكون القضايا المالية هي المهيمنة على قمة شرم الشيخ المناخية هذا العام، ولا سيما السؤال المركزي المتعلق حول ما إن كانت البلدان المتقدّمة ستفي أخيراً بالتزامها بتعبئة 100 مليار دولار أميركي من تمويل المناخ سنوياً، وهو رقم كان من المفترض أن تصل إليه في عام 2020، وسنوياً بعد هذا التاريخ! مع أن المؤشرات، ولا سيما بعد الحرب الروسية- الأوكرانية المكلفة جداً على الاقتصاد العالمي، لا تدعو إلى الأمل بمنح الأولوية للتمويل بأرقام يفترض أن تتصاعد سنة بعد أخرى مواكبةً للكوارث المتصاعدة أيضاً. كما لن ينفع الحشد المتوقع لعدد المشاركين، الذي يصل إلى 40 ألف مشارك من 196 دولة في تغيير الاتجاه الجيوبولتيكي المحبط لهذا المؤتمر، حامل الرقم 27 من معاناة المناخ.