في الطريق إلى قمة المناخ الـ27 في شرم الشيخ، يهبط العالم نزولاً هذا العام بشكل مخيف. كلّ التقارير الدولية التي تسبق القمة وترافقها، تؤكد تراجع الدول في التزاماتها وتوسّع الفجوة بين الطموح وبين الواقع.في مؤتمر كوب 26 الذي عقد العام الماضي في غلاسكو الإسكتلندية، تعهدت الدول بمراجعة خططها المناخية الوطنية وتعزيزها، (التي أطلق عليها اسم «المساهمات المحدّدة وطنياً» في اتفاقية باريس) بحلول نهاية هذا العام لمنع تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. لكن «التقرير التجميعي» الصادر عن الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، بشأن هذه المساهمات المحدّدة وطنياً لهذا العام، يُظهر أن 24 دولة فقط من أصل 194 قامت بتحديث خططها! مع العلم أن هذه «المساهمات»، المبلغ عنها ليست ملزمة ولا حقيقية عادة، ويمكن لسياسات الدول أن تكون قد ذهبت في اتجاه آخر معاكس تماماً.
وإذا تمّ القياس على ما حدث العام الماضي في غلاسكو، فإن كلّ الإعلانات والمبادرات والاتفاقات الطوعية الدولية مثل «الخفض التدريجي» لإنتاج الفحم، وتقليص دعم الوقود الأحفوري، وخفض انبعاثات غاز الميثان ووقف إزالة الغابات… ذهبت على طريق الحرب الروسية- الأوكرانية التي تسبّبت بأزمة طاقة وغذاء عالمية، ودفعت بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي كانت تعتبر تاريخياً رافعة لاتفاقيات المناخ، بأن تعود إلى الفحم الحجري!
كما طارت إعلانات الدول العام الماضي، مع الفيضانات والحرائق والأعاصير التي زادت وتيرتها هذا العام. وقد بدأت الاجتماعات التشاورية التي تسبق عادة افتتاح القمة، بخجل وإحباط لم تشهده من قبل.
تطالب الدول النامية، لا سيما المجموعة الأفريقية المستضيفة للقمة، بأن يكون البند رقم واحد على جدول أعمال القمة، التعويضات من البلدان الغنية، لا سيما إنشاء صندوق «الخسائر والأضرار». هذا الموضوع الذي كانت الدول المتقدّمة تتهرّب من مناقشته بكونه يحمّلها «المسؤولية التاريخية» عن الأضرار التي تنجم عن الكوارث المناخية، ويُلزمها بتعويضات كبيرة جداً، لم ولن يجد ما يرفده بمليارات الدولارات قياساً إلى آخر تقدير للأضرار الناجمة عن فيضان واحد في باكستان هذا العام، المقدّر ضرره بـ30 مليار دولار وحده!
في مقابل حشد الدول النامية للمطالبة بالتعويضات المناخية، تفكر بعض الدوائر الغربية بأن تكون التعويضات بمثابة إطفاء بعض ديون البلدان النامية، ما يعني الالتفاف على مطلب إنشاء صندوق خاص بتعويضات الكوارث المناخية.
اجتماعات البلدان النامية، وتلك المنخفضة الدخل والمعرّضة لمخاطر تغيّر المناخ، التي بدأت أمس حدّدت مطالبها بأنها تريد مضاعفة المساهمات التي يتم إنفاقها على التكيّف بحلول عام 2025، وهو التزام تمّ التعهد به في محادثات المناخ التي جرت العام الماضي في غلاسكو، في حين يقدّر تقرير صادر عن مكتب التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة أن فاتورة تكيّف البلدان النامية مع الكوارث المناخية ستبلغ 300 مليار دولار في عام 2030. وهذا يعني بأن الكوارث المناخية باتت تتجاوز كلّ التقديرات وكلّ المقررات السابقة، وأن كوارث المناخ باتت خارج عن السيطرة وعن إمكانات المعالجة، ما يحتم تغيير لغة ومنهجية الدول النامية في التعاطي مع الدول الصناعية التي تسبّبت بكلّ تلك الكوارث.
في موضوع إزالة الغابات، تفاءل كثيرون خيراً بانتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئيساً للبرازيل الأحد الماضي، الذي سيساهم مع الجهود العالمية لإنهاء عمليات إزالة الغابات كما أعلن ليلة انتخابه، عندما قال: «اليوم نقول للعالم إنّ البرازيل عادت، وإنّها مستعدّة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ».
من التغيّرات والأحداث التي حصلت بين قمة العام الماضي وهذا العام بالإضافة إلى ما ذكرنا، وفاة جيمس لفلوك (عن عمر 103 سنوات)، صاحب نظرية غايا التي تقول إن كلّ الأجزاء الحية وغير الحية من كوكب الأرض تعمل معاً في تناغم لتشكل كائناً حياً واحداً. هو الذي مثل أحد أهمّ روّاد علم البيئة في الستينيات، والذي لقب في بريطانيا بـ«نبي المناخ» بكونه أول من حذّر من مشكلة تغيّر المناخ التي ستكون مدمرة، وعاد وأكد عام 2009 أنها خرجت عن السيطرة، معتبراً أن الأرض «غايا» ليست أماً حنونة تربي البشر ويمكن استرضاءها بإجراءات مثل التنمية المستدامة وتجارة الكربون. إذ اقترح أن تشكل الطاقة النووية بديلاً عن الوقود الأحفوري، جاءت كارثة فوكوشيما النووية عام 2011 لتؤكد خطورة التوسّع في هذا الخيار.
على المستوى اللبناني، وبغض النظر عن ما سيقول الوفد اللبناني الذي يشارك في القمة برئاسة رئيس الحكومة ووزيرَيْ البيئة والطاقة، تعدّ الإجراءات المطلوبة من لبنان لتخفيف انبعاثاته والتكيّف مع تغير المناخ، كمثل تغيير سياسات النقل والطاقة والمياه والزراعة والسياحة، نحو دعم النقل العام والتحول الطاقوي وتخضير الاقتصاد… هي نفسها الإجراءات المطلوبة من أجل الاقتصاد الحقيقي الجديد وحماية الصحة العامة وحماية واستدامة الموارد ومحاربة الفقر. وهذا لن يتحقق إلّا باعتماد استراتيجية جديدة للبيئة والتنمية المستدامة يتبناها العهد الجديد والحكومة الجديدة، وقد وضعت وزارة البيئة أخيراً في ورش العمل التي نظمتها، عناوينها الرئيسية في كل القطاعات تقريباً.