الشاطئ اللبناني ليس كله مُلوّثاً. هذا ما أكده الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة، أمس، خلال إعلانه نتائج دراسة لنوعية مياه البحر. الدراسة أظهرت أن 16 من بين 25 موقعاً تم مسحها صالحة للسباحة، فيما هناك مناطق نسبة التلوث فيها «مقبولة»، من دون أن يوضح ما اذا كان يعني ذلك أن السباحة ممكنة فيها. «الايجابية» التي حاول حمزة إضفاءها على النتائج لم تمنعه من الاقرار بأن هذه النتائج غير نهائية، «إذ يمكن حدوث تغيرات فجائية في نوعية المياه» بسبب المكبات العشوائية ومياه الصرف الصحي المحوّلة الى الشواطئ. كما أن الدراسة لم تشمل المواقع الصناعية ومصبّات المجارير لأن «من الطبيعي» أن النتائج في هذه المواقع «ستكون كارثية»! من بين 25 نقطة بحرية على الشاطئ اللبناني، هناك 16 تحمل تصنيفاً جيّداً وبالتالي يصلح استخدام الشاطئ فيها للسباحة وممارسة النشاطات المائية. هذا ما خلُصت إليه دراسة لـ «المركز الوطني لعلوم البحار» التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية حول نوعية مياه البحر على طول الشاطئ اللبناني.
الأمين العام للمجلس معين حمزة أكّد، في مؤتمر صحافي في مقره في بيروت أمس، أنّ «التعميم خطأ (...) لا يُمكن القول إنّ طرابلس، مثلاً، أو بيروت كلها ملوّثة. هذا كلام غير علمي. الصحيح أنّ هناك نقاطاً مُلوّثة». ويُناقض ذلك ما نشرته سابقاً مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية حول تلوّث كل المواقع الشاطئية، وتأكيد رئيسها ميشال افرام أنه لا يوجد موقع في لبنان غير مُلوث، وإنما هناك مواقع أقل تلوّثا.
أنقر الصورة للتكبير

حمزة أوضح أن الدراسة استندت الى عيّنات من 25 محطة على كامل الشاطئ اللبناني البالغ طوله 220 كيلومترا، من العريضة شمالا الى الناقورة جنوبا. وتم مسح هذه النقاط دورياً لفترة 30 شهرا (من كانون الثاني 2016 حتى حزيران 2018). وبحسب نتائج الدراسة، فإنّ تصنيف «جيّد»، يعني أن الموقع يحوي على معدل يتراوح بين 0 إلى 200 مُستعمرة بكتيريا في 100 ملل من مياه البحر وهو ما يندرج ضمن معايير مُنظّمة الصحة العالمية. وفي هذا السياق، حاز عدد من المواقع على هذا التصنيف، من بينها شاطئ محمية صور الرملي، شاطئ الناقورة، شاطئ البحصة في جبيل، المنية... ما يعني أنّ هذه المواقع «صالحة» للسباحة وممارسة مختلف النشاطات المائية.
ويعني تصنيف «مقبول» احتواء المياه في الموقع 200 الى 500 مستعمرة بكتيريا في 100 ملل. وقد حاز هذا التصنيف عدد من المواقع من بينها الشاطئ القريب من مطار القليعات في عكار، شاطئ المينا في طرابلس، المسبح الشعبي في صيدا، والمسبح شبه الشعبي في الصرفند.
أمّا المناطق المُصنّفة «سيئة» و«مُلوّثة»، فهي تلك التي احتوت على معدلات تفوق 500 مُستعمرة بكتيريا في الـ100 ملل. واللافت أن الدراسة أظهرت مواقع ترتفع فيها الأرقام الى معدلات خيالية، كما في المنطقة الواقعة قرب مصب نهر انطلياس (285 ألف مستعمرة بكتيريا ــــ قولونيات برازية)، وشاطئ الرملة البيضا الشعبي (26 ألفاًَ و750)، والمنارة الجديدة (20 الفاً و350)!
وبطبيعة الحال، لم تشمل الدراسة المناطق المعروفة بالتلوّث. بحسب حمزة، «لا معنى للتحاليل التي تؤخذ عيناتها من مصبات المجارير أو من مناطق صناعية أو وسط المرفأ حيث تنطلق البواخر. فمن الطبيعي أن النتائج ستكون كارثية».

نتائج مؤقتة؟
ورغم إصرار حمزة على إظهار الجانب «المُشرق» عبر استعراض المواقع غير المُلوّثة، كانت لافتة إشارته الى أنّ النتائج «تحمل قيمة زمنية ومكانية مُحدّدة، ولا يُمكن تعميمها في كل الأوقات. إذ يمكن حدوث تغيرات فجائية في نوعية المياه، سلباً في حال تسرّبت اليها مصادر تلوث جديدة، وايجاباً في حال وضع حد لهذه المصادر». ورأى أن التقرير من شأنه «الحدّ من انتشار التلوث ومعرفة النقاط النظيفة لنحميها ونوسعها حتى يستفيد منها الناس وبشكل أساسي المسابح الشعبية». وأكّد أنّ الوضع «دقيق، نظرا الى كثافة المياه الآسنة والنشاط الصناعي المتزايد على الشاطئ وانتشار المكبات العشوائية للنفايات الصلبة التي تترسب عصارتها في أعماق البحر، خصوصاً في منطقة برج حمود». وأضاف: «النتيجة هناك كارثية. ضعوا الأرقام التي تتخيلونها. سيكون الرقم أكبر من ذلك»! ووعد بأن يعرض قريباً نتائج نسب التلوث في المنطقة المحيطة بمكب برج حمود التي توصل إليها المركز من سطح البحر حتى عمق 60 متراً.
حمزة: النتيجة في برج حمود كارثية. ضعوا الأرقام التي تتخيلونها. سيكون الرقم أكبر


ولكن ألا تُساهم التيارات المائية في نقل التلوث والجراثيم من نقطة الى أُخرى؟ سألت «الأخبار» حمزة، فأجاب: «صحيح أن التيارات المائية تنقل الجراثيم، ولكن الاحتمال الأكبر أنها تنظفها، وذلك عندما تخلطها بكميات مياه أكبر. فالشمس والملح يساعدان على تفككها، خصوصاً أن مدة حياة الجراثيم غير طويلة». لكنه لفت الى أن «أي نقطة نظيفة اليوم قد يأتيها تيار ينقل إليها النفايات فتتلوث». ما الحل إذا؟ الحل ليس سهلا، بحسب حمزة، لأنه مرتبط بكل من وزارة الداخلية والبلديات، الصحة، البيئة، السياحة، والنقل. لكل من هذه الوزارات صلاحياتها، «لكنه لا تنسيق بينها لحماية الشواطئ ». وحمّل أيضاً المسؤولية الى البلديات التي ترمي نفاياتها على الشواطئ. ودعا رئيسي بلديتي صور وصيدا اللذين حضرا المؤتمر الى معالجة مسألة المجارير، منتقدا غياب محطات التكرير على المناطق الشاطئية التي تحتضن نحو 70% من النشاط الإقتصادي في لبنان.