اجتماع لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية، أخيراً، لبحث موضوع تلوث الليطاني كان بمثابة تظاهرة أكثر منه اجتماعاً، نظراً إلى حشد المسؤولين الذي حضره. وكان لافتاً أيضاً انطلاق أعمال لجنة الإدارة والعدل النيابية ببحث الموضوع نفسه، وتشدّد رئيسها مع الوزراء الذين تغيّبوا عن الاجتماع... رغم ذلك، يمكن الجزم، مرة جديدة، بأن مشكلة تلوث الليطاني وبحيرة القرعون لن تحل، لا بل ستتفاقم الى ما لا يمكن العودة عنه. وكل الجهود والاجتماعات والأموال التي صرفت ــــ وستصرف ــــ من أجل «المعالجة» ستذهب هدراً.هذا الكلام ــــ الاستنتاج قيل منذ أكثر من عشر سنوات، وقد ثبتت صحته. فما الذي تغير لنبني آمالاً جديدة، غير الحملة الكبيرة التي أطلقها المدير الجديد لمصلحة الليطاني، والتي يتوقع أن تصطدم بالعوائق السياسية الفاسدة نفسها التي تحول في النهاية دون وقف التعديات على مجرى النهر؟
لا شيء تغير. لا بل إن التوصيات والمناقشات لا تزال تدور في الحلقة المفرغة نفسها. إذ لا استراتيجيات ولا رؤية شاملة ولا أولويات، ولا حكومة جامعة ومسؤولة، ولا رئيس حكومة يقوم بدور المنسق الذي يعرف إلى أين يريد أن يصل وما المطلوب من كل وزارة. كما أن معالجة تلوث نهر دون غيره، مهما كانت أهميته الاستراتيجية، لن تؤتي ثمارها من دون ربطها بسياسات واستراتيجيات التنمية المستدامة التي يفترض أن تضعها وزارة البيئة، ويتبناها رئيس الوزراء نفسه، ويدعو على أساسها كل الوزارات والوزراء المعنيين إلى مناقشتها وتبنيها.
هذه الاستراتيجية والرؤية الشاملة ضرورية لتحديد المعطيات والاتجاهات، لربط القضايا والقطاعات التي تتقاطع وتتداخل... ولتحديد المسؤوليات والمهمات والأولويات. فحياة هذا النهر، وغيره من الأنهر، مرتبطة بالنظام الإيكولوجي العام في لبنان، وبالنظم الإيكولوجية الخاصة في كل منطقة. وقضايا المياه مرتبطة باستخداماتها في كل القطاعات. ومصادر التلوث تبدأ بالمنزلية والصناعية، ولا تنتهي بالزراعية والسياحية. والملاحقات ووقف التعديات لا تتوقف عند وزارات الأمن والعدل. كما أن المعالجات لا تتوقف فقط عند مجلس الإنماء والإعمار والوزارات المعنية التي تعمل من دون استراتيجيات ولا تخطيط. وقضايا دمج تأمين المياه العذبة ومعالجة المياه المبتذلة، لا تحصل إلا شكلياً على فواتير المياه، من دون أن تكون في عقل الجهات المخططة في وزارة الطاقة، أو في الشركات الملتزمة التخطيط لها وعنها، على القطعة! وهي، بالمناسبة، غير الشركات التي تخطط لإنشاء سدود سطحية جديدة وإضافية، من دون أن تأخذ أي دروس من تلوث بحيرة القرعون الذي لا يمكن معالجته بعد اليوم، مهما اجتمعت لجان وصُرفت أموال وتحقّق نجاح في وقف تلوث النهر من مصادره (وهذا مستحيل)... إلا بإزالة سد القرعون لتعود المياه الى مجاريها. وهذا ما لم ولن يجرؤ أحد على البوح به. فكيف لم تلاحظ وزارة الطاقة والمياه، المعنية الأولى بحماية الأنهار وأحواضها ووضع السياسات، أن كلفة معالجة سد القرعون هي نفسها تقريباً كلفة إنشاء سد جديد غير ضروري كسد جنة؟! وأن مصير أي سد جديد لن يكون أفضل من مصير سد القرعون، وقد أصبحت مياه بحيرته غير قابلة للمس، وليس للري فحسب؟! رغم كل ذلك، لم تقل لنا هذه الوزارة ما هو عدد الآبار الارتوازية المرخصة، وتلك غير المرخصة، وحجم السحب منها والاستخدامات... ولماذا يستطيع أصحاب الصهاريج تأمين المياه الى كل المناطق اللبنانية، ولا سيما في فصل الشحائح فيما تصرّ الوزارة في كل دراساتها وتقاريرها وخططها (التي تسميها استراتيجيات) على التذرّع بنقص المياه وزيادة الطلب وتغير المناخ… لتبرير إنشاء مزيد من السدود السطحية، لمزيد من الاستثمارات المربحة للشركات الاستثمارية وسماسرتها، وليس من أجل تأمين المياه الموجودة، والتي تشكو من سوء الإدارة والتوزيع والتلوث وليس من القلة أو الندرة؟!
هذه الأسئلة والحقائق (وغيرها ولا سيما تلك المتعلقة بحجم ونوعية وملكية وتجارة المياه المعبأة) هو ما يفترض أن تناقشه اللجان النيابية بشكل أعمق، قبل فوات الأوان، أو في الوقت الضائع قبل تشكيل الحكومة، استعداداً لمحاسبتها، أو توجيه الأسئلة للوزارات المعنية، ولا سيما الطاقة والمياه على استراتيجيتها الغائبة، ووزارة البيئة على وزيرها الغائب.