لم يعد توصيف تصريف الأعمال ينطبق على هذه الحكومة. الأصحّ انها حكومة فلتان الاعمال، لا سيما في ملفات انشاء السدود وتنظيم أعمال المقالع والكسّارات والمرامل. وكما فشلت هذه الحكومة (ووزير بيئتها تحديداً) في وضع حد لفلتان ملف ادارة النفايات، فشلت أيضاً في وقف الأعمال العشوائية في المقالع والكسارات والاحتيال على القوانين، وفي اعادة النظر في خطط السدود المكلفة ــــ وغير المناسبة ولا الضرورية ــــ التي تبين انها حجج اضافية لتشغيل المزيد من المقالع والكسارات غير المنظمة، للاستفادة السريعة والكبيرة على حساب الخزينة والطبيعة.آخر ارتكابات وزير البيئة طارق الخطيب الذي يوزع الموافقات على ازالة الجبال وجرف الصخور وتفتيتها من دون العودة الى المجلس الوطني للمقالع والكسّارات، موافقته على استخراج الصخور من مشاعات بلدة تنورين ونقلها الى البترون لإكمال بناء سد بلعة. وهذا الأخير، يتم الإصرار على استكمال العمل فيه رغم كل التحذيرات الجيولوجية من أن البواليع الموجودة تحته لا يمكن سدها إلا بأكلاف ضخمة تطيح بكل جدوى اقتصادية من انشائه، كما هي حال معظم السدود السطحية في لبنان.
في هذا القرار، خالف وزير البيئة الأصول التي تفرض عليه عرض الطلب على المجلس الوطني للمقالع والكسارات، ووافق من دون أن يطلب دراسة الأثر البيئي لسد بلعة أو لغيره من السدود. ولو مارست وزارة البيئة صلاحياتها بدراسة التقييم البيئي الاستراتيجي لما يسمى «الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه» التي اقرها مجلس الوزراء (9/3/2012)، لأجرت تقييماً شاملاً للسدود السطحية، وتحفظت عنها واقترحت استراتيجيات أخرى لحفظ المياه وجمعها، بدل تخريب الأودية وتغيير النظم الايكولوجية بشكل خطر وتجفيف ينابيع مهمة كما في حمانا وشاغورها، وبدل زرع الخراب في بعض الأماكن لنقل ردمياتها الى أماكن أخرى كما حصل في سد بقعاتا، وكما كان مقررا في تنورين. في كل هذه المشاريع الخطيرة، وفي غيرها، لا دراسات للأثر البيئي كان يفترض أن تتشدد وزارة البيئة في طلبها بدل التواطؤ مع المخربين!
درس الأثر البيئي العميق لاقتلاع الصخور من جرود تنورين والعاقورة وشاتين، او اي أماكن جردية أخرى، هو أكبر بما لا يقاس من قرار اي مجلس بلدي، مهما بلغت عبقرية أعضائه. إذ أن الصخور والطبقات الصخرية المتصلة ببعضها بعضاً، بشكل بالغ التعقيد، هي الحاضن الأساس للمياه الجوفية وخزاناتها الدهرية والتي لا يضاهيها اي من خزانات السدود السطحية! في وقت تنعم هذه المناطق بمصادر مياه طبيعية، المطلوب حمايتها من التلوث والاعتداء والهدر والسرقة، وحسن توزيعها مع برامج ترشيدية عادلة.
صحيح أن مجلس بلدية تنورين عاد عن قراره بالسماح باستخراج الصخور والرمول من جروده لاستعمالها في بناء سد بلعة. إلا أن هذا يجب ان يكون درساً للجميع بعدم استسهال تغيير معالم الطبيعة من اجل مشاريع غير ضرورية... إن لم تكن مشبوهة. إذ أن هناك من بات «يبدع» في خداع الخبراء والرأي العام أثناء عرض مشاريع السدود السطحية وكلفتها. فلا تظهر في هذه العروض كلفة الاستملاكات ولا كلفة تغليف السدود بعد أن يتبيّن أنها غير قادرة على تخزين المياه ومنع تسربها. هذا ما حصل في سد القيسماني. اذ لم تظهر في التقديرات الأولية الكلفة الإضافية لتغليف ارضية السد وجوانبه. وهذا ما حصل أيضاً في سد بقعاتا، حيث ستبلغ كلفة تغليف هذا السد الذي لم يستوعب نقطة مياه واحدة هذه السنة رغم انتهاء بناء جدران دعمه، 14 مليون دولار، تضاف الى كلفة انشائه المقدرة بـ65 مليوناً و6 ملايين دولار لإنشاء محطة تكرير، من دون احتساب الاستملاكات وكلفة الجر والضخ... وذلك كله لتخزين 7 ملايين مكعب من المياه، يذهب نصفها بالتبخّر! وهذا ما يحصل، أيضاً وأيضاً، في سد شبروح الذي تجاوزت كلفة إنشائه ومعالجة التسرب فيه مئة مليون دولار من دون أن تُحلّ مشكلة التسرّب. كما تردّد مؤخرا عن زيادة الاستملاكات في سد جنة، لزوم التنفيعات وارضاء بعض المعترضين... وليس لحاجات السد الذي يُتوقّع أن تفوق كلفته مليار دولار!
هذا كله جزء فقط من عملية الخداع. ويضاف اليه اخفاء الدراسات والاراء العلمية التي كانت تحذر من عدم صلاحية معظم المواقع لانشاء السدود، وتشير الى وجود مجار مائية في أكثر من موقع تحت ارض السدود، كان يمكن سحب المياه منها بدل انشاء السدود السطحية، وتغذية الخزانات الجوفية الطبيعية بأكلاف لا تذكر قياساً الى ما تم ويتم دفعه.
اما في موضوع المقالع والكسارات، فقد اضيفت الى البدع وطرق الاحتيال التي كانت تقوم على تراخيص باستصلاح أراض لسحب الرمول او قلع الصخور او شق الطرق او غيرها من الأسباب... بدعة جديدة اسمها «الاستثمار التأهيلي»، يتم فيها التساهل مع المخالفين لإعادة تشغيل مقالعهم غير القانونية بحجة «إعادة التأهيل». علماً أن مفهوم «التأهيل»، بحسب القانون، يشمل فقط الاماكن التي يصبح فيها الاستثمار مستحيلا. فما الذي يحصل في هذا الملف؟ للحديث صلة.